يوم الخميس الماضي كان موعد بيروت مع افتتاح عرض عملين مسرحيين يُفترض بحسب الدعاية التي مهدت لهما ان "يكسرا توباهات" ويتناولا تفاصيل خاصة و غير مطروقة سابقاً في "حياة امرأة السرية" و "اسرار الرجال" ا
كانت "حياة المرأة السرية" قد عُرضت سابقاً في مسرح مونو و اثارت وقتها ضجة تعالت اصدائها وساهمت في اثارة فضول جمهور عريض تحمس لمشاهدتها في عرضها الثاني, خاصة وان زياد الرحباني كتب فيها نقداً نادراًً وسماها "مفاجأة مسرحية" ا
بداية كنت متفاجئة وسعيدة لحجم الدعاية للمسرحيتين, فقد وصلت الاعلانات الى صور نفسها, وهذا امر نادر و قليل فيما يخص ما يدور من انشطة وفعاليات ثقافية في بيروت. و بما ان شريف عبد النور_المخرج و كاتب النص و المنتج_ معرفة احترم ظروفها و افخر باستمرارها و اعجب بإلتزامه ونشاطه في اكثر من مجال, فقد اتصلت به قبل عرض المسرحية بيوم لاخبره بحماسي لاراه و المسرحيتين في الغد
ماذا حدث في الغد؟
اجبرت نفسي على اكمال المسرحية الاولى, وارجعت بطاقة المسرحية الثانية حيث لم اجد فيّّ القدرة على ارغام نفسي على مشاهدة المزيد من هذا الشيء الذي يفترض انه يتناول بجرأة تفاصيل تفك الظلال عن "اسرار الرجال" و تتناول بقوة حياة "المرأة" السرية! ا
انا ورنا ووالدها واصدقاء إلتقيناهم قبل الدخول الى العرض, جلسنا في القاعة المظلمة في مسرح المدينة في الحمرا مدهوشين مما يجري امامنا على خشبة المسرح! ا
عن أي جرأة تحدثت الجرائد قبل أيام واسهبت؟
اي تابوهات سيتعامل معها العمل ككل؟
منذ البداية و انا انتظر ان يأتي شيء من الممثلات الاربعة يفاجئني و يهز وعيي و يجعلني اعيد ترتيب افكاري فيما يخص علاقتي كإمرأة مع المجتمع "الذكوري", ومع نفسي حين تُعرى "حياتي السرية" على خشبة مسرح و تخرج من حيز احاديث الصداقات و أفأفات الدورة الهورمونية و النفسية المتعاقبة
ولكن.... ا
لا شيء, لا شيء من كل هذا! ا
لا انكر ان في المسرحية عمل جميل على صعيد التقنيات المسرحية و اللعب بالاضاءة و بعض "القفشات" الذكية. و لكنها حتماً اقل بكثير مما توقعت من خلال الحديث عنها و حملة الدعاية التي سبقت العرض
لن احكي كثيراً عما توقعته, فأنا أصلاً لا اؤمن بوجود "أسرار" في حياتي كأنثى لا يعرفها العالم كله و إن لا يتم الحديث عنها بشكل علني في هذا الوسط او ذاك. و لكني ظننت بأدنى قدر من التوقع ان العمل سيطرق باباً تعرف كل النساء انه مهمل لدواعي "العيب" و "شو خص الرجال بقصصنا هيدي؟" الا وهو الدورة الشهرية التي تضيعنا في آلامها المتكررة
وطبعا ًهناك ألم الولادة الذي لم اجربه بعد , وبالتالي فأنا "غير مكتملة" بحسب المسرحية التي اعتبرت ان "الاكتمال بأنو اصير أم"
هذه معمودية الدم و الوجع التي تكويني شهرياً منذ إكتمل جسدي كإمرأة, وآلام المخاض الذي سأضع به حياة او حيوات _فيما لو قررت ذلك و رغبته مع رجل يحترمني و يشتهيني بالتساوي_ ايضاً لن تكون صغيرة و لا سهلة ( و لكني لا اقبل مطلقاً ان يعتبرني اي كان "غير مكتملة" ان لم ارغب بتجربة الامومة) ا
ولم تقاربها "حياة المرأة السرية"!!! ا
فعن اي حياة للمرأة تتحدث المسرحية؟
عن صورة "محترمة" يفرضها المجتمع على النساء؟
هذه مهمة وقد قاربتها المسرحية بشكل او بآخر, ولا أغفلت ان النساء انفسهن هن من يعدن انتاج هذه النظرة الى انفسهن كمحترمات, وانهن من يجانبن اعلان تمردهن على هذه النظرة عبر مواجهة المجتمع بـ"رغبات"ـهن و تمسكهن بحريتهن ككل, والتي لا تنفصل بجانبها الجنسي عن الجوانب الأخرى التي لا تقل اهمية
