لهذه الايام ذكريات لا اعرف كيف احكيها, ولا اعرف اذا ما كان أصلاً من حكي اقولها عنها و يغطي ما لها من اثر في روحي
هي أيام نستعيدها على وقع ذكرى الحروب التي ارادت ان تمزقنا بكل شراسة العام الماضي: من دولة الكيان الصهيوني مرات, ومن عملائها و مريدي الذوبان في نسيج واحد معها مرات و مرات
ومع ذلك: لم يقدروا, ولن
::
في 11 تموز 2006, عدت من عمان الساعة الحادية عشرة ليلاً, قضيت ليلتي في بيروت, وعدت في السادسة من صباح 12 تموز الى بيتي في صور لأن ناموس بيروت "أكل من لحمي شقفة"", عدت اندس في سرير ماما, استيقظت و قبلتها بدلال ناعس, قلت لها ان لدي الكثير لأقوله "بس اصحصح" سألتني : انبسطتي؟ واجبتها وعيناي شبه مغمضتان "كتيييييير, بس افيق منحكي"ونمت
نمت حوالي 3 ساعات قبل ان توقظني ماما بصراخها المتكرر"قومي السيد حسن خطف جنود اسرائيلين", لوهلة لم استوعب, ثم استوعبت و انا انطنط فوق السرير و اصرخ: حسون ؟ حسون؟ حسون تبع نحنا تبع المقاومة حسون؟
وماما تضحك لجنوني المعتاد و الفرح يوقظ بيتنا و كل ابواب الجيران و القلوب تنفتح لأستقبال اسرانا العائدين عما قريب تحقيقاً لوعد الحرية
اركض الى الهاتف, أطلب "ام سمير القنطار" اريد ان اقبل روحها وازغرد لأمومتها التي نتفيأ في ظلال محبتها انشودة جذل طويلة, تخذلني الخطوط التي لا شك كانت تتلقى ضغط نبض قلوب كثيرة تريد ان تبارك لهذه العائلة فرحة حرية ابننا: ابن الوطن و الحق والمقاومة التي وحدها تصنع على الارض شريعة العدالة
::
بعدها بساعة و نصف: بدأ الموت ينهمر على الجنوب بجنون , وعلى مدى الايام الثلاثة و الثلاثين التي تلت, صار الموت يراقص لبنان بكل اهله و ناسه من اقصاه الى اقصاه
::
ومضت الحرب, ومضينا الى الشرق الجديد
شرقنا الذي فيه دمنا فيصل ويولد من مخاض عنادنا اللازم بالدرجة الكافية كي نعيش او نموت احراراً, وشرق ابتساماتنا نشرعها في وجه كل الموت الذي سببته آلات الدمار و الموت الهمجية وكل ما وراءها من عقول شريرة وخطط حاقدة
ابتسامات لي منها نصيب غير قليل ابداً, اغلاها تلك التي اشهرتها في 19 تموز 2006 من فوق آليات الاحتلال التي تُركت بعيد اندحارهم عام 2000 في ما تبقى من معتقل الخيام:كان الدمار الذي مررنا به اكثر من ان يتحمله انسان, كنا نحبس دموعنا انا و اصدقائي الذين خضنا تراب الجنوب من الناقورة حتى مارون الراس وبنت جبيل وصولاً للخيام
وحين وصلنا هناك, بدأت اميرة بالبكاء و هي تردد"كل هيدا", وانا قمت بردة فعل لا زلت اسعد مني أني اتيتها حتى الان: وقفت فوق جيب صهيوني كان للذكرى في باحة المعتقل"ككل المعتقل الذي صار اثراً بعد عين" وصرت ارقص و اصرخ: كل هيدا و ما فاتوا, كل هيدا و ما اجتاحو,كل هيد وما انكسرنا
::
لا ننكسر: شعبنا العصي على المذلة لا ينكسر برغم كل شيء
واليوم: انظر سنة الى الوراء, وابتسم من كل روحي, لأهلي و ناسي, للمقاومة التي اتقوى بها و تتقوى "فكرة و مبدأ و نهج حياة و كرامة" بكل من فينا
وانظر الى حاضرنا, نحن الذين من تعبهم و شقائهم و قلقهم وفطرة الرفض فيهم اذلوا جيش الكيان الذي كان لا يُذل قبلنا, نحن الذين تنتظرنا فلسطين على وعد طال 59 عاماً, لم يزل نضراً و بهياً و شهياً كما بلحات دار سيدي المتروكين على عجالة في حيفا
وابتسم
وأنظر في غدنا: ارى أطفالاً يلملمون الفراشات عن وجه الفضاء, يسرونها حكايات من مضوا قبلهم على هذي الارض و تحت هذي السماء, فتنظلق الاجنحة من بين ايديهم تخفق اسرع نحو الشمس علهّا تضيء بمثل نورهم الذي يغطي شمساً و كواكب و نجوم
وابتسم: ابتسم لأن الدنيا, برغم كل الموت و الدمار و الدم, تبقى بمن مثلهم ومن مثلنا على عهد لوفاء دنيا
وتبقى براحاً لابتسامات نطلقها كل لحظة راية انتصار وكرامة لا تنحني
فكيف بمن عاش كل ذلك, وبعد مما لا يُحكى ان لا يبتسم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق