بلا نسوية بلا رجالية

يضحك البعض حين انبههم و بكل جدية اني لا ارضى اتهامين: النسوية و الديموقراطية.
يعتقدون ربما اني أسحب كلامي من سلة المبالغات التي نهدف بإستخدامها الى التأكيد على أننا ضدها. و لكني فعلاً لست نسوية و لا ديموقراطية.
::

أما الديموقراطية, فقد أحكي عنها لاحقاً, اليوم في بالي ان اتناول "النسوية"هذه. وهي ليست نسويتي انا , فلست ادعي اني على ملة افكار لا افهمها.

إني أنثى. هذه اعرفها و اتعامل معها بمنتهى الطبيعية و التلقائية, فقد ولدت لأكون كذلك: اترقب دورة الحياة في جسدي و اعرف من تقلب مزاجي تغير ايقاعاتها. اعي تماماً ما يمكن لرائحة الجسد المتضوع بالخصوبة ان يفعل في انوف الذكور و ما يحركه في اشيائهم الاخرى. مدركة كيف يمكن جرح قلب بطرفة الرمش المكحول بالفتنة والدلع.

أنا أنثى. ما حاجتي لتبرير ذلك او للف و الدوران حول ما ولدت عليه؟لا أعرف.
ما أعرفه ان المسألة ليست في الاختيار, لأنه فعلياً ليس متاحاً. المسألة هي في تقبل هذه الحقيقة بما تتضمنه من خصائص بمميزاتها و سيئاتها, اذا امكننا ان نعتبره صحيحاً هذا التصنيف يعني.

بالمقابل, فأن هناك رجل او ذكر, لا تهمني التسمية فعلاً بقدر ما يهمني ان اقول ان هناك ذلك الاخر المختلف الذي _بحسب قوانين الطبيعة الفطرية_ يكملني و أكمله. هذا الاخر لا احقد عليه و لا احاسب شخوصه عن الظلم التاريخي الذي تعتبر النساء انه وقع عليهن. بل اسعى كذلك لتقبل حقيقة كينونته, كما احاول تقبل حقيقة ما اكون.

ليس في الامر اختياراً,بالنسبة لي على الاقل.هناك طبعاً مثليو الجنس الذين احترمهم و اعتبر حرية اختياراتهم الجنسية حرية شخصية كحرية العمل و المعتقد و التعبير (الا انها غير مصانة في الدستور اللبناني على ما اعلم).

لذا فالتعاطي في موضوع النسوية و الخوض فيه يسبب لي عادة نوعاً من البله, و هذه صفة انسانية تصيب البشر عموماً, ولكنها تصيبني بفداحة حين يُقارب هذا الموضوع تحديداً. فلست افهم_برغم اني و الله حاولت_ كيف يمكن لاستقلالية المرأة وعملها ان يتعارضا مع كونها نصفاً اساسياً (لا أخراً) في خلق و تربية و ترقية الجنس الانساني بعامة مثلاً؟

والانكى ان هناك مدارس و مذاهب في الدراسة و التحليل و التفكير تغوص و تمعن في الامر جدية و "وقاحة". ويهمل المتعصبون لهذا التوجه في التفكير ان ليس كل تقدمي بالضرورة متوافقاً مع ارائهم, ولا كل امرأة مستقلة تدافع عن حريتها الشخصية هي مؤيدة بالمطلق لما يذهبون اليه.

تنسى المطالبات و المطالبون بإحقاق الحقوق النسوية ان للرجال ايضاً حقوقاً مهدورة لا يجرؤن على المطالبة بها, لأن عصبة النسويين و النسويات ببساطة صادرت حقهم في مجرد التفكير بأنها مشروعة.

يغفل اولئك ان الرجل كذلك انسان, له الحق في ان يبكي, و يصرح بهواجسه الدفينة و يصرخ ألماً او شوقاً واحتياجاً. وحين ارفض فرزي المُعد سلفاً على حزب النسويين, فإني ارى انه ليس في ذلك اي قلة احترام للنساء, بل قمة المساواة في الاحترام للرجال معهن, خاصة و ان في بالي يمر هؤلاء الاصدقاء الرائعين الذين يأخذهم من الوقت كثيراً قبل ان يقرروا اتجريد "ضعفهم" أمامي كلصديقة يثقون بأنها لن تحاكمهم على إشهار مشاعراً و افكاراً تنهش وحدتهم المديدة مع انفسهم حيث ان الكلام عنها "عيب و لا يجوز", حتى مع امثالهم من الرجال (ألهذا تكون صداقات الجنسين أمتن من صداقات الجنس الواحد احياناً؟)

لأني اعرف ان في قلوبهم كذلك من الهشاشة ما يكفي ليعادل ما في مآقي النساء من دموع وما في قلوبهن من نبض, فإني اسأل:هل المرأة وحدها المغبونة؟ (وهذه حقيقة لا انكرها طبعاً في مجتمعات كثيرة). ألا يقع الرجال تحت انواع مختلفة من الغبن الاجتماعي و النفسي المعد لهم منذ الولادة بعضو يفرقهم عن اخواتهم في الجنس؟