ولكن تناول هذا الجانب من منظار "الجنس" فقط هو ما يجعلها ضعيفة و ركيكة بنظري. فالامور لا تقف عند حدود السرير فحسب, وان كنت اؤمن بشكل مطلق بأن حرية الاشخاص الجنسية امر مقدس كحريتهم في الحياة. و لكن هل هذا هو معيار "الاحترام" الوحيد و الاهم بالنسبة لكلا الجنسين؟
::
احتفت الجرائد بالقول ان العمل سيتناول و بجرأة رفض المرأة لمنطق التسليع السائد في اطياف كبيرة من المجتمع اللبناني الذي هو ارضية العمل, ولكن ما رأيته لا يتجاوز تسمية المعروف و تناول غير مفهوم بالمرة للفكرة عبر ربطها بقبول او رفض عرض الرجل "ابو كرش و ريحة عرق" ان "يشتريلي كاس!!!" ا
ببساطة: اذا ما كانت اي انثى متضايقة من ان اي كان يصنفها في خانة المرضي عنهن ليتم دعوتهن لشرب كأس مع اي رجل, فعليها ان لا تذهب الى مكان قد تُرى فيه كمشروع شراكة كأس فقط. و اذا كان الموضوع لا يهمها اصلاُ, فبالتالي لا يفترض به ان يضايقها.ألي كذلك؟ على الاقل, هذا ما أفهمه شخصياً و أمارسه
وبالمناسبة: هذه النقطة في المسرحية اسعدتني. فأنا شخص لا يهتم بكمية السليوليت في محيط وركي مثلا, ولا استعمل كريمات التنحيف و لا اؤمن بعمليات التجميل, ووزني يفوق "المثالي" بكليوغرامات عديدة, ومع ذلك فأنا أحظى بدعوات لأكثر من كأس وغمزات و نظرات وتلميحات تشي بالاعجاب , وبشهادة صديقات و اصدقاء احب تواجدي معهم وتواجدهم في حياتي
هذا اذن يقول شيئاُ عن رجال لا يهمهم فقط "مثالية" جسد المرأة, و يقول ان ثمة نساء لا يتبعن بالحرف كتيب المقبول و السائد بنظر مجتمع ما في مكان و زمان ما, ومع ذلك يحظين بمعجبين لاكثر من اعتبارات جسدية
::
ثم: قيل ان المسرحية سترفع الغطاء عن الصورة المُفترضة عن المرأة, ولكن بالمقابل: اي صورة ارادتها "فتيات شريف عبد النور" للرجل؟
قيلت الوصفة السحرية لقبول الرجل بوضوح على لسان الممثلات :" بلكي بلا كرش, وبلا ريحة عرق, وجسم صحي, و رجال". سأرضى بأن مقاييس الجمال نسبية "كرش او دونه" و ان النظافة لا مساومة فيها "ريحة العرق" , وان الصحة امر مفروغ منه, ولكن من ذا الذي يمكنه ان يشرح لي ما هو مفهوم "الرجولة" المقصود؟
ما هذا؟ اي استسخاف بعقلي على الاقل هو هذا , اذا لم اعتبر ان هذا اسلوب فعلاً سطحي للتعاطي مع الجمهور المُعتاد لمسرح المدينة؟
أهذا هو ما نريده كنساء من الرجل؟
هل صار امراً ماضياً الحديث عن اهمية احترامه لخياراتنا في الحياة, كأخ و أب و زوج و صديق و صاحب وشريك سرير حتى؟
هل مسائل الشراكة المادية و الروحية و العاطفية كلها باتت امرأً و اقعاً و نحن نعيش في ظلها وبالتالي لا داعي للاشارة لها؟
اذا كانت كذلك, فلا اعتقد ان هناك ثمة حاجة لرفع العقيرة و الصوت ضد الكبت على المشاعر الجنسية التي كررتها فتيات المسرحية اكثر من مرة و بشكل واضح و مباشر لدرجة اثارت اعصابي شخصياً, كوني شعرت اني في صف مدرسي اولاً,وفي تفسير حسن النية قلت لنفسي"ربما يعتقدون ان بنا بعض صمم"
::
وايضاً: جنني الحديث عن العادة السرية
اي سخافة هي هذه التي نتعاطى بها مع موضوع العادة "السرية" بأن تُسمى (وفي مسريحة تُعتبر جرئية" بعادة "البيب"؟) و ان تُعاد و بشكل ممجوج المحاذير المنتشرة عن ممارستها؟
بيقولو انها بتعمي, وبتوجع الضهر و الراس. الخ الخ
يا الله! اهكذا يكون طرق باب التابوهات؟
::
