بيان 2


نتهم وندعو

نحن، الموقعين ادناه:

نتهم غالبية زعمائنا باستخدام الشعب الفلسطيني ومقاومته المديدة من اجل غاياتهم الطائفية والصغيرة—صغر زعاماتهم.

نتهمهم بتغطية الاعتداء على مخيم فلسطيني- لبناني مكتظ تحت شعارات "سيادية" غالبا ما استعملت في لبنان ضد الضعفاء والفقراء.

نتهمهم باعتناق عقيدة فاشية كالتي رافقت وسوغت حصار واقتحام مخيمي تل الزعتر والضبية في منتصف السبعينيات، وباستعارة خطاب بوش عن الارهاب وكأن على الشعب الفلسطيني كله ان يتحمل وزر عصابة تؤكد اجهزة السلطة نفسها انها معزولة شعبيا.

نتهمهم بالتغطية على بناء جهاز أمني غير خاضع لرقابة الشعب وممثليه, كما غطى أدعياء السيادة الجدد الجهاز الامني اثناء حقبة سيطرة النظام السوري.

نتهم جماعة 14 اذارتحديدا بالترويج لمشروع يستهدف سلاح المقاومة اللبنانية والفلسطينية، لكنه يعزز من تسليح العصابات الطائفية، بما يؤدي الى تاجيج الصراع في لبنان خدمة لمشروع امبريالي يمتد من المغرب الى افغانستان.

نتهم بعض المعارضة بالوقوف من دون اعتراض وراء مخطط السلالة الحاكمة لمجرد انه يستهدف" طائفة" غيرمحمية في لبنان— هي الشعب الفلسطيني, ونتهم بعض المعارضة باجترار خطاب العداء ضد الشعب الفلسطيني.

نتهم العديد من اللبنانيين باغلاق ملاجئهم ومدارسهم أمام اللاجئين الفلسطينيين من مخيم نهر البارد، في الوقت الذي فتحت المخيمات الفلسطينية ابوابها أمام اللاجئين اللبنانيين اثناء الحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان.

نتهم مثقفينا الليبراليين بالترويج لمفاهيم السيادة والعنفوان والثأر بدلا من الاخوة والمواطنية و الانسانية الحقة. ونتهمهم بالنفاق المقزز حين يدينون قتل المدنيين الاسرائيليين ولكنهم لا يمانعون من دك مخيم على رؤوس اصحابه. كما نتهمهم بالحرص على حقوق الانسان في بلد عربي واحد لا غير.

نتهم "الوطنية" اللبنانية، التي تحاول بناء وطن على اشلاء ضحايا القصف العشوائي في مخيم نهر البارد، بالعنصرية البغيضة.

نتهم بعض القيادات الفلسطينية، لدوافع فئوية ومالية معيبة، بالتغطية على الحرب الجارية.

نتهم السلفيين المتعصبين (المدعومين والممولين، بالمناسبة، من الاطراف عينها التي تدعم وتمول السلطة اللبنانية الحاكمة) بنشر الكراهية والطائفية و"ثقافة" التكفير والالغاء والواحدية.

نتهم اللبنانيين الذين يزعمون ان الجسر الجوي الاميركي عمل بريء أو انساني بالسذاجة السياسية في احسن الاحوال، وبالتواطؤ مع الحرب المتفاقمة في أسواها.


. بناء على ما سبق، ندعو الى:

1. وقف كل الاعمال الحربية ضد مخيم نهرالبارد، ورفض اقتحام المخيم الآهل.

2.التشديد على ان عقيدة الجيش اللبناني تعتبر الاسرائيلي، لا الشعب الفلسطيني، هو العدو (لا "الجار").

3. ادانة التأجيج الطائفي المتبع بفجاجة من قبل السلالة الحاكمة منذ انتخابات الشمال بصورة خاصة.

4. العمل على تغيير الوضع اللاانساني للمخيمات الفلسطينية في لبنان، واعطاء الشعب الفلسطيني في لبنان كامل حقوقه المدنية الى حين عودته الى وطنه فلسطين.

5. وقف الكلام المجتر عن "خدمات لبنانية" للقضية الفلسطينية لعلمنا ان اطرافا اساسية في لبنان حولت هذا البلد الى مقر للتامر على القضية الفلسطينية.

6. مطالبة القوى الوطنية والديمقراطية بالوفاء لتاريخ النضال اللبناني- الفلسطيني المشترك، و باتخاذ مبادرة تنقذ المخيم وأهله.
ااااااا
هذا البيان وُضع منذ ساعات قليلة, وللتوقيع عليه يرجى مراسلة نفس العنوان السابق.

البيان 1

يتعرّض مخيّم نهر البارد منذ أيام لهجومٍ عنيفٍ من قبل الجيش اللبناني لم يوفِّر المدنيين والمناضلين الذين لا علاقة لهم مطلقاً بـ "فتح الإسلام".
إنّ الموقِّعين أدناه يستنكرون القصف العشوائي الذي يُطاول أحدَ أهم خزّانات المقاومة الفلسطينية والعنفوان اللبناني ـ العربي. وهم, إذ يشدِّدون على كرامة الجيش اللبناني الذي لم ينجرَّ إلى مؤامرةِ نزع سلاح المقاومة الوطنية اللبنانية خدمةً للمخططات الأميركية ـ الإسرائيلية, يناشدون كافة القيادات السياسية والوطنية والعسكرية والأمنية فتحَ المجال أمام بعثات الإغاثة للوصول إلى هذا المخيم المناضل, وألاّ يُؤخَذَ المدنيون اللبنانيون والفلسطينيون, ولا مناضلو الفصائل الفلسطينية الشريفة العريقة, بجريرة "فتح الإسلام" ولا بجريرةِ مَن يحاول أن يدقّ إسفيناً بين الجيش اللبناني وفصائلِ المقاومة الشريفة.
إنّ كرامةَ لبنان يجب ألاّ يكون ثمنَها دمُ المدنيين, ولا أكواخُ الفقراء, ولا أرواحُ المناضلين الفلسطينيين واللبنانيين. فليتوقّف القصف, وليفسح المجال أمام تسويةٍ لبنانيةٍ مع فصائل المقاومة الشريفة ومع اللجان الشعبية داخل مخيم نهر البارد. وليفسح المجال, قبل كل شيء, أمام قوافل
الإغاثة والإسعاف.
هذا البيان وُضع و وُقع الاسبوع الماضي مع بداية الهجمة على مخيم نهر البارد, لإضافة التواقيع, الرجاء مراسلة
kidriss@cyberia.net.lb

عن بركان لا يخمد

اليهم: شهداء مجزرة نادي الحولة في مخيم البرج الشمالي ال 108
لا نكتفي من تكرار نفس الوهم بالأمان الزائف, ونفس المجزرة: نختبئ في ملجأ و يقصفنا الحقد بالموت و النسيان
لذكراهم في 12-6-1982, ألف وردة تنبت من تراب الروح التي تحرثها البراكين


وبالأمس كان ضوء القلب شحيحاَ
النهار يوغل في رسم النهايات الأكيدة
وروحي تنوء خجلاً :كانوا هنا


كيف لم أكن أعرف عن المجزرة؟
كيف نامت عيوني عن أنينهم الذي طالعني على باب المخيم؟
وكيف لم يصلني من قبل الى سريري. او قبري القريب؟
هل الانين ايضاً يحتاج هوية زرقاء و تصريحاً للاجئين؟

::

وجنود الجيش الباسل يقفون على الحاجز
تفقئ عيني شوكات ارزاتهم
وأنزف الدم المختبئ في اغماد بنادقهم
يسألون عن الهويات, فأصاب بالبركان
ارميها له,طفل هذا المرمي الى شمس وتوقعات الغربان
ينظر لي وينظر في صورة المراهقة التي تحت الارزة
لا أظنه يرى الشبه
ولكنه يقول: لبنانية ما في مشكلة تفضلي

ولكن الوقوف بضيافة العلم اللبناني تطول بسبب صحبي ذوي الهويات المتعددة الالوان

يفور بداخلي البركان

اقود السيارة بطيئة
الحمم و اللهب يثقلانها

على حاجز "المنظمة" أحاول أن أمسك النيران برموشي
يقول لي بعد التفتيش الروتيني "تفضلي" بكسل
الشمس سببه؟ ام فقدان مسببات الشك؟
او لعله انعدام الفارق بين هذه الحياة و ما قد تأتي به المفاجآت؟

ألملم رائحة لحمي المحترق عن الهواء و احرك المقود

أمعن في اللهيب ولن أضيئ مثلهم

::

حين باغتتني دموعي, اشحت بملحها عن عين كاميرتهم ذات الدم الازرق
لاحقتني تقتنص لحظتي معهم

أنزلت نظاراتي الشمسية , وجاءني الصوت
"No , please keep it up"
عنادي الفطري يصمم, أنزلها وأصوب المكابرة إزاء الشفقة المحتملة
صرت حنظلة تصغر و تذوب في ثيابها
ولا من يستر عورة عاري

