ثمة مناطق في ذاكرتي, في روحي, في كلي لها رائحة الدهشة و التوق الغامر. لها وقع يشبه الاغاني التي تطلق في الجسد زغاريد الرقص فينطلق يلتوى و لا يلوي الا للفرح الغريب.لبعض هذه المناطق ثمة كلمات اخطها هاهنا بعدما انحفرت في روحي على مدى ايام عمري القليل امام افتتاني بها,و ابدأ صلواتي بإسمها"حيفا"
حيفا
هي نقطة ارتكاز كوني الاخرى: عالمي يولد على خط الملح و النار الطالع من قلبي ليدفئ الكون بالأمل العنيد"صور_حيفا", وهذه صلاتي لحيفاي اليوم, ككل يوم
اليوم ايضاً الفل افتتح صباحي و ترحمت على روحها البيضاء, جدتي ام محمد. كانت لتفعل ذلك ايضاً في حيفا لو كنا في حيفا اخرى غير حيفا هذه , حيفا الزمن القاسي.
يا حيفا: انتِ التي العالم ينقسم الى ما قبلك و ما بعدك. فلا تاريخي هو يوم الولادة في كانون, ولا بداية الجغرافيا نقطة تراب بين قدمي او خط طول او عرض على خريطة. حيفا هي كل البدايات عندي. بداية الوطن والحب و الحنين و الموت المتقدم في الايام حتى اكتمالها به "على ارضها".
حين هاتفني مهند من حيفا ذات برد ابيض كقلبه, وحسدتها انه فيها, أسمعني صوت كلب يلاحقه بالعواء, خجلت ان اقول له اني احسد الكلب انه في حيفا. قلت له أن يصف لي كل ما حوله فأرى الى حيفا بعينيه, وانسال صوته من الهاتف رقراقاً كماء الدمع الجميل الذي كان يندي عيون جدتي حين كانت تحكي لي عن بيتها البعيد في حيفا. لم أقل لمهند يومها أني في زمن حرب الصيف الأخيرة كنت _وبأنانية و جنون مطبقين_ اتمنى ان تقصف المقاومة حيفا أكثر من غيرها لكي تأتي صور حياتها في التلفاز أكثر. كنت اتعلق بالشاشة حين تُبث الصور و التقارير منها و عنها كمن "يتشعلق" قلبه الغريق بإحتمالات الموت بقشة ترد فيه بعض الروح. حيفا في قلبي, وحيفا على الشاشات حين تُقصف: بلى هو الجنون ان اتمناها في خط النار كي اراها بعيني انا ايضاً بعدما حفرتها جدتي في الحكايا وشماً على قلبي.
الآن يا مهند: حين تقرأ هذه الكلمات, عدني ان لا تسمح لدمعة بأن تنزل من عينك, فقد بكيتها عني و عنك مطولاً مع كل صورة من حيفا أرسلتها و صورتها وخزنتها في ذاكرة عينك قبل ذاكرة الكميرات.أنت عليك ان تفتح عينيك على وسعهما لتعب لي من جمالها اقصى ما تستطيع.
يا مهند: حيفا التي تقولها تشبهني بكل ما يحيق بها من خراب وتظل على فطرة فرحها الطفولي الأول, حيفا تلك أكتب لها الآن, أصلي لها واهف عليها بروحي, ولكني لا استطيع ان احظى بها و لو كصورة. لقد انكفأ القصف عنها, وانكفأت هي عن التشكل فيّ.
قل لها, قل لها انت الساكن فيها ان الأعوام الستين تمعن في حنين مستحيل اليها, قل لها اننا لا ننسى, وان البلح في مطبخ دار سيدي الذي لا تجده بسبب تضارب الاوصاف, لا يزال مشتهى كقدر. قل لحيفا يا مهند اني احسد كل ما فيها على انه فيها, حتى الصواريخ التي سقطت عليها ناراً حسدتها. ذات حق: سأصل الى الصاروخ المرتحل اليها بدمي وأكتب عليه لها رسالة حب, وستحترق مرتين باللهب : لهب ناره, ولهب الاشتياق.
قل لها ان تغفر لي جنوني, ما عاد سوى الجنون يأتيني بها صورة في شاشة حتى آتيها, و قل لها اني حتماً سأتيها, فجدتي التي تحت جلدي سمرة عنادها مشتاقة كذلك, والفل يريد نصاعة صباحها.
هناك ٣ تعليقات:
!
في خيمتنا فلسطيني
لعل سلالة الصحراء لم تكن لتنجو من التيه يوماً لو لم يدبّر الخفاء الأثر ليكون لهذه الملة الشقية دليلاً.
و الصحراء تمتد وتتسع فالويل لمن تسول له نفسه أن يستولي على الصحراء...الصحراء هي رمز للروح، الصحراء هي قرين للحرية، الصحراء هي قرين لأنبل ما في الوجود الإنساني، لذا يجب أن نكبر الصحراء، أن نركع للصحراء، أن نصلي للصحراء، لأن كل علامة في الصحراء هي صلاة للأبدية، الصحراء ليست رمزاً للوجود الإنساني فقط ولكنها رمز للأبدي في أنبل معانيه....وليس عبثاً أن تكون كل الأفكار العظيمة نابعة من الصحراء، هي قاسية بطبيعة الحال لأن الحرية قاسية.
طوال الطريق من مخيمات الصحراويين في السمارة إلى مطار تندوف عاصمة اللاجئين الصحراويين كنت أستذكر أجزاء من تراتيل صلاها ابراهيم الكوني في أثر الصلاة خارج الأوقات الخمسة.. قبل أن تقطع تراتيلي لننزل عند عائلة من القبائل للراحة،قام المرافق بتقديمي للمرأة العجوز صاحبة الخيمة:-
-............. فلسطيني .
لم أكن أدرك قبل ذلك الإنفجار المشاعري عند المرأة العجوز ماذا تخبئ فلسطين فينا من رائحة مفخخة بما بقي منا من طينها،من أريج بياراتها،من شذا طوابينها..هل شمت تلك اللاجئة الصراوية مما تفصد عن عينيََ من ملح رائحة بحر بعيد( عني وعنها) وعن صحراء تلمنا لاجئين؟ هل شمت حيفا؟
_ من أي مدينة ؟ قالت ولم تزل يداها تحرسان خجلي في ظل هذا الحب.
- من يافا ..
كأني و(هي ) في شغف التمرين على تسبيح وإستذكار الغائب في تجلي الجواب أمام هيبة السؤال..هل كانت يافا من أسماء فلسطين الحسنى كي أرتلها بتجلي على هذا النحو ؟
قبلتني المرأة وبكت ثم عادت وقبلتني ..كدت أن أموت..والله .هل ثمة سبب للموت لمجرد أنك تشعر بإرتباك الفلسطيني بداخلك ؟وأن ثمة من يحب فلسطين ويشتاق لها مثلك مناصفة ؟
كانت تخبر كل من توافدوا لرؤية الضيوف،سمعتها والله : - في الخيمة فلسطيني !
يحيى أبوصافي - الجزائر
ossalli laki
kouni be5air
darkrain
إرسال تعليق