واذا كان فعلاً ثمة رغبة بكشف المستور عن ما يعشش في عقول مظلمة بهذا القدر او ذاك بأفكار و موروثات اجتماعية يجب ان ننتفض ضدها في مجتمعاتنا "العربية", فلماذا يتم توزيع ورقة تتحديث عن العادة السرية بشكل علمي باللغة الانكليزية؟
ولماذا حين يُراد للجمهور ان يشارك في العمل الدائر امامه عبر تسمية الاعضاء الجنسية و العملية الجنسية بصوت عالٍ, فإن ذلك سيكون "بعد ما نطفي الضو"؟
الصوت الوحيد الذي تجرأ على كسر صمت الجمهور و الهمهمات الخافتة حين انطفئ الضوء قال "كس" ا
ضحكت ورنا بمرارة: اهذه جرأة؟
ان تأخر دقيقة او ضرب مكبح سيارة في اي مكان من لبنان وفي وسط النهار يستدعي استجلاب جميع اعضاء العائلة التناسلية على لسان الغاضب, فهل الغضب مبرر للجرأة؟ وهل "الثقافة" العاجية تستحي من تسمية الاشياء واعلانها بلسان الشارع الغاضب؟
اعتراضي ليس على فكرة التسمية نفسها, و كوني لم اسمي شيئاً لا لأني قاصرة عن تسمية اعضاء جسدي او جسد الرجل (بالمفردات العلمية او المتداولة و باللغة العربية إّ احكي و اصدقاء دوماً عن سبب تفضيلنا الحديث عن الحياة الجنسية و تسمية الاعضاء الجنسية بغير اللغة العربية, ربما لاننا نربطها بالعيب في موروثنا الاجتماعي "العربي"), بل ببساطة لأني ارفض منطق "التخباية" في حضرة العتمة
لا زلنا في مكاننا إذّن, وفي مكاننا نراوح: سنحكي الاشياء التي تظل في عتمة الحكي خارج هذا المسرح, في عتمة صالته و خشبته معاً!! ا
أهكذا حقاً تكون "التوعية"؟؟
::
طبعاً المسرحية عن نص لشريف, وهو رجل, فلن اعتب كثيراً على كونه ظل مقصراً و قاصراً على طرق ابواب كثيرة في حيوات النساء, ولكن مشكلتي هي في النساء انفسهن اللواتي مثلن المسرحية. اذ وعدا عن الافكار المطروحة التي فيها استسهال للتعاطي مع عالم النساء. فإن احد الجرائد اللبنانية كتبت عنهم باعتبارهن "فتيات شريف عبد النور" , وانا استخدمت هذا التعبير اعلاه في سخرية مريرة من قبولهن استخدام هذا التعبير المُصادر لذواتهن لصالح شريف "وهو رجل و ذكر و بالتالي ففي التعبير ذاته تبعية شخصياً ارفضها لأي كان", الانكى: المقال موجود على باب مسرح المدينة دون اي اشارة الى ان هذا التعبير مرفوض لأن فيه مس _اذا لم أقل تحقير_بكيانية الممثلات الاربعة!!! ا
::
لماذا كل هذه الغضبة على مسرحية؟
اولاً: لأن العاملين فيها و عليها صادروا حقي بالاختلاف و التمايز كإمرأة عبر اعتبارهم ان مسرحيتهم يحق لها احتكار "أل تعريف" النساء و الحديث عنهن بإعتبارهن كتلة صماء و احدة و متشابهة في كل تفاصيلها و "حياتها" ا
ثانياً: لأن الحرية الجنسية لا تنفصل بتاتاً بالنسبة لي عن حريتي في أن أكون ما أريد في كل المجالات و الاوقات, لا فقط في اختيار شريك سرير "بلا كرش و ريحة عرق"
ثالثاً: لأني اعتبر ان التسطيح في تناول موضوع تحرر المرأة من زاوية الجنس بات مقيتاً ومكروراً بشكل يجب الوقوف عنده من قبل النساء اللواتي فعلاً يعنيهن ان لا يكنّ في الجاهلية و عصور التنوير وفي اقصى احوال تمدنهن و تطورهن "حريات جنسياً" حتى "نتمتع" سوا
رابعاً: لأن النساء انفسهن يرضخن و بشكل كبير و هائل للمجتمع (تكفي مثلاً مساءلة طبيب ذا ضمير مهني و انساني عن عمليات ترقيع غشاء البكارة لتوقع اي منحدرات اخلاقية اكثر وعورة نحن مشرفين عليها_ و اخلاقياً هنا لا تتعلق "بالاخلاق" الاجتماعية بل بالصدق و الصدق و الصدق مع الذات اولاً عند هذه "البنات" ومن ثم مع "رجالهم" المتسقبليين) أ