كانوا كثر
أكثر مما للطفلة التي كنتها آنذاك ان تعد
ولما كنت أكبر, كانوا يهيمون بالعويل هاهنا
فقط هنا
وانا كلما اتيت انشغل بالحكي و الضجيج
فلا اسمع نشيجهم

::

البركان يصطخب
موج من حمم يتخبط فيّ , وأسمعهم
كيف ذلك؟
هل حلت عليّ بهم نعمة سماع جديدة؟

ما من نبي بُشِر بالحاسة الواحدة العديدة
ما من رب رحيم وهب خلقه هذي القدرة القادرة

::

من الخالصة انا, هيها قريبة, وديني عليها, بيوجع الموت هانا_

ولكم اللوبيا مش كتير بعيدة, مشان الله وبعرض اخواتكو تاخدوني هناك*

أمانة يما تقولي لمحمد يدير بالو ع اخوانو, لازم يضلو ايد واحدة لنرجع نعمر دارنا بأم الفرج_

يلعن اخت المخيمات و اللي بيصدق وعود العرب, هاي متنا هون: انبسطت يابا؟ قال خايف ع عرض البنات! و ارضنا بترشيحا*
مش خايف ع عرضها لمن فتحوها بالدم؟

الاصوات تتوالى, وبركاني يثور
يكاد ينفجر فوق النصب الميت فوق اجسادهم الحية التي ينبض ضجيجها بالذاكرة الطازجة

اركض هاربة بدمعي و اللهب القتّال
في فعل غضب و قهر مني اولاً: أصفق البوابة المجنزرة بفعل التعود أو النسيان
وأغوص في الزواريب
أقطع حي "المغاربة", تلاحقني توصياتها: قولي لأخوي بردانة يجيب من حرامات الاعاشة و يغطيني

"أتجاوز سعسع, ورعده يفلح اذني" الا بدك تجوزيها ابن صفورية؟؟ هلقيت رح تموت معاهم
::

"تفلت مني زفرة تنين على اعتاب "الناعمة
أخاف احرق ما تبقى منهم, مني و من الوجود

أرمي بكل جهنمي في السيارة, وأنتظر لحاق "البيض" بي كمجنونة
الاصوات تصمني
والبركان يكاد يندلع من الشبابيك المقفلة و الابواب الموصدة بإحكام
يأتون مدهوشين, لا احكي شيئاً
لا شك أن تعابيري الصخرية اخرست حتى صوت تنفسهم




::

على حاجز المنظمة يودعوننا بالكسل ذاته
لا يدققان في الخروج كما في دخول المخيم
ولا يفتشون السيارة عما هربته معي من الداخل


أستعجل الانعتاق من المخيم
يجب ان اتفاهم سريعاً مع اصواتهم و فحيح براكيني
ومع هذا الله الذي لعنني بتكثيف حاسة ما سُئلت اساساً لو أريدها

سأمضي عن حاجز الجيش ثم ابدأ حفلة جنوني و الصراخ
تطلع بي السيارة على الطريق العام بعد حاجزهم

كيف لم يروا الحمل الفائض الذي عدت به من عندهم؟

أصلاً لن يروا
هم ما رأوا أصلاً
فهل سيرون الان؟

وسط ذهول من معي,اتوقف على جانب الطريق
طريق اخر ككل الطرقات التي بلا جوانب و بلا ملامح و بلا نهايات
وأحاول ان أصغي لما في رأسي


::


"لا شــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــئ"


لا شئ
لاشئ

لا شئ
صدقاً: لا شئ بالمرة

اكاد اجزم اني اسمع صفير الصمت و الفراغ

حتى البراكين انسحبت من أذنيّ

وتكاد رائحة دخانها تندثر من انفي كذلك

اخبط رأسي بالمقود: أين اصواتهم طيب؟

!!لا شئ؟؟
لا شىء حقاً؟

هل سُحبت مني تلك القدرة التي هبطت عليّ فجأة؟
هل صار الرب الذي اسبغها عليّ _كما الذاكرة المثابرة على النسيان الانتقائي_ رحيماً فجأة؟

أم ان للرب نفسه قوانين واجراءات وحواجز لا تسري خارج المخيمات؟
يا هذا الرب
يا الله

قد أحرقك انت ايضاً اذا ما انفجر مني البركان


::

أكمل في طريق لا أريدها تصل بي الا معهم الى حيث اوصتني الاصوات المتروكة, كحزن عيون اصحابها

افكر كم مرة سيكون علي ان اموت فيما لو لم أستحق ان احمل امانة تلك اللحظات البارقة من النبوة الغريبة

......ويعلوني البركان












شكراً محمود درويش على الاصابة بالبركان*
كل ما باللون الاحمر هو اسماء بعض قرى لاجئي مخيم البرج الشمالي الاصلية في شمال فلسطين المحتلة, وفي مخيمات اللاجئين في لبنان, يسمي الناس احيائهم بحسب اسماء قراهم الاصلية, ومخيم برج الشمالي فيه عائلات من 37 قرية فلسطينية هُجر اهلها في العام 1948,و بعض قراهم تم مسحها عن الخريطة. وقد نقل اللاجئون,_عبر الاجيال_ قصص العدوات و المصاهرات و الالقاب كما في فلسطين المحتلة بين قراهم, كما عاداتهم و تقاليدهم و كل خصائص حكيهم وطبخهم و لباسهم

بكرا الارض بترجع حرة


كما "طلعناهم برة" في بيروت 1982 و صيدا وصور 1985 وأرنون 1997 و كل* ارض الجنوب المحتل في مثل هذا اليوم من ايار 2000


سيكون علينا ان نبذل مزيداً من الدم و العناد و الحكمة السياسية و الحنكة الاستراتيجية و المرحلية حتى لا تبقى" الشهدا عيونهم بتحوم و تسألنا هلق عن بكرا" ت



فـ"بكرا الارض بترجع حرة" ت
























ت



ما عدا مزارع شبعا و كفرشوبا المحتلة بحسب تقسيمات سايكس و بيكو للبنان*
وما كُتب بالاحمر هو مقطع من اغنية "طلعناهم برة" لاحمد قعبور






في باب العار: فتواي و تعريفات

العار: ما يجري في مخيم نهر البارد منذ يوم الاحد الماضي

العار: ان نكتشف ان للجيش اللبناني تجهيزات لا تقل فعالية في قدراتها التدميرية عن باقي الجيوش الآثمة, مع فارق بسيط: انها توجهها_عن بو جنب_ ضد مدنيني فلسطينين هذه المرة ايضاً! ويقولون لك: لبنان يحتضن قضية فلسطين. و "آويناهم" آوى اللي يأويكم يا اولاد الكلاب, قال آويناهم قال

العار: ان يبكي فلسطيني أمام عين الكاميرا, فتخجل من دمعه ولا يخجل العالم المفتوحة عيونه و شهيته على المزيد من نصاعة دمهم إحنا زي وباء, ما حدش بدو إيانا, أحسن إشي يرموا علينا كيماوي و يدوبونا

العار: ان تتعفن الجثث و تتفاقم الجراح المستجدة فوق الندوب التي لم تبرؤ اصلأً بسبب "النيران الصديقة" بتوقيع الجيش اللبناني

العار: ان يسألك شخص تعمل معه منذ سنين ويعرف من انت من نقاشات و اختلافات كثيرة, وبكل وقاحة: قوليلي هلق الفلسطينية معهم حق يا ست ملاك؟

العار: ان يغضب البعض وبقوة مما يحدث, لا لأن الدم المستباح غالٍ و ذا قيمة لا تقل عن قيمة دم شهداء الجيش اللبناني المغدورين على يد عصابات تنكر لها وتبرئ منها كل فلسطينو اللجوء في لبنان, بل لأنهم يؤمنون بنهج الحجة هيفا في الحياة "بدي اعيش" ااا ا

العار: العار لا يحتمل التأويلات

العار : "يا أبيض يا أسود, لكن موش رمادي" بحسب الست لطيفة التونسية

العار: عار السكوت, وعار الاشاحة بالعين و الضمير و تنحية الذاكرة عما يحدث في ذمة شهادتنا على عالم يريد ان يمعن صمماً و بكماً و عماء عما يحدث بعد لو نحن ما ازعجناه

العار: ان ينزف دم المخيم نهراً دفاقاً حاراً فيك, ونصفك القاتل, ونصفك الاخر المقتول

العار: ان تصرخ عار, وان لا تصرخ عار

وكل العار انك بعد كل هذا العمر, لا زلت تقف امام نفسك وتسألها مندهشاً: اي خط وخيط وخطوة وخطيئة تفصل بين الكرامة والعار؟

لا يشبهني

لأن لا شيء يشبهني في هذه اللحظات قدر هذه القصيدة: شكراً طلعت سقيرق, وعفواً يا هذه البلاد المسكونة بهاجس محاولاتها للانتحار المستمر
لا أشبهك و لا تشبهيني :(
أسقط عندَ المرآةِ
وأمضي ما بينَ المرآةِ .. وبيني
أتسلق جدرانَ الصمتِ وأهوي
ما بينَ المرآةِ وبيني ..
يشبهني ظلي ..
لا يشبهني ظلي ..
أتبسم يبكي وجهي في المرآةْ
أتألم حتى أعماقي ..
يضحك وجهي في المرآةْ ..
أتقدمُ يتأخر خطواتْ
أتأخر يتقدم خطواتْ
أشهدُ أنْ لا ..
يرفضُ أنْ لا ..
يشهد أن لا ..
أرفض أن لا ..
ومساحات الطحلب حبلى
تكبر .. تكبر .. ترجع حبلى ..
/ عند الحد الفاصل ما بين ملامحنا
يظهر جليات النائم خلف السنواتْ
من بينِ الأشجارِ يمد يديه ويبكي
يتقيأ .. يبكي ..
يحكي عن جلدِ الأرضِ
وجذر الأرضِ
ويرحل يرحل في السنواتْ /
عند الحد الفاصل ما بين أصابعنا
والسكينْ ..
عند الحد الفاصل ما بين رصاصتنا
وحدودِ الجثةِ حين تنام على ضلعٍ
من طينْ
عند الحد الفاصلِ .. والواصلِ
ما بينَ الجثةِ والمرآةِ .. وجلياتْ
وقفتْ حيفا ..
والشاطئُ ماتْ ..
* * *
قابيلُ على كلِ الأبوابْ
يتجولُّ في كلِ الطرقاتْ
يتداخلُ في الجثةِ
يأخذُ شكلَ القاتلِ والمقتولْ
يشعل لغةً أخرى
يركض في الشارعِ
يكسر كلَ ضلوعِ الأمطارْ
هابيل القاتل والمقتولْ
قابيل القاتل والمقتولْ
والجثة عاريةٌ من كل فصولِ شهادتها
الجثة حافية القدمينْ
عندَ الحدَّ الفاصلِ ما بينَ الظلينْ
لم تدخلْ تاريخَ الأشجارْ
لم تحفظ في القلبِ الأشعارْ
عند ركام الليل انشلحتْ
لم تدخل غابةَ زيتونٍ
لم تكتب دمها عشقاً فوق جدارْ
الجثةُ مفرغةٌ من معناها
القاتلُ يطلقُ
والمقتولُ ينامُ على زنديهْ
القاتلُ يطلقُ نحوَ القلبِ
ويهوي ..
الجثةُ في كلَّ الأبوابْ
نتبادلُ طلقَ رصاصتنا
ونشدُّ على جرحٍ واحدْ
ونعودُ إلى بطنٍ واحدْ
نهرٍ واحدْ ..
ظلٍ واحدْ ..
والجثة لم تكمل مشوارَ الحب إلى عكا
لم تكمل مشوار صباحاتِ الخيرِ إلى
يافا
لم تدخل في البرقوقِ المنتشرِ على
صدر نهارْ
جثة قابيلَ وهابيلَ اندلعتْ
من تابوتٍ واحدْ ..
في تابوتٍ واحدْ ..
لم نكمل بعد قصائدنا ..
ما زلنا ننتظر الأمطارْ
فارغة خطوات المشوارْ
لم نرسل خيمتنا حتى رئةِ الشمسِ
ولمْ ..
ندخل في لغة الأزهارْ
لم نفهم سرَ الدبكةِ والموالِ الأخضرِ
فينا
لم نحفر كي نبحثَ عن ضلعِ أغانينا
عن زهرةِ برقوقٍ حمراءْ
عن نبعِ الماءْ
لم نفهمْ بعدُ لماذا كسرتْ عكا
غازيها
ولماذا ضربتْ بحجارتها
والصدرِ العاري راميها ..
وانتصرتْ عكا
لم نفهمْ
فمشينا كي نحرقَ دمَنا
قابيل يعودْ ..
قابيل القاتل والمقتولْ ..
والجرحُ يطولْ ..
* * *
يا حبةَ قمحٍ منسيهْ
يا دفقةَ نورْ
للشمسِ ربيعٌ وهويهْ
للشمسِ زهورْ
لم نكملْ بعدُ قصائدنا
لم نغلق بعد أصابعنا
حيفا واقفةٌ عندَ البابْ
من طلقةِ حجرٍ تتجددْ
من صرخةِ طفلٍ تتمردْ
تنزاحُ العتمةُ عن شاطئنا
ينهضُ جلياتُ الغائمُ
من حجرٍ
من ضلعِ الحجرِ الواقفِ ينهضُ
يتوحدُ بأصابعِ طفلٍ
ينهضُ
ينهضُ
ينهضُ ..
كلُّ المدنِ الحبلى تنهضُ
تنهضُ
والدبكةُ تنهضُ
والموال الأخضرُ ينهضُ
تموزُ يوحّدُ جسمَ الأرضِ وينهضُ
والجثةُ تغتسلُ بماءِ القلبِ وتنهضُ
من عتمتها تنهضُ .. تنهضُ ..
كلُّ الأرضِ نشيدٌ واحدْ
نمضي .. نمضي .. ننهضُ .. نمضي ..
لا نتردد .. نمضي .. نمضي ..
لا نترددُ .. لا نترددُ ..
زهرةَ برقوقٍ حمراءْ ..
غابةَ زيتونٍ خضراءْ
غابةَ
زيتونٍ خضراءْ ..

رأي علني في حياة "المرأة" السرية

يوم الخميس الماضي كان موعد بيروت مع افتتاح عرض عملين مسرحيين يُفترض بحسب الدعاية التي مهدت لهما ان "يكسرا توباهات" ويتناولا تفاصيل خاصة و غير مطروقة سابقاً في "حياة امرأة السرية" و "اسرار الرجال" ا

كانت "حياة المرأة السرية" قد عُرضت سابقاً في مسرح مونو و اثارت وقتها ضجة تعالت اصدائها وساهمت في اثارة فضول جمهور عريض تحمس لمشاهدتها في عرضها الثاني, خاصة وان زياد الرحباني كتب فيها نقداً نادراًً وسماها "مفاجأة مسرحية" ا

بداية كنت متفاجئة وسعيدة لحجم الدعاية للمسرحيتين, فقد وصلت الاعلانات الى صور نفسها, وهذا امر نادر و قليل فيما يخص ما يدور من انشطة وفعاليات ثقافية في بيروت. و بما ان شريف عبد النور_المخرج و كاتب النص و المنتج_ معرفة احترم ظروفها و افخر باستمرارها و اعجب بإلتزامه ونشاطه في اكثر من مجال, فقد اتصلت به قبل عرض المسرحية بيوم لاخبره بحماسي لاراه و المسرحيتين في الغد

ماذا حدث في الغد؟

اجبرت نفسي على اكمال المسرحية الاولى, وارجعت بطاقة المسرحية الثانية حيث لم اجد فيّّ القدرة على ارغام نفسي على مشاهدة المزيد من هذا الشيء الذي يفترض انه يتناول بجرأة تفاصيل تفك الظلال عن "اسرار الرجال" و تتناول بقوة حياة "المرأة" السرية! ا

انا ورنا ووالدها واصدقاء إلتقيناهم قبل الدخول الى العرض, جلسنا في القاعة المظلمة في مسرح المدينة في الحمرا مدهوشين مما يجري امامنا على خشبة المسرح! ا

عن أي جرأة تحدثت الجرائد قبل أيام واسهبت؟
اي تابوهات سيتعامل معها العمل ككل؟

منذ البداية و انا انتظر ان يأتي شيء من الممثلات الاربعة يفاجئني و يهز وعيي و يجعلني اعيد ترتيب افكاري فيما يخص علاقتي كإمرأة مع المجتمع "الذكوري", ومع نفسي حين تُعرى "حياتي السرية" على خشبة مسرح و تخرج من حيز احاديث الصداقات و أفأفات الدورة الهورمونية و النفسية المتعاقبة

ولكن.... ا

لا شيء, لا شيء من كل هذا! ا
لا انكر ان في المسرحية عمل جميل على صعيد التقنيات المسرحية و اللعب بالاضاءة و بعض "القفشات" الذكية. و لكنها حتماً اقل بكثير مما توقعت من خلال الحديث عنها و حملة الدعاية التي سبقت العرض

لن احكي كثيراً عما توقعته, فأنا أصلاً لا اؤمن بوجود "أسرار" في حياتي كأنثى لا يعرفها العالم كله و إن لا يتم الحديث عنها بشكل علني في هذا الوسط او ذاك. و لكني ظننت بأدنى قدر من التوقع ان العمل سيطرق باباً تعرف كل النساء انه مهمل لدواعي "العيب" و "شو خص الرجال بقصصنا هيدي؟" الا وهو الدورة الشهرية التي تضيعنا في آلامها المتكررة
وطبعا ًهناك ألم الولادة الذي لم اجربه بعد , وبالتالي فأنا "غير مكتملة" بحسب المسرحية التي اعتبرت ان "الاكتمال بأنو اصير أم"
هذه معمودية الدم و الوجع التي تكويني شهرياً منذ إكتمل جسدي كإمرأة, وآلام المخاض الذي سأضع به حياة او حيوات _فيما لو قررت ذلك و رغبته مع رجل يحترمني و يشتهيني بالتساوي_ ايضاً لن تكون صغيرة و لا سهلة ( و لكني لا اقبل مطلقاً ان يعتبرني اي كان "غير مكتملة" ان لم ارغب بتجربة الامومة) ا
ولم تقاربها "حياة المرأة السرية"!!! ا


