مشاركة في الآداب

هذا النص ليس تدويناً, هو مشاركتي في ملف خاص من مجلة الآداب يصدر الاسبوع المقبل حول الحرب الصهيو_امريكية عل لبنان صيف 2006
أنشره هنا لرغبة أصدقاء احترمهم في أن لا تبقى جهود أصدقاء و رفاق اخرين_ لا يعرفونهم بالضرورة: لا في العالم الحقيقي و لا افتراضياً _طي الصمت
بالنسبة لي : أخجل ان احكي عما فعلته كفرد ضمن "النحن" الجماعية التي تعلوني و اعلو بها دوماً, في هذا النص و خارجه.
حسبي اني كتبت شهادة, وحسبي ان تكون أصدق من التنظير و المزاودات التي لم تحررعلى الارض حبة تراب, ولام تحرك في القلوب نبضةٌ مقاتلة لوطن نسعى جميعاً لنكونه و يكوننا.

أن تكون ناشطاً في ايام السلم, يعني انك ستكون بين الانشط في ايام الحرب. حيث طوفان ما ينبغي فعله يعاجل الجميع من كل حدب وصوب.

التجارب متنوعة و عديدة و غنية و مترابطة جداً , بعضها فردي و بعضها جماعي, وبعضها انتهى مع وقف العمليات العسكرية يوم 14 آب الماضي , وبعضها يستمر حتى اليوم و إن بأشكال اخر.

بالنسبة لي, ومنذ اليوم الاول للعدوان, كنت أعي تماماً ان ما سيكون في فترة الحرب يجب ان يستمر الى ما بعدها. فلا يمكن لأي عاقل تصور ان الحرب _مهما طال امدها او قصر_ سوف تترك نتائجاً يجب التعامل معها حين تنتهي العمليات العسكرية و يكف ضجيج الموت عن الاندلاع في ايامنا و ليالينا.

من قرية النزوح المؤقتة "بيصور" الى بيروت و عودة الى صور , لم يمر يوم حتى الآن دون ان اكون_ومثلي كثر_ منشغلين بأكثر من عمل وواجب في الوقت عينه. و على ما آمل, فإن هذا الالتزام العالي الذي أظهره افراد و مؤسسات و نوادٍ وجمعيات في لبنان و كل العالم, سوف يستمر حتى احتواء أثار هذه الحرب و تطويق الاثار المحتملة لكل حرب قد تأتي بعد.

كوني معلمة أطفال, فقد كان من الطبيعي ان افكر بالعمل مع الاطفال بشكل اساسي, بالتوازي مع العمل مع النازحين , وبوعي كامل ان الحرب لا تعني موت الانسان فينا. لذا, كان لا بد ان نسعى ليبقى لهذا الانسان فينا و في اطفالنا وجوده اليومي عبر نشاط و قصة و اغنية ترسم ضحكة و تجعل الخوف امراً قابلاً للفهم و التعامل معه بشكل اكثر مرونة و اقل شعوراً بالذنب من قبل أطفالنا واهلهم معهم.

الهدف كان ان نرافق الاطفال في هذه المرحلة الصعبة ليفهموا _ولو قليلاً_ ما الذي يدور حولهم و ان ما يحسونه هو طبيعي و منطقي كردة فعل على ظروف لاطبيعية و لا منطقية عصفت بحياتهم.
ولليوم, لا يدعي احد اعرفه و عملنا و نعمل بعد معاً في مجال انشطة الاطفال اننا نقدم اي نوع من علاج او تعليم. كل ما نقوم به هو محاولة خلق اجواء من الثقة و الامان للتعامل مع الاطفال من خلالها للوصول الى هدفنا المذكور اعلاه.


هكذا تكون ناشطاً, ولكن ماذا عن الانشط؟

الانشط هو ما فعلناه كمجموعة تبلورت للآن بإسم "حملة المقاومة المدنية" وبأهداف و ادوار كل همها التركيز على بناء علاقات مع الناس في هذا الوطن الذي يجمعنا الانتماء له لتتكامل الجهود و تتضافر للقيام جميعاً ومعاً بدورنا في دعم خيار المقاومة بشقها المدني. ففي ممارسة هذا الخيار خلاصنا الجمعي من سطوة ما تنوء بها بلادنا من هيمنات و محسوبيات وما يفيض عن مساحتها من زواريب سياسية و "مصلحجية" لا تخدم الا فئات قليلة من المتنفذين فيها.

بدأنا , لبنانيون من مختلف المناطق و الطوائف و المشارب السياسية في لبنان و اصدقاء عرب و اجانب متضامنون مع لبنان, نخطط للانطلاق جنوباً في قافلة تضامن و اغاثة لاهلنا الصامدين على تخوم المواجهة.