خامساً: المسرحية غير جريئة برأيي , ولا حتى على صعيد اللباس, فقد انتظرت صديقاتي لنذهب معاً لمشاهدتها في مقهى في شارع الحمرا, و قد كان الطقس ماطراً بشكل متواصل" وقد مرت في الشارع صبايا يلبسن مثل لباس صبايا المسرحية, وفي ايحاءات جنسية اكثر مباشرة حتى " ا
سادساً: المباشرة و طريقة الحكي الاعلانية تثير اعصابي فعلاً , وقد إستُخدمت في المسرحية كثيراً و بتكرار يجعلني اشعر ان ثمة قصور عند الممثلين و المخرج في ابتداع طرق تعبير متنوعة للتعبير عن نفس الفكرة بغير قالب و بعمق اكبر كل مرة
سابعاً: ظللت امني النفس بجرأة ما ستأتي في المسرحية حتى إكتملت خيبتي بلحظة تحية الممثلات للجمهور. في لحظة ما, انطلقت الممثلات بين الجمهور ليخترن من يرضيهن شكلاً, قلت لنفسي في لحظتها (ستكون هنا قمة الجرأة لو اخترن امرأة فيطرقن بالتالي باب الهوية الجنسية المثلية و هو موضوع منتشر و سريته اعلى من سرية "العادة السحرية")
ثامناً: مشهد الانتقام بتلطيش الرجل الذي اختارته الصبايا ليصعد على المسرح مشهد مضحك وفيه قفشات "مهضومة", ولكنه غفل عن اننا "النساء_ نكره (او هكذا ندعي) ان يتم تلطيشنا لاعتبارات عامة لا تخصصنا "انا شخصياً لا احب ان يلطشني احد على ما لاعتبره مغرياً و لا أنثوياً فيّ, واللطشة عادى تكون على ما هو معمم كـ"مغري"), فليس من مبرر لإختيار شخص من الجمهور لا ناقة له و لا جمل, ولا حتى يملك حق الاختيار بالرفض او القبول ليُمارس عليه و به الإنتقام المبيت الذي لا تجرؤ عليه النساء الا بالسر .
اوربما بمسرحية تتلطى وراء الهضامة في قفشاتها كي لا تضع اصبعاً حقيقياً في جرح عميق خوفاً من نكأ النزيف و دم التربية المسفوح على اعتاب "العيب" و الفضيحة التي لا تحولها مسرحية و لا مسرحيات الى "موروث بالٍ" طالما تصر على التعاطي معها في العتمة
أخيراً: حين تُرصد ميزانية و يُعمل بإخلاص على إنجاح عمل ما , فرجاءً اتقنوه يا جماعة الخير, فلربما حظيتم بمعرفة مثلي تنتقدكم كما افعل بشريف هاهنا (وعسى قلبه تتسع لنقدي و اعتقده يريده ). و ع فكرة يا دكتور: إلك معجبات كتير, خصوصاً ع شكلك
كانت "حياة المرأة السرية" قد عُرضت سابقاً في مسرح مونو و اثارت وقتها ضجة تعالت اصدائها وساهمت في اثارة فضول جمهور عريض تحمس لمشاهدتها في عرضها الثاني, خاصة وان زياد الرحباني كتب فيها نقداً نادراًً وسماها "مفاجأة مسرحية" ا
بداية كنت متفاجئة وسعيدة لحجم الدعاية للمسرحيتين, فقد وصلت الاعلانات الى صور نفسها, وهذا امر نادر و قليل فيما يخص ما يدور من انشطة وفعاليات ثقافية في بيروت. و بما ان شريف عبد النور_المخرج و كاتب النص و المنتج_ معرفة احترم ظروفها و افخر باستمرارها و اعجب بإلتزامه ونشاطه في اكثر من مجال, فقد اتصلت به قبل عرض المسرحية بيوم لاخبره بحماسي لاراه و المسرحيتين في الغد
ماذا حدث في الغد؟
اجبرت نفسي على اكمال المسرحية الاولى, وارجعت بطاقة المسرحية الثانية حيث لم اجد فيّّ القدرة على ارغام نفسي على مشاهدة المزيد من هذا الشيء الذي يفترض انه يتناول بجرأة تفاصيل تفك الظلال عن "اسرار الرجال" و تتناول بقوة حياة "المرأة" السرية! ا
انا ورنا ووالدها واصدقاء إلتقيناهم قبل الدخول الى العرض, جلسنا في القاعة المظلمة في مسرح المدينة في الحمرا مدهوشين مما يجري امامنا على خشبة المسرح! ا
عن أي جرأة تحدثت الجرائد قبل أيام واسهبت؟
اي تابوهات سيتعامل معها العمل ككل؟