فعن اي حياة للمرأة تتحدث المسرحية؟

عن صورة "محترمة" يفرضها المجتمع على النساء؟
هذه مهمة وقد قاربتها المسرحية بشكل او بآخر, ولا أغفلت ان النساء انفسهن هن من يعدن انتاج هذه النظرة الى انفسهن كمحترمات, وانهن من يجانبن اعلان تمردهن على هذه النظرة عبر مواجهة المجتمع بـ"رغبات"ـهن و تمسكهن بحريتهن ككل, والتي لا تنفصل بجانبها الجنسي عن الجوانب الأخرى التي لا تقل اهمية
ولكن تناول هذا الجانب من منظار "الجنس" فقط هو ما يجعلها ضعيفة و ركيكة بنظري. فالامور لا تقف عند حدود السرير فحسب, وان كنت اؤمن بشكل مطلق بأن حرية الاشخاص الجنسية امر مقدس كحريتهم في الحياة. و لكن هل هذا هو معيار "الاحترام" الوحيد و الاهم بالنسبة لكلا الجنسين؟

::

احتفت الجرائد بالقول ان العمل سيتناول و بجرأة رفض المرأة لمنطق التسليع السائد في اطياف كبيرة من المجتمع اللبناني الذي هو ارضية العمل, ولكن ما رأيته لا يتجاوز تسمية المعروف و تناول غير مفهوم بالمرة للفكرة عبر ربطها بقبول او رفض عرض الرجل "ابو كرش و ريحة عرق" ان "يشتريلي كاس!!!" ا

ببساطة: اذا ما كانت اي انثى متضايقة من ان اي كان يصنفها في خانة المرضي عنهن ليتم دعوتهن لشرب كأس مع اي رجل, فعليها ان لا تذهب الى مكان قد تُرى فيه كمشروع شراكة كأس فقط. و اذا كان الموضوع لا يهمها اصلاُ, فبالتالي لا يفترض به ان يضايقها.ألي كذلك؟ على الاقل, هذا ما أفهمه شخصياً و أمارسه
وبالمناسبة: هذه النقطة في المسرحية اسعدتني. فأنا شخص لا يهتم بكمية السليوليت في محيط وركي مثلا, ولا استعمل كريمات التنحيف و لا اؤمن بعمليات التجميل, ووزني يفوق "المثالي" بكليوغرامات عديدة, ومع ذلك فأنا أحظى بدعوات لأكثر من كأس وغمزات و نظرات وتلميحات تشي بالاعجاب , وبشهادة صديقات و اصدقاء احب تواجدي معهم وتواجدهم في حياتي

هذا اذن يقول شيئاُ عن رجال لا يهمهم فقط "مثالية" جسد المرأة, و يقول ان ثمة نساء لا يتبعن بالحرف كتيب المقبول و السائد بنظر مجتمع ما في مكان و زمان ما, ومع ذلك يحظين بمعجبين لاكثر من اعتبارات جسدية


::


ثم: قيل ان المسرحية سترفع الغطاء عن الصورة المُفترضة عن المرأة, ولكن بالمقابل: اي صورة ارادتها "فتيات شريف عبد النور" للرجل؟
قيلت الوصفة السحرية لقبول الرجل بوضوح على لسان الممثلات :" بلكي بلا كرش, وبلا ريحة عرق, وجسم صحي, و رجال". سأرضى بأن مقاييس الجمال نسبية "كرش او دونه" و ان النظافة لا مساومة فيها "ريحة العرق" , وان الصحة امر مفروغ منه, ولكن من ذا الذي يمكنه ان يشرح لي ما هو مفهوم "الرجولة" المقصود؟

ما هذا؟ اي استسخاف بعقلي على الاقل هو هذا , اذا لم اعتبر ان هذا اسلوب فعلاً سطحي للتعاطي مع الجمهور المُعتاد لمسرح المدينة؟
أهذا هو ما نريده كنساء من الرجل؟
هل صار امراً ماضياً الحديث عن اهمية احترامه لخياراتنا في الحياة, كأخ و أب و زوج و صديق و صاحب وشريك سرير حتى؟
هل مسائل الشراكة المادية و الروحية و العاطفية كلها باتت امرأً و اقعاً و نحن نعيش في ظلها وبالتالي لا داعي للاشارة لها؟
اذا كانت كذلك, فلا اعتقد ان هناك ثمة حاجة لرفع العقيرة و الصوت ضد الكبت على المشاعر الجنسية التي كررتها فتيات المسرحية اكثر من مرة و بشكل واضح و مباشر لدرجة اثارت اعصابي شخصياً, كوني شعرت اني في صف مدرسي اولاً,وفي تفسير حسن النية قلت لنفسي"ربما يعتقدون ان بنا بعض صمم"

::

وايضاً: جنني الحديث عن العادة السرية

اي سخافة هي هذه التي نتعاطى بها مع موضوع العادة "السرية" بأن تُسمى (وفي مسريحة تُعتبر جرئية" بعادة "البيب"؟) و ان تُعاد و بشكل ممجوج المحاذير المنتشرة عن ممارستها؟
بيقولو انها بتعمي, وبتوجع الضهر و الراس. الخ الخ

يا الله! اهكذا يكون طرق باب التابوهات؟
::

واذا كان فعلاً ثمة رغبة بكشف المستور عن ما يعشش في عقول مظلمة بهذا القدر او ذاك بأفكار و موروثات اجتماعية يجب ان ننتفض ضدها في مجتمعاتنا "العربية", فلماذا يتم توزيع ورقة تتحديث عن العادة السرية بشكل علمي باللغة الانكليزية؟
ولماذا حين يُراد للجمهور ان يشارك في العمل الدائر امامه عبر تسمية الاعضاء الجنسية و العملية الجنسية بصوت عالٍ, فإن ذلك سيكون "بعد ما نطفي الضو"؟

الصوت الوحيد الذي تجرأ على كسر صمت الجمهور و الهمهمات الخافتة حين انطفئ الضوء قال "كس" ا

ضحكت ورنا بمرارة: اهذه جرأة؟

ان تأخر دقيقة او ضرب مكبح سيارة في اي مكان من لبنان وفي وسط النهار يستدعي استجلاب جميع اعضاء العائلة التناسلية على لسان الغاضب, فهل الغضب مبرر للجرأة؟ وهل "الثقافة" العاجية تستحي من تسمية الاشياء واعلانها بلسان الشارع الغاضب؟

اعتراضي ليس على فكرة التسمية نفسها, و كوني لم اسمي شيئاً لا لأني قاصرة عن تسمية اعضاء جسدي او جسد الرجل (بالمفردات العلمية او المتداولة و باللغة العربية إّ احكي و اصدقاء دوماً عن سبب تفضيلنا الحديث عن الحياة الجنسية و تسمية الاعضاء الجنسية بغير اللغة العربية, ربما لاننا نربطها بالعيب في موروثنا الاجتماعي "العربي"), بل ببساطة لأني ارفض منطق "التخباية" في حضرة العتمة

لا زلنا في مكاننا إذّن, وفي مكاننا نراوح: سنحكي الاشياء التي تظل في عتمة الحكي خارج هذا المسرح, في عتمة صالته و خشبته معاً!! ا

أهكذا حقاً تكون "التوعية"؟؟
::



طبعاً المسرحية عن نص لشريف, وهو رجل, فلن اعتب كثيراً على كونه ظل مقصراً و قاصراً على طرق ابواب كثيرة في حيوات النساء, ولكن مشكلتي هي في النساء انفسهن اللواتي مثلن المسرحية. اذ وعدا عن الافكار المطروحة التي فيها استسهال للتعاطي مع عالم النساء. فإن احد الجرائد اللبنانية كتبت عنهم باعتبارهن "فتيات شريف عبد النور" , وانا استخدمت هذا التعبير اعلاه في سخرية مريرة من قبولهن استخدام هذا التعبير المُصادر لذواتهن لصالح شريف "وهو رجل و ذكر و بالتالي ففي التعبير ذاته تبعية شخصياً ارفضها لأي كان", الانكى: المقال موجود على باب مسرح المدينة دون اي اشارة الى ان هذا التعبير مرفوض لأن فيه مس _اذا لم أقل تحقير_بكيانية الممثلات الاربعة!!! ا

::

لماذا كل هذه الغضبة على مسرحية؟

اولاً: لأن العاملين فيها و عليها صادروا حقي بالاختلاف و التمايز كإمرأة عبر اعتبارهم ان مسرحيتهم يحق لها احتكار "أل تعريف" النساء و الحديث عنهن بإعتبارهن كتلة صماء و احدة و متشابهة في كل تفاصيلها و "حياتها" ا

ثانياً: لأن الحرية الجنسية لا تنفصل بتاتاً بالنسبة لي عن حريتي في أن أكون ما أريد في كل المجالات و الاوقات, لا فقط في اختيار شريك سرير "بلا كرش و ريحة عرق"

ثالثاً: لأني اعتبر ان التسطيح في تناول موضوع تحرر المرأة من زاوية الجنس بات مقيتاً ومكروراً بشكل يجب الوقوف عنده من قبل النساء اللواتي فعلاً يعنيهن ان لا يكنّ في الجاهلية و عصور التنوير وفي اقصى احوال تمدنهن و تطورهن "حريات جنسياً" حتى "نتمتع" سوا

رابعاً: لأن النساء انفسهن يرضخن و بشكل كبير و هائل للمجتمع (تكفي مثلاً مساءلة طبيب ذا ضمير مهني و انساني عن عمليات ترقيع غشاء البكارة لتوقع اي منحدرات اخلاقية اكثر وعورة نحن مشرفين عليها_ و اخلاقياً هنا لا تتعلق "بالاخلاق" الاجتماعية بل بالصدق و الصدق و الصدق مع الذات اولاً عند هذه "البنات" ومن ثم مع "رجالهم" المتسقبليين) أ

خامساً: المسرحية غير جريئة برأيي , ولا حتى على صعيد اللباس, فقد انتظرت صديقاتي لنذهب معاً لمشاهدتها في مقهى في شارع الحمرا, و قد كان الطقس ماطراً بشكل متواصل" وقد مرت في الشارع صبايا يلبسن مثل لباس صبايا المسرحية, وفي ايحاءات جنسية اكثر مباشرة حتى " ا

سادساً: المباشرة و طريقة الحكي الاعلانية تثير اعصابي فعلاً , وقد إستُخدمت في المسرحية كثيراً و بتكرار يجعلني اشعر ان ثمة قصور عند الممثلين و المخرج في ابتداع طرق تعبير متنوعة للتعبير عن نفس الفكرة بغير قالب و بعمق اكبر كل مرة

سابعاً: ظللت امني النفس بجرأة ما ستأتي في المسرحية حتى إكتملت خيبتي بلحظة تحية الممثلات للجمهور. في لحظة ما, انطلقت الممثلات بين الجمهور ليخترن من يرضيهن شكلاً, قلت لنفسي في لحظتها (ستكون هنا قمة الجرأة لو اخترن امرأة فيطرقن بالتالي باب الهوية الجنسية المثلية و هو موضوع منتشر و سريته اعلى من سرية "العادة السحرية")

ثامناً: مشهد الانتقام بتلطيش الرجل الذي اختارته الصبايا ليصعد على المسرح مشهد مضحك وفيه قفشات "مهضومة", ولكنه غفل عن اننا "النساء_ نكره (او هكذا ندعي) ان يتم تلطيشنا لاعتبارات عامة لا تخصصنا "انا شخصياً لا احب ان يلطشني احد على ما لاعتبره مغرياً و لا أنثوياً فيّ, واللطشة عادى تكون على ما هو معمم كـ"مغري"), فليس من مبرر لإختيار شخص من الجمهور لا ناقة له و لا جمل, ولا حتى يملك حق الاختيار بالرفض او القبول ليُمارس عليه و به الإنتقام المبيت الذي لا تجرؤ عليه النساء الا بالسر .
اوربما بمسرحية تتلطى وراء الهضامة في قفشاتها كي لا تضع اصبعاً حقيقياً في جرح عميق خوفاً من نكأ النزيف و دم التربية المسفوح على اعتاب "العيب" و الفضيحة التي لا تحولها مسرحية و لا مسرحيات الى "موروث بالٍ" طالما تصر على التعاطي معها في العتمة

أخيراً: حين تُرصد ميزانية و يُعمل بإخلاص على إنجاح عمل ما , فرجاءً اتقنوه يا جماعة الخير, فلربما حظيتم بمعرفة مثلي تنتقدكم كما افعل بشريف هاهنا (وعسى قلبه تتسع لنقدي و اعتقده يريده ). و ع فكرة يا دكتور: إلك معجبات كتير, خصوصاً ع شكلك
;D



...


إليك أنت: لتكون بخير حقاً

حبيبي, معصيتي الاولى وربما الاخيرة

من اليوم لا تكثر الدق, فأنا متعبة ولن أفتح الباب مرة أخرى لأني لست هنا. فعندما قررت ان أخرج إليك بكل هذا الحكي في هذا العمر البارد دونك لم أنس ابداً أن أسد ورائي كل شئ, حتى القلب المنتهك. ليس في نيتي أن أهز راحتك الصغيرة فأمامك عمر و أمامك أحلام ومهالك كثيرة عليك ان تقاومها. فأنا من زمان وأنا أشعر اني مريضة بك, بيديك و بإنهاكاتك الطفولية و بتلك الارض التي ترضعنا الدم والخوف و كثيراً من الاسئلة المستعصية

أترك العالم وأجيئك الليلة للمرة الاخيرة لأنساك دفعة واحدة. أصعب شئ على امرأة أن تحمل في قلبها رجلاً لم تشبع منه. في قلبي خيبة كبيرة من الناس المستكينين في كذبهم الدائم

وأنت: أنت قذفتني عمراً الى الوراء. وجعلتني أنتبه فجأة الى هول الفاجعة: لقد مات الذين كنت أحبهم. من إغتيل إغتيل, ومن ذهب الى المنافي القصية والعصية ذهب بلا إلتفاتات مطولة الى ما يصير بعد اقلاع الطائرة و صافرة القلب ماضياً بعيداً, ومن آثر الرحيل فعل ذلك دون أدنى تردد.
حبيبي: هل تعلم هول الفاجعة؟

ذهب كل في طريقه و نسوا أن يقولوا لي:إحذري على نفسك, فأنتِ مثل الطين طيعة و هشة

آآآآآآآآآه أيها الطفل كم تحتاج من الجنون لتتفرد بعد عن بقية الخلق وتدرك ان حبك صار لا يُطاق وأني لا أحتاج شيئاً ولا أشتهي أحداً قدرك أنت وحدك, لليلة واحدة
الحب الجميل هو الذي نشتاق إليه دوماً. المخاطرة فيه صعبة ولكن علينا أن نعيشه لندرك الشطط الحقيقي للمتعة

كم تنقصك من الروح أيتها البلاد المؤذية لتصيري بلاداً بلا منازع و بلا أقنعة, بلاداً كبقية البلدان, تحب ناسها و تكرم أحبتها من حين لآخر حتى لا تنساهم و لا ينسوها
أيتها البلاد التي نكست كل رايات الفرح و لبست حدادها وأنتعلت أحذيتها القديمة التي أذلت فرحتها, لا تكثري الدق انتِ كذلك, فأنا لن أبقى هنا
سأخرج باكراً ذات صباح ولن أنسى ابداً أن أغلق ورائي كل النوافذ و الابراج وأسد القلب للمرة الأخيرة وأقسم أني لن ألتفت ورائي و سأقول في خاطري :ليكن! للحب ثمن وعلي ان ادفعه

أدري إني انسحب من الدنيا مثلما يفعل الساموراي عادة عندما يخسر حروبه المقدسة, تماماً كما يشتهي أجمل من يغادرونا عادة. وها أنا ذا اليوم اقرر الدخول خفية القاعة المظلمة و اتحسس سكين المنفى التي سأتركها بعد قليل تنزلق من الجهة اليسرى للبطن الى اقصى اليمين, وسأتركك اليها انت والبلاد المصطخبة بروائح غرابتها الاخيرة.

