وفي هذا الفجر, كوني الحدائق

هل نمت حقاً كي اقول استيقظت؟
اياً يكن, فقد كان ليلي طويلاً, وجميلاً _اذا امكن القول انه كان كذلك_وربما كان ليلاً اخيراً من هذه النوعية من الليالي التي تتوق فيها ان تعانق عينيك الضوء و لا تنتهي من المزيد من السهر, لا لقلة حاجتك للنوم, ولكن لأنك تدرك انك متى قمت الى سريرك فلن تنام, بل ستفترسك افكار و خيالات موجعة موجعة حد الاختناق
وعليه: ففي هذا الفجر المحمرة فيه عيناي حد الدمع, ولا ابكي
وفي هذا الفجر الموشح بألوان السخرية المريرة المديدة على كل هذه الحياة الاخت شليتة
وفي هذا الفجر الذي يوغل بي في يوم اخر من الابتعاد عن كل ما احب و اشتاق
تخطر ببالي صباحات اخرى كانت في مثل هذه الايام, حيث لسع البرد الجنوبي (وكلما قلت جنوب اعني جنوب لبنان_شمال فلسطين), وقلق من نوع اخر يجعل العروق ترتجف ايضاً
صباحات كنت استيقظ فيها على هدير الام_كي او ام كامل او الطنانة, الزنانة, النقاقة كما يدعوها اهل جنوبي, واستيقظ على لاهديرها حين تغيب و استفقد غيابها, واستغرب "خير؟وينون اليوم؟", في تلك الصباحات كنت استغرب خير غياب الشر من سماء جنوبي
ايه يا دنيا يا شريرة: جعلتني استغرب حتى ذاك الطبيعي و العادي في اماكن كثيرة اخرى في هذا العالم, وصرت اعتبره خيراً كثيراً على الايام: ان يبدأ اليوم باصوات الطبيعة و رائحة السهول ورطوبة الافران التي تشهر رائحة البركة ايذاناً بيوم جديد
::
في هذا الفجر: أقلق ايضاً, وثمة برد مقيم في عظامي من نوع اخر, نوع لا علاقة له بالتكييف العالي, ولا صلة له بدرجة حرارة القلب او الجو, برد الروح في عراء الحقائق التي تتكشف لمرة واحدة و الى الابد
وفي هذا الفجر القارس القارص بكل معانيه, تخطر ببالي تلك الاغنية التي تشبه حداءً حزيناً, والتي لا يمكنني الا ان افكر بحيفاي حين اسمع روحي تدندن بها
تحديداً تخطر ببالي كلمات كانت تمدني بالدفء ,وكم احتاجه الآن و عزيز وبعيد و عالٍ
ترحل في الخوف خلف الحدائق
.
.
.
......حيفا, حيفا
في هذا الفجر يا حيفاي: كوني دفئاً ,كوني أمناً , كوني اماناً وكوني الحدائق
أرجوكِ كوني و ظلي: احتاج ان اركض دوماً بين قذائف الخوف و طنين القلق إليكِ

الصبية التي قُدت من صوان و سرو
سالت و مالت و لانت كينبوع
حين جاءتها العاصفة بوعد حبك نبيذاً يا نخبها الوحيد
::

النجمة التي لملمت اللمعان عن شحوبها
غارت في الليلة الآتية
كانت الأقمار تتدحرج على كل ما تقع عليه عيناها
هي عاشقة: من كل ما فيها ينبع الضي
::

الرجل_الطفل الذي ما حلّ حتى سيرتحل
اصاب السوأل بالصدق, وهمس إسمها
شرعتَ للغياب الابواب كلها
وصرخت بوجه الريح: تذهب, يذهب الصوت
وفي قلبي الابجدية تخترع وجودك ابداً, والكلام
::
يا نبضي كله
لن تتوقف بقلبه عن الخفقان
لا تخف: كل النزيف الطويل لم يمتنا
بقينا معاً , على حد الرمق,حتى نصل الى هنا
الآن اريدك تذهب مني لتعيش في صدره
ولا ترفض: اذ ترفض, تقتلني كذلك بجلطة قهر
::
نمت طفلة, صحوت انثى
يا للعاشق حين يضرم جمر الاشتهاء
ليلة, بمسافة حلم, اشتعلتُ بك
منذ هذا الصباح:من يخمد في ثنايا الصبا أحر البراكين؟
::
الفراشة ترقص لجنازتها المضيئة
أبعدَ ضوءك, ابعدَه لاستمتع بخفق اللون و الرغبة
وحين تجن الاجنحة بالرقص
اطفئ الشمعة
واتركها مع العتمة لاحتضارها الطويل
::