منذ البداية و انا انتظر ان يأتي شيء من الممثلات الاربعة يفاجئني و يهز وعيي و يجعلني اعيد ترتيب افكاري فيما يخص علاقتي كإمرأة مع المجتمع "الذكوري", ومع نفسي حين تُعرى "حياتي السرية" على خشبة مسرح و تخرج من حيز احاديث الصداقات و أفأفات الدورة الهورمونية و النفسية المتعاقبة
ولكن.... ا
لا شيء, لا شيء من كل هذا! ا
لا انكر ان في المسرحية عمل جميل على صعيد التقنيات المسرحية و اللعب بالاضاءة و بعض "القفشات" الذكية. و لكنها حتماً اقل بكثير مما توقعت من خلال الحديث عنها و حملة الدعاية التي سبقت العرض
لن احكي كثيراً عما توقعته, فأنا أصلاً لا اؤمن بوجود "أسرار" في حياتي كأنثى لا يعرفها العالم كله و إن لا يتم الحديث عنها بشكل علني في هذا الوسط او ذاك. و لكني ظننت بأدنى قدر من التوقع ان العمل سيطرق باباً تعرف كل النساء انه مهمل لدواعي "العيب" و "شو خص الرجال بقصصنا هيدي؟" الا وهو الدورة الشهرية التي تضيعنا في آلامها المتكررة
وطبعا ًهناك ألم الولادة الذي لم اجربه بعد , وبالتالي فأنا "غير مكتملة" بحسب المسرحية التي اعتبرت ان "الاكتمال بأنو اصير أم"
هذه معمودية الدم و الوجع التي تكويني شهرياً منذ إكتمل جسدي كإمرأة, وآلام المخاض الذي سأضع به حياة او حيوات _فيما لو قررت ذلك و رغبته مع رجل يحترمني و يشتهيني بالتساوي_ ايضاً لن تكون صغيرة و لا سهلة ( و لكني لا اقبل مطلقاً ان يعتبرني اي كان "غير مكتملة" ان لم ارغب بتجربة الامومة) ا
ولم تقاربها "حياة المرأة السرية"!!! ا
فعن اي حياة للمرأة تتحدث المسرحية؟
عن صورة "محترمة" يفرضها المجتمع على النساء؟
هذه مهمة وقد قاربتها المسرحية بشكل او بآخر, ولا أغفلت ان النساء انفسهن هن من يعدن انتاج هذه النظرة الى انفسهن كمحترمات, وانهن من يجانبن اعلان تمردهن على هذه النظرة عبر مواجهة المجتمع بـ"رغبات"ـهن و تمسكهن بحريتهن ككل, والتي لا تنفصل بجانبها الجنسي عن الجوانب الأخرى التي لا تقل اهمية
ولكن تناول هذا الجانب من منظار "الجنس" فقط هو ما يجعلها ضعيفة و ركيكة بنظري. فالامور لا تقف عند حدود السرير فحسب, وان كنت اؤمن بشكل مطلق بأن حرية الاشخاص الجنسية امر مقدس كحريتهم في الحياة. و لكن هل هذا هو معيار "الاحترام" الوحيد و الاهم بالنسبة لكلا الجنسين؟
::
احتفت الجرائد بالقول ان العمل سيتناول و بجرأة رفض المرأة لمنطق التسليع السائد في اطياف كبيرة من المجتمع اللبناني الذي هو ارضية العمل, ولكن ما رأيته لا يتجاوز تسمية المعروف و تناول غير مفهوم بالمرة للفكرة عبر ربطها بقبول او رفض عرض الرجل "ابو كرش و ريحة عرق" ان "يشتريلي كاس!!!" ا
ببساطة: اذا ما كانت اي انثى متضايقة من ان اي كان يصنفها في خانة المرضي عنهن ليتم دعوتهن لشرب كأس مع اي رجل, فعليها ان لا تذهب الى مكان قد تُرى فيه كمشروع شراكة كأس فقط. و اذا كان الموضوع لا يهمها اصلاُ, فبالتالي لا يفترض به ان يضايقها.ألي كذلك؟ على الاقل, هذا ما أفهمه شخصياً و أمارسه
وبالمناسبة: هذه النقطة في المسرحية اسعدتني. فأنا شخص لا يهتم بكمية السليوليت في محيط وركي مثلا, ولا استعمل كريمات التنحيف و لا اؤمن بعمليات التجميل, ووزني يفوق "المثالي" بكليوغرامات عديدة, ومع ذلك فأنا أحظى بدعوات لأكثر من كأس وغمزات و نظرات وتلميحات تشي بالاعجاب , وبشهادة صديقات و اصدقاء احب تواجدي معهم وتواجدهم في حياتي