أيها الغالي, حبيبي, أعذرني ولا تكثر الدق, سأخرج بعد أن أردد على الهانئين في الصمت ترتيلة الرحيل الاخير و سأرمي كل المفاتيح في البحر الميت حتى أنساك دفعة واحدة. عندما نعشق بكلنا نصبح قاب قوسين او ادنى من الجنون او من الكراهية, الكراهية الكبرى.
وانا لا اريد ان اكره احداً
أنت لم, ولن تقول لي, ولكني اشعر بك تتساءل عن هذه الطفلة التي تّصر دائماً أن تبقى ملتصقة بك. السّن هو ما نشعر به في الاعماق و ليست السنوات الزمنية , ومع ذلك كم أتمنى لو كنتُ أكبر بقليل لقلتُ لك اشياء أخرى لم يسعفني عمري المسروق إليك ان اقولها بعد

ألا يمكنني ان اكبر لك قليلاً بسرعة بعد؟ كم تلزمك من المسافات لتدرك أن شوقي لك صار مثل اليتم, أعيشه وحيدة في قربك وفي بعدك, في بخيل بوحك و في شاهق صمتك, وأنت تتلذذ بعينيك فقط أو وأنت تعيش خلوتك بمزيد من القساوة و الألم؟ هل تستحق حياتنا كل هذه القساوة وهذا التمادي في الألم؟ ألا يكفينا كل هذا الموت الذي يطحن حميمياتنا وخلواتنا المنكسرة؟

أعترف لك اليوم أيها الغالي بصحة القول الذي يغتال ذاكرتي كلما اشتهيت ان انساك: اذا بقيتِ على هذه السيرة ستضطرين الى الموت تعيسة ووحيدة

ومن قال أصلاً إني أريد أن أموت بين أناس يشتهون إيصالي الى اقرب قبر و أنا حية؟
لقد مات الكثير من هولاء الناس منذ زمن بعيد و كل همهم ان يُلحقوا بهم كل الاحياء مثل زمر النحل التي تتكاثر في البلاد

ها أنا ذي اليوم استدرج القدر ليصنع معي نهاية أشتهيها , لا كما فصلها لي صمتك و الاخرون. نهاية انحتها بأظافري في لحمي العاري و أغزلها بأصابعي لتلف فراغ غيابي
الآلهة وحدها تموت وحيدة. الموت هو الحالة الاستثنائية التي نمارسها وحيدين, ونعبر دهاليزها دون رفقة
هل تعلم بأن الهنود الحمر كانوا يدركون قساوة الرحلة ولهذا اخترعوا لعبة المرافقة للمحب بالانتحار المقدس؟ بلادنا المنسية صارت تنجب هنودها
. يبدو لي أننا شعب يرفض الحلول الوسطى في كل شئ, عندما يحب يتماهى في الآخر و عندما يكره يأكل نفسه قبل أن يأكل غيره
وها أنا ذا قد بدأت آكل نفسي أو ما تبقى منها

أفتح عيني الطفلة التي فيّ, لماذا تتسمر هكذا؟

أنا فقط أناجي نفسي, فلا تجزع

أما آن لكِ أيتها الطيِبة أن تعبري؟أما آن لكِ أن تدركي ان كل شئ انتهى؟
فالرجل الذي عشقته العمر لم يكن معك ولا لكِ طوال هذا الوقت الميت

الآن أعودك طفلة تشتهي ان تصير امرأتك لتموت في سرها الأول الذي لعنته مراراً: سر التيه و الجنون

الريح التي قادتها إليك كانت ساخنة و الدماء التي شهدت موعدكما الاول كانت طيفاً من حنين. الا تتساءل مثلي أحياناً في قفر هذه الذاكرة: ألم يكن اليوم الذي إلتقيتما فيه مجرد صدفة تم تضخيمها حتى صارت حباً؟ ألم تكونا تداويان ببعضيكما جرح الجنون الذي إغتال احلامكما؟

يا حبيبي الصغير: أنت أيضاً لم يحالفك حظ الصواب معي

أنت مع امرأة الشطط, لا شيء فيها يوحي أنها موجودة, مهبولة لا أحد سواك يعيرها انتباه الكائنات. الذي بحثت عنه فيها انت خلقته لترى وجوهاً اخرى ذهبت مثلما انا اتيت بصمت. و لم تكن تعرف أنك ستتعذب كثيراً مثل كل محبي المستحيل الذين يتعذبون لغياب ما تصنعه لهم الظروف

وأنا؟
لو تسألني : لقد أخطأت في كل شيء, حتى طرق الذين كنت احبهم
أما كان من الاجدى لي ان أترك روحي تحترق على اعتاب قلوب اخرى و تمضي مثلما تمضي عن بعضها الخلائق, فلا شيء يضمن غدي و لا حب سوى ما تسرقه الروح الضالة؟

لقد أحببتكَ إذ اشتهيتَ الاخريات

يا حبيبي: انزع عنك لباس الصمت و التردد و الحسابات المغبونة, أنت لم تفعل ما يؤذيني عمداً: فقط ألبستني المتعة و ألم الشوق وانتظاراً جميلاً لم أدرِ الى اي حالة كان ليفضي. لماذا تصر على الجلوس في الكراسي الخلفية وعلى البقاء مستقيماً كخط بليد؟

لقد أحببتك بكلي , وهذه المرأة_الطفلة التي هي أنا وحدها كانت لك و ومعك وفيك, ويحلو لي ان اصدق ان كل ما عداها صدفة تلد الصدفة و شوق يمحوه شوق ومسافة تأكلها مسافة و الضلالة أبقى من العقل المسجون
يا حبيبي, يا سيد الغي و الغير, لا تكثر الدق, فالابواب الموصدة عما قليل لن تفتح والمفاتيح ستندفن في رمل البحر الميت وأنا انسحب من ساحة الخيل
فلا شيء يغريني للمزيد من الركض الذي لا يوصلني إلا خطوتين وراء نقطة البدء

هي الرحلة تصل الى منتهاها, ألم يكن هذا مشتهاك الدفين؟
لهذا: عندما سأخرج في الفجر الضبابي التوقعات سأسكر كل الابواب والمنافذ حتى لا ينفذ الهواء الى روح الموت, وإذا مررت يوماً بمطارح كنتُ فيها و كانت لي, إمشٍ بهدوء وحاذر أن توقظ الدحنون وزهر الياسمين و البنفسج والنرجس والحبق الشهي و المعزوفات الضائعة لعود حزين و كمان لا يكمل نشيج الاغنية

فالناس في بلادنا يأتون و يذهبون ولا أحد يسمع أناشيدهم وأنينهم الا الصمت. أتركني اذوي في صمتي وأختار منفاي الاخير , فأنا متعبة من مزالق الدنيا. دع الرياح تبعثر زرعها وليجعل خريف قادم من عود الدحنون الذي سأسكنه متعة في حواس العاشقين. ربما عرفت هذه البلاد بعد زمن كم كانت مخطئة إذ أخطأت الطريق الموصل الى عاشقيها الذين ينطفئون الآن_كما كل يوم_ بين يدي الصمت الهمجي

أشك في كل شيء أنا, ولهذا عندما اخترتك كنت أختبر يقيني الذي لم يخدعني مثلما خدعني الاخرون. فعندما يكون الشك مرادفاً للحب, ويكون الحب مرادفاً للصدفة , الاجدى لنا ان ننسحب قبل ان يدركنا قبح الاشياء. فالروح في حضرة الزوغان تغيب. محاربة طواحين الفراغ متعبة و قاسية. و لم تعد لدي قوة أسلافي العظماء و لا النساء الغابرات لأخوض معك ولأجلك_بدون رغبتك حتى_الحرب المقدسة

أنا قبلت ان ألعب معك و مع الحياة لعبة الصدفة, ومن تجرأ على عبور الصدفة كان عليه ان يتحمل قساوة فك أسرار الظلال. هكذا نحن, يوصلنا صدقنا دائماً متأخرين, وعندما نصل يكون الخطأ حليفنا في النهاية. نحضر حياتنا لاستقبال كل شيء, حتى الموت نتعلم كيف نبتلعه جرعة جرعة. ولكن نحترس دائماً وبكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة لتفادي خيبات الصدفة ونحن فيها
لستُ الاولى في الدنيا التي تكسرها الصدفة ولا الاخيرة ايضاً, ولا انت كذلك: ولكنك الأول الذي رأى الصدفة في شكل امرأة عاشقة من شعرة الرأس الى أخمص القدم, وعندما لامست عمقها صارت رماداً وغباراً قبلما ستصير بياضاً في وضح الفجر البحري ثم ظلاً ابيضاً سرعان ما سيذوب في الفراغ

هل نحب إذ نعلن للآخر انّا نحبه أم نمتحن النفس إذا كانت قادرة أن تكون؟
العمر مضى يا ابن امي و بعض الغبارإبتدأ يعلو العمر و الايام, وماذا بقي فيك أيها القلب المفتون من مخابئ لم تُفتش؟

وأنت لم تتعلم بعد يا هذا الولد الضائع في قفار الدنيا انك لم تعد طفلاً ولكن خبلاً و سحراً و جدباً
أتبعني اذا استطعت, اذا اردت أصلاً: فأنا أترك لك عرس كلمات و شهوة ليلة اودع بها طفولة منكسرة
اتبعني علك تترك لي في الاحشاء زرعاً و تمزقاً كلما فكرت اني احببت غيرك تذكرتك انت و اشتقتك ترتقه

اذا جئت وعثرت علي ذات جنون, سأرتكب معك نفس حماقاتي و سأشتهيك بنفس القدر, واذا وجدتني تربة فضع على بقايا القبر الزهر الذي تشتهي و الدحنون الذي أحب, واذا لم تجد لي قبراً : اخترع لي قبراً وضع عليه دحنوناً و حبقاً يحفظني من العين الكريهة

حبيبي الغالي, لا تكثر الدق, فأنت تتعب يديك. كل الابواب موصدة. بي الآن رغبة عارمة لغلق كل ما تبقى من نوافذي و كواتي الصغيرة و النوم داخل سكينة بلا نهاية وعندما أستفيق تكون ذاكرتي مساحة من الضوء, قد خلت من ظلامات العمر الذي أنسحبت سنواته داخل كذبة عالية اسمها الحياة