في اقل من عشرة ايام, توالت الاجتماعات و الاتصالات وتكثفت الجهود من كل من شارك ودعم و أيد الفكرة لتنطلق يوم السبت 12 آب 2006 قافلة من 50 سيارة بمواكبة اعلامية متنوعة, رافعة علم لبنان, وعلم لبنان فقط.
ومحملة بحصص غذائية و ادوية للصامدين من اهلنا بهدف الوصول الي ابعد نقطة يمكن الوصول اليها لنقول على طريقتنا" لا" بوجه عدونا الذي كان يحاول ان يفرض علينا التحرك بحسب ما يسمح به و يمنع على تراب وطننا الحر.
وأردنا ان نقول لنا_ نحن اهل هذا الوطن المثقوب بكل الوان الاختلافات و المتوحد في كونه هدف دائم لاطماع الصهاينة فيه_ اردنا ان نقول اننا كلنا لبنان حين تريد اسرائيل ان تجعل حدوداً جغرافية بين لبنان و الجنوب: فالجنوب لبنان و الضاحية و بعلبك و بيروت و جعيتا و فاريا و عكار وكل حبة تراب هي كل لبنان.

قافلتنا لم تمنعها اسرائيل من التقدم جنوباً, ولا عزيمة المشاركين فيها بدمهم وهنت , بل كانت الحكومة اللبنانية هي من منعها من المضي لتسجيل رسالة سياسية عالية المستوى بوجه الصهاينة و العالم الفاقد حواسه في دعمه عد "وقف اطلاق النار اذ لن يحقق اي فائدة" كما صرحت خنزيرة الخارجية الامريكية الانسية النوع كونديليسا رايس.

عادت القافلة الى بيروت: محبطون كنا و غاضبون, ولكنه ليس وقت الوقوف بوجه حكومتنا ونحن في حرب يريد عدونا ان ينتصر فيها سياسياً بانشقاقنا شعباً عن حكومة, في حين كانت واضحةً هزيمته العسكرية المتزايدة باتحادنا شعباً و مقاومةَ.

وما كان ممكناً ان تضيع هباءً الجهود التي وُظفت لانجاح هذه القافلة من قبل الفسيفساء العجيبة في اصولها و الرائعة في صورتها النهائية التي اجتمعت لنكون معاً في ذلك السبت الذي سبق وقف العمليات العسكرية بيومين فحسب.

وهذه الفسيفساء من لبنانين و عرب و اجانب لم يكن لها لتكون ما هي عليه اليوم دون خلافات و نقاشات حادة و طويلة و عميقة اخذت كثيراً من وقتنا الذي كنا نتسابق لتوفيره و توظيفه بأفضل ما يمكن مع اليات الموت الدائرة دوائره في كل منطقة من لبنان تقريباً.

اختلفنا, واتفقنا كيف ندير خلافاتنا ونعلي قيمة المشترك بيننا على كل محاولات الهيمنة بالرأي و اسلوب التصرف الذي يعاني بعضنا منه كنتاج لتربية ضاربة جذورها فينا.

واتفقنا اساساً ان لا نضيع فرصة اجتماعنا هذه وفكرنا معاً بالخطوة التالية, وكان ان انطلقنا على الارض فعلياً بعد 14 آب جنوباً.
نزور قرى لم يصلها قبلنا اي من الهئيات الدولية ( شرحوا لنا اسباباً تتعلق بأنهم يحتاجون ضمانة انتشار قوات اليونيفل ليتمكنوا من الدخول الى قرى المواجهة او تلك التي يظل الصهاينة ينزلون فيها حتى اليوم)
نسأل البلدية عن حاجات هذه القرية او تلك, نحادث الناس, نعزيهم و نعزي انفسنا معهم بشهداء نصرنا الطالع من كل الهائل من الدمارالذي نعايشه بعد بكل حواسنا ووجداننا.
نحاول قدر الامكان ان نؤمن ما نستطيعه من متطلبات الحياة في هذه القرى, فامكانياتنا قليلة و تتمثل بتبرعات اصدقاء و داعمين من لبنان و خارجه لما نفعله.
ومع ذلك, انظر اليوم الى ما فعلناه بامكاناتنا البشرية و المادية القليلة و اشعر بالفخر و التحفز لانجاز المزيد: فها نحن نقوم بواجبنا تجاه هذا الوطن بأفضل وأقصى ما يمكننا الأن و ما سيمكننا غداً.