هذا اذن يقول شيئاُ عن رجال لا يهمهم فقط "مثالية" جسد المرأة, و يقول ان ثمة نساء لا يتبعن بالحرف كتيب المقبول و السائد بنظر مجتمع ما في مكان و زمان ما, ومع ذلك يحظين بمعجبين لاكثر من اعتبارات جسدية
::
ثم: قيل ان المسرحية سترفع الغطاء عن الصورة المُفترضة عن المرأة, ولكن بالمقابل: اي صورة ارادتها "فتيات شريف عبد النور" للرجل؟
قيلت الوصفة السحرية لقبول الرجل بوضوح على لسان الممثلات :" بلكي بلا كرش, وبلا ريحة عرق, وجسم صحي, و رجال". سأرضى بأن مقاييس الجمال نسبية "كرش او دونه" و ان النظافة لا مساومة فيها "ريحة العرق" , وان الصحة امر مفروغ منه, ولكن من ذا الذي يمكنه ان يشرح لي ما هو مفهوم "الرجولة" المقصود؟
ما هذا؟ اي استسخاف بعقلي على الاقل هو هذا , اذا لم اعتبر ان هذا اسلوب فعلاً سطحي للتعاطي مع الجمهور المُعتاد لمسرح المدينة؟
أهذا هو ما نريده كنساء من الرجل؟
هل صار امراً ماضياً الحديث عن اهمية احترامه لخياراتنا في الحياة, كأخ و أب و زوج و صديق و صاحب وشريك سرير حتى؟
هل مسائل الشراكة المادية و الروحية و العاطفية كلها باتت امرأً و اقعاً و نحن نعيش في ظلها وبالتالي لا داعي للاشارة لها؟
اذا كانت كذلك, فلا اعتقد ان هناك ثمة حاجة لرفع العقيرة و الصوت ضد الكبت على المشاعر الجنسية التي كررتها فتيات المسرحية اكثر من مرة و بشكل واضح و مباشر لدرجة اثارت اعصابي شخصياً, كوني شعرت اني في صف مدرسي اولاً,وفي تفسير حسن النية قلت لنفسي"ربما يعتقدون ان بنا بعض صمم"
::
وايضاً: جنني الحديث عن العادة السرية
اي سخافة هي هذه التي نتعاطى بها مع موضوع العادة "السرية" بأن تُسمى (وفي مسريحة تُعتبر جرئية" بعادة "البيب"؟) و ان تُعاد و بشكل ممجوج المحاذير المنتشرة عن ممارستها؟
بيقولو انها بتعمي, وبتوجع الضهر و الراس. الخ الخ
يا الله! اهكذا يكون طرق باب التابوهات؟
::
واذا كان فعلاً ثمة رغبة بكشف المستور عن ما يعشش في عقول مظلمة بهذا القدر او ذاك بأفكار و موروثات اجتماعية يجب ان ننتفض ضدها في مجتمعاتنا "العربية", فلماذا يتم توزيع ورقة تتحديث عن العادة السرية بشكل علمي باللغة الانكليزية؟
ولماذا حين يُراد للجمهور ان يشارك في العمل الدائر امامه عبر تسمية الاعضاء الجنسية و العملية الجنسية بصوت عالٍ, فإن ذلك سيكون "بعد ما نطفي الضو"؟
الصوت الوحيد الذي تجرأ على كسر صمت الجمهور و الهمهمات الخافتة حين انطفئ الضوء قال "كس" ا
ضحكت ورنا بمرارة: اهذه جرأة؟
ان تأخر دقيقة او ضرب مكبح سيارة في اي مكان من لبنان وفي وسط النهار يستدعي استجلاب جميع اعضاء العائلة التناسلية على لسان الغاضب, فهل الغضب مبرر للجرأة؟ وهل "الثقافة" العاجية تستحي من تسمية الاشياء واعلانها بلسان الشارع الغاضب؟
اعتراضي ليس على فكرة التسمية نفسها, و كوني لم اسمي شيئاً لا لأني قاصرة عن تسمية اعضاء جسدي او جسد الرجل (بالمفردات العلمية او المتداولة و باللغة العربية إّ احكي و اصدقاء دوماً عن سبب تفضيلنا الحديث عن الحياة الجنسية و تسمية الاعضاء الجنسية بغير اللغة العربية, ربما لاننا نربطها بالعيب في موروثنا الاجتماعي "العربي"), بل ببساطة لأني ارفض منطق "التخباية" في حضرة العتمة
لا زلنا في مكاننا إذّن, وفي مكاننا نراوح: سنحكي الاشياء التي تظل في عتمة الحكي خارج هذا المسرح, في عتمة صالته و خشبته معاً!! ا
أهكذا حقاً تكون "التوعية"؟؟
::