بي رغبة للصراخ بأعلى صوتي في وجه الاستحالات الكبرى وأكل كل تراب الارض و شرب مياه هذا البحر الذي يحوطني بالمزيد من القلق و سف رمل الصحارى المسكونة بالسكينة التي تلفنا, لمعرفة استحالات اليقين

لكن من يتحمل صراخي؟
لا انت و لا حتى الاقربون و اقرب الاقربين لن تلتمسوا لي عذراً عندما تصمتون و تخرجون من الابواب المفتوحة و من زوايا الصدفة

قبل قليل كنا نشرب الضحك و نتبادل بكل يقين كلمات العسل و الحب و نعزف سوناتات الوعود الجميلة و نتراشق بالاحلام. فجأة تشتتنا: ورجع كل واحد الى جرحه الاول يبحث عن مسقط كلمات الحب الاولى

هل ماتت كلماتنا الاولى؟

مات مطرنا
وانكسرت ضحكاتنا الطفولية ولم يبقَ إلا خراب الحقيقة الاولى

ها قد بدأت انحداراتي القصوى نحو شطط انكشافات الروح. وها انا ذي اتجرأ اليوم و أعبر الخيبة و الصدفة معاً: مفتوحة العينين هذه المرة, عارية القلب و الذاكرة

كم يلزمنا من الآلام و الانكسارات لندرك أننا طوال العمر الذي خلى كنا نركض حفاة عراة وراء غيمة جافة مثل رحم يابس لا ينجب الا رعشة الفراغ, مخطئين في كل التفاصيل الدقيقة للحياة, وأن ما كنا نظنه مطلقاً لم يكن الا صورة إيهامية لأشواق نريدها ان تكون حقيقة ولم نصل لها

وأن بيني و بين نارسيس شبه الدم و النجوم و الخوف. ماذا حدث لنارسيس عندما إكتشف الجرح الذي كان ينزل من القلب كالخط المستقيم؟
لم يتألم للجرح, هو يعرف مسبقاً أن لكل جرح خاتمة ولكن وهمه باستقامته وظلال الطريق الصحيح آذياه بلا نهاية

اليوم, بعد كل الذي حدث مما عرفت, مما كان يمكن أن أعرف ومما لم و لن أعرفه ابداً يحق لي أن أرى ما يختبئ وراء مختلف الغلالات و أحجبة الفتنة الوهمية. في حاجة الى الفتنة أنا ولكن الدنيا لم يعد فيها ما يثير شهية الانتحار وما يهز القلب المجروح بالحنين و الخيبات

هل كان من الضروري أن أرتهن للصدفة القاتلة لأرى صفاء الخيط, إني الآن أراه بمطلق الراحة وبمطلق العذاب الذي لا يطاق. الألم عندما يصل الى منتهاه يموت الجسد ويتضاءل الخوف من الموت بل الموت يصير أمنية مستحيلة

أستطيع اليوم بعد أن هدأت قليلاًَ أصوات الرصاص وعواصف الخوف وصراخ المقتولين على منحدرات البلاد البعيدة ولملم القاتل والمقتول جثثهم, أن أعود للصدفة التي لاقتني بك بين حربين و دماء كثيرة, ومنحتني فرحي و خرابي الكبير. كان الهواء رطباً ذلك الصباح المترقب, والليلة اياها كانت مرصعة بنجوم قرأتها في عينيك

اسألك للمرة الاخيرة: لماذا الناس هكذا؟ كلما احببناهم ازدادوا ضراوة و تنكراً. هل علي ان اكره لأزداد قرباً ممن احبهم حقاً؟
يبدو أن في الناس قدراً من العصيان يسير مع الدم. لن يرتاحوا الا اذا قتلوا الروح التي فيهم بكثير من الحيلة و الانانية

إلتقينا قلبين منكسرين يبحثان عن ظل صغير يختبئان فيه. كان هبلي كبيراً و طفولتك مقلقة. وطوال الوقت و نحن نحاول عبثاً ان نجعل الفوضى ترتهن للنظام والنظام يقبل الفوضى ونراهن على كذبة حب الناس البيضاء التي افقدتها السنوات المتعاقبة لونها الاول

أشهد لك اليوم بالصبر وطاقة التخفي. لقد كنتُ دائماً أجانب الصواب و احزن من شيء لم يكن هو في الحقيقة ما يدعو الى الحزن. عندما تُظهر امرأة الصدفة بعض خفائها, تخبئ الاكثر هولاً لأنها تعرف مسبقاً ان غشاوة الرجل لم تعلمه الا هدهدات اليقين الوهمي

يا حبيبي الصغير: ألم تعرف بعد أن لا يقين في الدنيا سوى الموت؟
حتى الحياة ليست سوى لحظة عابرة تكسرها النهايات الحتمية. ألم تدرك بعد ان الذين يريدون رؤوسنا و رأس هذه البلد كثيرون؟
إحذر فقد صاروا اليوم اكثر قرباً منا , وأنا لن أكون هنا لأقلق بعد على كل من احبهم, سأذهب تاركة لك أبوابي الموصدة و شططي الكبير

ناسنا مبتئسون و الرائعون فيهم يموتون مبكراً. أنت لست منهم: أنت طفل جميل , حاذر أن تصير رجلاً.
إترك لهم فتوحاتهم و رجولاتهم الوهمية, فلستَ في حاجة لها مطلقاً

فالرجال يحاذون الحقيقة دائماً و لا يلمسونها ابداً. حيث يظنون الصواب, يخطئون في كل التفاصيل الممكنة . وحدها المرأة تدرك سر اللعبة و تتقن لمسها و تحريكها بلباقة تصل حتى الجرح العميق

هل يصلك الان في خلوتك صوت التكسرات الشاقة التي تمزقني؟ النحيب الذي تسمعه يأتي من عمق الروح هو نحيبي. أنحدر الآن وحيدة نحو تربة الموت و الخوف, في كفي بقايا قصص قديمة لم تعد صالحة و موجات لم تسعفها الرياح لتصل الى القلب كاملة وخيبات لا تحصى

والعمر لم يعد يسعفه الوقت للعودة لها و لا تصحيح مساراتها, وليست بي الرغبة لذلك أصلاً

ما الذي يحزن امرأة بَنَت طوال العمر خرابها بفرح لا يَُضاهى؟
أتها ظلت وفية لخرافة هي اسستها؟ أنها تستطيع أن تقسم برأس كل الالهة و الانبياء و الصالحين بأن خرافتها التي بنت عليها اشواقها كانت هي الدنيا و هي الاخرة؟

أستطيع اليوم أن اقول بدون تردد, منكسة الرأس, مرفوعة القلب , أمام الله عندما يسألني عن باطن جرحي: إلهي لا تسألني فأنا تخليت عنك في وقت مبكر و لعنت كل ايماناتي ووضعتك داخل غلاف رسالة ورميتها في أقرب شط لأنك لم تجعل الطفل الذي أحببت يقاسمني كلمات الشوق. اردت ان اغرق كل ايمان بي في المياه و الرياح اذ اعطيت كل شيء ولم اُعطى الا هبة الفراغ

حبيبي: اغفر لي , فقد اخطأت في يقيني: الدنيا شيء أخر لا علاقة له بالحب
يا الللللللللللللللللللللله: أكبر حالة إلتباس هي الحب

قد نحب رجلاً لا يلتفت صوبنا مطلقاً, وقد ننتحر لأخر وهو لا يعلم مطلقاً بوجودنا , وقد ييبس آخر ليصبح كالحطبة من أجلنا ونحن لا نعرف بل قد نرتمي في احضان قاتلنا ونحن نعرف انه جلادنا الابدي

يبدو لي ان وراء كل ذلك يختبئ عطش الروح. كل شيء لم يُشبع بالشكل الكافي , تبقى شهوته معلقة الى يوم تستفيق كالبركان الميت. عندما تنطفئ الرغبات المدفونة, يخرج الى النور ما يمكن أن نسميه حباً مثل ماء صافٍ بين الصخور المطحلبة بحكايا الوعود الضائعة, ولكنه عندما يخرج قد تكون الدنيا قد ماتت في اعيننا والزمن قد مر والجسد قد كلّ والبصر قد زاغ عن غيه والعمر قد راح و تحمل الصدمة يصبح قاسياً وثقيلاً

كذب الذين لم يصدّقوا ابداً

نكذب على انفسنا كثيراً إذ نظن بأننا نحب كثيراً من النساء وكثيراً من الرجال. الدنيا عودات مستمرة الى البداءات الاولى. باستمرار نلتصق بالذين تركناهم عراة ولم نشفى منهم
وانا اجيئك بكلامي هذا, بحقيقتي البديهية هذه, لأشفى منك.
ولا ادري اذا كان مجيئاً اتخيله جميلاً في ليلة جميلة كهذه كافياً للشفاء منك