نتوقع من الرجال القوة والجلد و الصبر و الكد والمسؤولية. (من الذي قال ان هذا هو الرجل الحقيقي؟) ولا تهبط على شخصياتهم هذه الخصال من السماء طبعاً, ولا ان تنزرع في خلاياهم كما الخصائص الجينية التي تحملها كروموسوماتهم. من ينشأهم عليها يا سادة يا كرام غير النساء؟

كيف إذن يمكنني ان اؤمن بمطالب من يعتبرن ان معاملتهن تتم بشكل دوني لتحيلهن على مرتبة تقل عن مرتبة الرجال في حين انهن هن من يربين هؤلاء الرجال ليعاملوهن بهذا الشكل؟

تمنح النساء رجال بيوتهن كل الحق في ان يتصرفوا على انهم ظل لله على الارض, ومع ذلك تشتكين من بطشه
وينسحب هذا التمييز على كل شؤون الحياة من التعليم و السفر و خيارات عيش الحياة اليومية, بدءاً من ساعة التأخر ليلاً وصولاً لحق اختيار الاصدقاء ناهيك عن الموضوع الجنسي الذي لم تزل بعض النساء يتجنبن الخوض فيه مع اولادهن و ازواجهن. و في النهاية, يأتيك من يطالب بحقوق منتقصة للنساء من نفس الرجال الذين ربوهن هن او امهاتهن او جداتهن بسهر لياليهن و قلق امومتهن الصادق على ما شبوا عليه!

لست نسوية لأني لا افهم كيف يمكن ان يكون الجنسين الشريكين في صنع الحياة وخلقها و ابقائها متربصان ببعض من ناحية جنسانية و اجتماعية بينما شرور الحروب لا تفرق بينهم في حمأة قصفها, ولا ظلم السياسات والايديولجيات يستثني منهم جنساً على حساب الاخر.

كلا الجنسين في النهاية انسان, وهذا وحده يُحمل النفس ما لا طاقة لاغلفتها من اجساد واهنة _مهما قويت و تجبرت_ على حمله. ان الظلم والموت و الكوارث لا تقيم وزناً لنضالات النساء ضد من منحوهن بأنفسهن حقوق ان يكونوا متسربلين بصفات لا يمتلكها سوى آلهة المثيولوجيا و الحكايات الخرافية.و لا تمكن الرجال كذلك من التمسك بمكتسبات وحظوات اجتماعية حصلوا عليها تاريخياً عبر سكوت النساء عنها و تمريرها بالتربية من جيل الى جيل.

وبما اني انثى تزهو بأنوثتها, ووتتوقع ان يباهي كل رجل كذلك برجولته(مع كل مركبات هذه الرجولة الصعبة), فإن مسألة التمييز الجندري غير موجودة في قاموسي الذي اترجم بكلماته افكاري. في افكاري هذه ارى ان الانسان قيمة اعظم و اهم و ابلغ من اي تصنيف.و النضالات الواجب الانخراط فيها بالنسبة لي لا نسوية ولا رجولية , بل هي انسانية باتجاه قيم الحق والخير والعدالة في مواجهة كل ظلم وطيش يرتكبه الانسان ضد اخيه الانسان.
::



تنديد و تهديد: اما لأولئك النسويين الغيوريين على صحة النفس البشرية من منظرهم الذي يصادر حقي في الاختلاف و التمايز عنهم, والمستغربين لغرابتي في تناول الموضوع, فإذا ما استمروا على منوال تعاطيهم معي من خلال وصمي باحد التهمتين اللتين افتتحت بهما اول جملة من تدوينتي هذه (وانا لا اطرح نفسي مناهضة للنسوية ولا حتى محايدة الا متى إتُهمت بها و الله), فلعلي اكون اول من تضع لبنة في حزب عالمي يطالب بحقوق الرجال في ان يظهروا انسانيتهم اكثر, وان يبكوا و يعشقوا و يخطئوا, تماماً كالنساء!





هناك ٧ تعليقات:

ثلاثاء يقول...

موافقتك عقصة النسوية،
بس شوفي هاي عالديموقراطيه:
http://www.youtube.com/watch?v=s_RHy44zhE8

غير معرف يقول...

بحار البحارين :
ايه والله بدنا هيك حزب
لانه البنات بتزكروش اني زلمة الا لما بتصلوا فيي مشان اجي اقتللهم شي فار و لا جردون مع اني بخاف اكتر منهم و كأني بنفعش الا بف باف انا

adoola يقول...

ملاك انصحك بقراءة كتاب نسيان .com احلام مستغانمي في اشياء رائعة وبعدين انت وين اختفيتي بعدما تعودنا على كتاباتك الرائعة
احلى ملاك
adoola

Entrümpelung يقول...

Succès ... S'il vous plaît noter les nouveaux sujets toujours

Wohnungsräumung يقول...

Thank you for your wonderful topics :)

Entrümpelung wien يقول...

شكرا على الموضوع ))

entrümpelung wien يقول...

موضوع ممتاز جدا
entrümpelung-entrümpelung
entrümpelung wien