طبعاً المسرحية عن نص لشريف, وهو رجل, فلن اعتب كثيراً على كونه ظل مقصراً و قاصراً على طرق ابواب كثيرة في حيوات النساء, ولكن مشكلتي هي في النساء انفسهن اللواتي مثلن المسرحية. اذ وعدا عن الافكار المطروحة التي فيها استسهال للتعاطي مع عالم النساء. فإن احد الجرائد اللبنانية كتبت عنهم باعتبارهن "فتيات شريف عبد النور" , وانا استخدمت هذا التعبير اعلاه في سخرية مريرة من قبولهن استخدام هذا التعبير المُصادر لذواتهن لصالح شريف "وهو رجل و ذكر و بالتالي ففي التعبير ذاته تبعية شخصياً ارفضها لأي كان", الانكى: المقال موجود على باب مسرح المدينة دون اي اشارة الى ان هذا التعبير مرفوض لأن فيه مس _اذا لم أقل تحقير_بكيانية الممثلات الاربعة!!! ا
::
لماذا كل هذه الغضبة على مسرحية؟
اولاً: لأن العاملين فيها و عليها صادروا حقي بالاختلاف و التمايز كإمرأة عبر اعتبارهم ان مسرحيتهم يحق لها احتكار "أل تعريف" النساء و الحديث عنهن بإعتبارهن كتلة صماء و احدة و متشابهة في كل تفاصيلها و "حياتها" ا
ثانياً: لأن الحرية الجنسية لا تنفصل بتاتاً بالنسبة لي عن حريتي في أن أكون ما أريد في كل المجالات و الاوقات, لا فقط في اختيار شريك سرير "بلا كرش و ريحة عرق"
ثالثاً: لأني اعتبر ان التسطيح في تناول موضوع تحرر المرأة من زاوية الجنس بات مقيتاً ومكروراً بشكل يجب الوقوف عنده من قبل النساء اللواتي فعلاً يعنيهن ان لا يكنّ في الجاهلية و عصور التنوير وفي اقصى احوال تمدنهن و تطورهن "حريات جنسياً" حتى "نتمتع" سوا
رابعاً: لأن النساء انفسهن يرضخن و بشكل كبير و هائل للمجتمع (تكفي مثلاً مساءلة طبيب ذا ضمير مهني و انساني عن عمليات ترقيع غشاء البكارة لتوقع اي منحدرات اخلاقية اكثر وعورة نحن مشرفين عليها_ و اخلاقياً هنا لا تتعلق "بالاخلاق" الاجتماعية بل بالصدق و الصدق و الصدق مع الذات اولاً عند هذه "البنات" ومن ثم مع "رجالهم" المتسقبليين) أ
خامساً: المسرحية غير جريئة برأيي , ولا حتى على صعيد اللباس, فقد انتظرت صديقاتي لنذهب معاً لمشاهدتها في مقهى في شارع الحمرا, و قد كان الطقس ماطراً بشكل متواصل" وقد مرت في الشارع صبايا يلبسن مثل لباس صبايا المسرحية, وفي ايحاءات جنسية اكثر مباشرة حتى " ا
سادساً: المباشرة و طريقة الحكي الاعلانية تثير اعصابي فعلاً , وقد إستُخدمت في المسرحية كثيراً و بتكرار يجعلني اشعر ان ثمة قصور عند الممثلين و المخرج في ابتداع طرق تعبير متنوعة للتعبير عن نفس الفكرة بغير قالب و بعمق اكبر كل مرة
سابعاً: ظللت امني النفس بجرأة ما ستأتي في المسرحية حتى إكتملت خيبتي بلحظة تحية الممثلات للجمهور. في لحظة ما, انطلقت الممثلات بين الجمهور ليخترن من يرضيهن شكلاً, قلت لنفسي في لحظتها (ستكون هنا قمة الجرأة لو اخترن امرأة فيطرقن بالتالي باب الهوية الجنسية المثلية و هو موضوع منتشر و سريته اعلى من سرية "العادة السحرية")
ثامناً: مشهد الانتقام بتلطيش الرجل الذي اختارته الصبايا ليصعد على المسرح مشهد مضحك وفيه قفشات "مهضومة", ولكنه غفل عن اننا "النساء_ نكره (او هكذا ندعي) ان يتم تلطيشنا لاعتبارات عامة لا تخصصنا "انا شخصياً لا احب ان يلطشني احد على ما لاعتبره مغرياً و لا أنثوياً فيّ, واللطشة عادى تكون على ما هو معمم كـ"مغري"), فليس من مبرر لإختيار شخص من الجمهور لا ناقة له و لا جمل, ولا حتى يملك حق الاختيار بالرفض او القبول ليُمارس عليه و به الإنتقام المبيت الذي لا تجرؤ عليه النساء الا بالسر .