فالميت والميت بصمت والميت المؤقت فينا والبعيد منذ زمن, يزدادون تألقاً عندما يصرفون في ضمير الغائب

أيها الغالي, حبيبي الذي صنعته من دفء الروح ومن خبايا القلب المرتبك.إلهي الصغير الذي بنتيه من الخيبة والصدفة و القلق و الكثير من الفرح المؤجل , إغفر لي: لم يبقَ أمامي إلا البحر, أضع فشلي بين يديك وأقول لك أعرني بعض الشجاعة لأعبر هذا الهول. أعطني مكانة الاخريات فيك يوماً و احداً و سأركب جنون الافتتنان في قلبك حتى تفتح عينيك و تصير رجلاً لا يشبه كل اولئك المدعيين رجولة لا تشبه العشق و لا تشبه بالمرة طفولة الارواح

لم تعد لي القدرة الكافية لممارسة كذبة نارسيس الجميلة. نحب رجلاً لا وجود له الا في خيالاتنا وعندما نكتشف هول الفاجعة يكون الزمن قد دار دورته
مرآة النرجسي عمياء و عماؤها لا يُداوى
هل ما يزال في العمر متسع لشفاء الروح؟ أعرني بعض الوقت فقط

وعندما ترغب, جرب ان تعبر نفس البحر الذي أسلكه قبلك, ولا يهم إن استحالت عليك الدنيا أو خسرتُ أنا العمر
ألم تقل إنك تحبني كذلك واني إلهتك الصغيرة؟ اذن لا تكثر الدق حبيبي, فلا احد وراء الباب. لقد ذهب الذين كنا نحبهم, وانا ايضاً سأذهب , وعندما اخرج في الصباح البارد سأحرص ان لا اعود الى هنا مرة اخرى

الآن, وأنا أخطو خطواتي الاكيدة المُشتهاة نحو حتفي الجميل, تضج روحي بتلك المقولة التي لا يشبهني سواها بالمرة:نحن هكذا, لا نترك قلباً في الوطن الا لنتزوج قبراً في المنفى
ا
÷
و شكراً واسيني الاعرج








إنهض و ناضل

الصورة بعدسة بلال جاويش (لطشتها من جريدة الاخبار) هون


الثلاثاء 1 ايار 2007


الساعة 11:30 صباحاً

لم أزل على الطريق الى بيروت, اسمع مراسلة صوت الشعب تتحدث بفرح عن التظاهرة الاحتفالية_المطلبية بعيد العمال التي دعا اليها
الحزب الشيوعي اللبناني, و اتميز غيظاً: ليت السائق يسرع بعد او يمكنني ان أطير الى شارع مار إلياس لأكون مع رفاقي من عمال على ثورة الوعي و بقاء الضمير حياً وعالي الصوت ضد جعجعة "الواقع"وتنظيرات "المرحلة" و و و


11:47


ألتقي رانيا في الحمرا, عناق اشتياق و تعابير الفرحة في حكينا و على وجهينا بتقرير فينوغراد. اتصال سريع بمريم لتعرف اين وصلت لبتظاهرة و نركض الى السايرة, رانيا تقود بسرعة, اوجهها الى اسرع الطرق وهي التي لم تعتد بعد كل طرقات بيروت, وعلى الطريق أفلش لها جرائد اليوم المحتفية بـ"فشل" الصهاينة و اقرأ العناوين بجذل, نرفع صوت الراديو, صوت الشعب تبث اغانٍ وطنية نشتاق سماعها , نغني و نمتلئ حماسة قبل ان نصل الى موقع التظاهرة.




11:55


نركض فرحاً الى الرفاق: اعرف منهم كثر, قبلات و تهانٍ بعيد العمال . ألتقي بمن لم أرهم منذ فترة" وين ايامك؟", "يا رفاق لازم نقعد", , و"بعدنا طيبين قولوا الله". عباراتنا المتبادلة و الفرحة فعلاً ببساطة ان تلتقي بمن تشعر انك تعرفهم العمر , ودون الحاجة للقاءات يومية , ولكنك تعرف انك تتشارك معهم اهم ما في وجودك ووجودهم: ثبات المبدأ


ارى بلال يصور, يسلم بمحبة و اعتذار عن انشغاله لدرجة عدم الرد على هاتفه, ثم ألمح كايد يحكي على التلفون: اترك الدنيا و أطير اليه. عناق انتظره من تموز الماضي حين إلتقينا على أهبة مأتم و في قرية تهجير و البلاد تشارف النصر و يؤرجحها البعض على حافة الهزيمة المعنوية و ينتصر خيار الحق برغم كل شيء


اعرفه برانيا, اقول لها وأنا اشرق بدمعة فخر: كايد احد اسرانا المحررين ,, وبعدو مناضل و كادح و ابن مبدأ

يخجل البطل بتواضع اصيل, يسألني عن الحياة و العمل ونعايد بعضنا. اسأله عن "رفاق" ما عادوا رفاقاً في الخندق الذي نزفوا فيه شبابهم, ثم ارتد بعضهم الى "عقله" و طعن بالمطرقة و المنجل صدر تاريخه, يجيب بصوت يريده محايداً قدر الامكان"هي الدنيا يا رفيقة شو نعمل؟


انظر الى يده التي لا تلبيه حركة, اكاد اصرخ انه لا يمكنهم ان يفعلوا ذلك, فهاهو لم يفعلها, فكيف يمكنهم ان يفعلوا هذا بأنفسهم و بنا؟

ولكني اعرف كايد, سيقول لي ان لكل شخص قدرنه على العطاء و التحمل و الثبات, وسيخجلني من غضبي صراخاً, سيشعرني ان واجبي هو ان احول غضبي الى فعل لا الى مجرد صراخ

اوصيه ان يقبل زوجته وولديه الذين لم اتعرف على ثانيتهما التي لا أشك بجمالها "رنا" و أعانقه بفخر و غبطة اني اعرف من مثله حقاً في هذه الحياة


12:30


تبدأ الفلول الحمراء القليلة مقارنة بملايين الاذاريين بالتفرق, فقد انهى دكتور خالد حدادة كلمته والتظاهرة ادت غرضها: احتفلت بيوم العمال الذي يفترض به ان يكون عيداً, ورفعت العقيرة _ولو لمجرد اثبات موقف الرفض_ ضد السياسات الاقتصادية واثرها على حقوق العمال المكتسبة بالدم


اودع الرفاق و بعضنا سيلتقي لاحقاً للحديث و الاتفاق على نشاطات في المناطق بكل الاحوال

نبتعد ورانيا عن الصورة, ننظر الى لابسي ثياب الفلاحين و مجسمات المناسبة و نكاد نصطدم بجنود الجيش, نحييهم و نعايدهم بابتسامتنا, وأحكي لها عن مرات ومظاهرات اخرى كان الجيش فيها يتصرف بغير طريقة و بود أقل كثيراً


12:40


نصل الى السيارة متفقتين على غداء احتفالي بعيدنا كعاملتين (أكلنا سمك بمطعم اكتشفناه لاحقاً في عين المريسة), ولا تزال اصداء الاغاني تصلنا من بعيد


انظر الى الجموع المتبقة , و اشعر بالفخر انهم جميعاً في حياتي: حقيقيون جداً, يساريون جداً, رفاقي جداً

افتح الباب و انا اغني بحماسة :مع العمال و الفلاحين..درب النضال طويل طويل
اليوم, في كل ساعة
هذا الشعور الذي لا ينفك يقوى في كل يوم منذ وعيت معنى ان اناضل لاجعل العالم اكثر عدالة لكل ناسه , يجعلني اضبط نفسي في مواقف مختلفة في يومي و انا أشدو التصميم : إنهض و ناضل, انهض و ناضل
تحسباً للظنون: لست منظمة في اي حزب او تنظيم سياسي او خلافه بالمطلق, ا نا فقط عاملة نحتفل مع اصدقائها بعيد العمال و رفيقة *لحزب جمول





فينو غراد: فين باقي العيلة؟

فين كل الكون يشهد الفرحة اللي انفجرت بشوارع مدن و قرى الجنوب بمجرد ما خلص القاضي الصهيوني من تلاوة استخلاصات لجنته؟
فشلوا فشل ذريع بهالحرب؟
ومش شايفيين انو فشلوا اساساً بإنو ما يكرروا حروبهم معنا و ضدنا لأننا ببساطة رافضين نموت؟
مش مبسوطة و بس: طايرة من الفرحة و سكرانة بعز اللحظات
عم نعيش التاريخ فعلاً نحنا , عم نعيشه لنشهد_لو ضلينا طيبين قولوا الله_ انو شفنا كيف بتنكسر اسطورة الوعد الالهي بأرضنا و بينصر وعد الحق بحياتنا وكرامتنا ع ارضنا الحرة
فينو*غراد؟
غراد لما اجى, وصل زلزال
ليجي الرعد و الفجر و المابعد بعد حيفا: يا ترى وين بيكون "جيش الدفاع" و هيبة "الدولة" يا ترى؟
شخصياُ بفضل خبز الطابون*