اوربما بمسرحية تتلطى وراء الهضامة في قفشاتها كي لا تضع اصبعاً حقيقياً في جرح عميق خوفاً من نكأ النزيف و دم التربية المسفوح على اعتاب "العيب" و الفضيحة التي لا تحولها مسرحية و لا مسرحيات الى "موروث بالٍ" طالما تصر على التعاطي معها في العتمة
أخيراً: حين تُرصد ميزانية و يُعمل بإخلاص على إنجاح عمل ما , فرجاءً اتقنوه يا جماعة الخير, فلربما حظيتم بمعرفة مثلي تنتقدكم كما افعل بشريف هاهنا (وعسى قلبه تتسع لنقدي و اعتقده يريده ). و ع فكرة يا دكتور: إلك معجبات كتير, خصوصاً ع شكلك
;D
هناك ٣ تعليقات:
ملاك,
دايما بشوف المسرح زي شباك اللي بجسّد الواقع اللي عايشينه من جوّا يعني من جوّا جوّا. صراعات المجتمع وصراعاتنا احنا. برسمها في حركات ونصوص وموسيقى توصلنا لذاتنا احنا اللي بنتطلع من هالشباك.
سؤالي انه ليش مرات, وفي مجتمعنا بالذات, مسارحنا بتكون مقيده؟ انه بكون عندها كثير لتحكي بس كثير مرات ما بتعرف تحكي. لساتها زي ولد صغير بتعلم يحكي بس ولا مره بكبر. بفكر انه لسا بتنقصنا ثقافة المسرح لحتى نخليه يكبر. واذا احنا ما شفنا فيه طاقه صغيره نشوف فيها العالم من زاويه ثانيه, بلكي احنا لازم نتمرد على حالنا؟
عزيزتي
المسرح, ككل الفنون, لا يتطور وحده بدون النقد
واعني النقد هنا على كل المستويات: الاسلوب و المضمون و المعالجة و الفكرة و التقنيات اللوجستية و المسرحية نفسها, الخ الخ الخ
نحن لم نزل نرواح في بقعة المجاملة على حساب الرأي المشهر بوضوح فيما يخص العمل الفني كعمل من ناحية جمالية و قيمية, بمعزل عن علاقتنا الشخصية بالممثل او المؤلف او غيرهم
أنا اوافقك ان المسرح_كما بقية الفنون_ كوة تنفتح على تعقيدات عالمنا متى قاربها بموضوعية وعمق حقيقي
ومن هنا غضبتي على هذه المسرحية مضاعفاً: اولاً لأني ارى ان من واجبي كمتذوقة, و كإمرأة ان أنتقد ما لا يمثلني ولا يرضي ذائقتي الفنية و الانسانية , او يقصر عنها الكثير مما تبتغيه من عمل قيل انه سيكسر ما تبقى من الدنيا*
وثانياً: لأن العمل المسرحي حين يدعي التوعوية و النقد المباشر قبل ان يبدأ ثم يفاجئنا بأنه أشبه بأعمال هواة او يناسب اكثر لعروض المدارس الثانوية نظراً لمستوى "توعويته", فإن ذلك يدفعني و يدفع بسواي من النساء اللواتي يعتبرن ان في العمل تجنٍ واضح على خصوصية تفاصيل حياتهن الى رفع الصوت بالنقد_على قسوته_ لأجل القيمة القيمية للعمل و القيمة الفنية بالتوازي
سيسرني ان نحكي بعد عن الموضوع لو اردتِ الاستفاضة يا صبية
حتى تعودي مجدداً: كوني بخير
*شكراً شيخي أحمر
"نحن لم نزل نرواح في بقعة المجاملة على حساب الرأي المشهر بوضوح" مش بس في النقد الفني وفي كثير اشياء بشكل عام لانه على ما يبدو انه كمان صرنا من المحترفين في "الضحك على اللحى"
كيف ممكن انه يتطور المسرح اذا احنا اللي حاطين هاي القيود, وبقصد في احنا الجمهور ذاته, مصدر الالهام للمسرح. بحاول اشوف فشل المسرح احيانا في التمرد يعكس فشل الناس في المهمه هاي. والتوعيه عنوان للجدل. لانه الها مقاييس بتختلف من فرد لفرد ومن مجتمع لآخر. وللأسف, ناسنا بترفض انها توعى, ومعجبها موقع قاع البئر الفارغ.
يمكن كل هالتشاؤل جاي من انه احنا عايشين هون في فقاعه. وهون يعني في بلادي بلاد الغرباء, مسارحنا قليله ومحدوده. والفرص لعروض ممكن تفرحلك قلبك وتبشرك في ثوره مش دائما وارده.
الى لقاء قريب
سلام
إرسال تعليق