اليوم: علاقاتنا بالقرى التي عملنا فيها مستمرة, اقوى, امتن و اوثق.
نزورهم بعد , نقيم نشاطات الاطفال اسبوعياً معهم و نشرب شاي ضيافتهم ونتناول بالحديث كل ما يخطر بالبال من مواضيع. ننظم لقاءات حول "مقاطعة داعمي اسرائيل" و نلمح في صلابتهم اصراراً على المعرفة و التعاون كي نهزم اسرائيل عبر داعميها اقتصاديا بعدما تأكدت هزيمتها العسكرية مرة اخرى بعد دحر جيشها الذي لا يُقهر مذلولاً ذات ليل في نوار 2000ً

وغداً: تحدينا الاكبر ان نحافظ على علاقاتنا هذه و ننميها و نعمقها و نشبكها مع علاقاتنا السابقة في مختلف مناطق لبنان كي نساهم جميعاً في بناء الوطن الحقيقي الذي لاجل ابهى صورة له في الارض ارتفع في هذه الحرب وحدها اكثر من 1350شهيداً الى سماوات الحرية و التحدي و الصمود.

هناك ٥ تعليقات:

نـشاز يقول...

جميل جدا

ملاك .. الاجمل ان تتحدثي عن الافراد .. أن لا يبقى الحديث بصيغة "الجنوب" , "الوطن" "اهل القرى" " اعلام لبنان" ... اريد ان اقرء عن الاطفال , كيف يلعبون وماذا يقولون وكيف يعبرون عن احاسيسهم ...
فهمتي قصدي !؟
بالنسبة للاعلام اللبنانيه فهي تملئ المدونات والحديث عن الوحده والتماسك ايضا , لكن اريد ان اسمع قصص الاناس الحقيقيين , وان لا يختزلوا ضمن جماعه , لا بد ان كل منهم عاش التجربه مختلفه عن غيره .. ولا بد انك ولانك الاقرب منهم تستطيعين نقل صوره حيه وحقيقيه عن هؤلاء وعن عالمهم

وشكرا.. طالعه حلوه هيك
مدونتك ايضا جميله ... بس اجا على بالي انه مدونات الفلسطينيين سودا !!؟ برايك ليه؟ وفي موضوع لافتراضي حكى عن مدونات اللبنانيين الخضرا !!؟ شو السر دخلك ؟

ملاك يقول...

شكراً جميلة لمرورك ايضاً

الآن انا في مرحلة فقدان اللون

عايشت الكثير مؤخراً _ولست وحدي و لست الاكثر انغماساً فيما عايشته كذلك_ ولكني متعبة

أحاول ان أتحسس الضوء بقلبي قبل عيوني و اعرف انه موجود, ولكني احتاج بعض جرأة لأفتح عينيّ مديداً في حضرة بهائه

هل كلامي تنظير و شعارات هنا؟
لا ادري

ما ادريه اني لا انضوي بأي شكل ضمن التصنيفات المُعدة سلفاً

هل ينبغي لمدونتي ان تكون خضراء لمجرد اني اسكن لبنان وجوازي عليه ارزة غبية؟

او ان تكون سوداء لأني فلسطينية غصباً عن كل ما عداي, وبكامل اختياري؟

:

ثم: انا غير مغرمة بالمرة بمسألة العلم اللبناني , وقد خرجت تماماً من غباوات ببغاوات الفلكلور اللبناني من كبة و تبولة واقوال مضحكة "لو انتركو اللبنانيين لحالهم, كانوا بيموتوا بعض من البوس" بشرفك: في شي رئيس وزراء بيحكي هيك حكي زي صائب سلام, الا بهاللبنان, لوح الصف, كتاب الخرايط الدبكة و الدف؟


يعني انا ما بعرف شو الاسرار ورا مفردات بيتشدوقوا فيها كتار بلبنان وما حدا مصلي ع شي نبي ليبلش عنجد يحاول_اقل شي_ يحاول يطبقها ع الارض"وحدة وطنية, عيش مشترك, حوار و اجماع, الخ..."

:

بوعدك احط بالمدونة "قصص الزمن المر" قريباً

وهالقصص هي تسجيل يومي لمشاهدات من الحرب وما بعدها

في اشيا نشرتها بشي مطرح, وفي اشيا لسه خرابيش ع اوراق سقيتها بدموعي و قلقي بهيديك الايام السودا


بين معك ليش مدونتي_ اللي بلشت فيها بعد الحرب بشوي_ هالقد سودا؟



مساك قوس قزح

نـشاز يقول...

ولا أنا افهم هذا التشدق
يعني اذا كان لبنان دبكه وتبوله وكبه وعرق .. فنحن كمان صرنا لبنان , وسوريا كمان صارت لبنان , ما الأصل سوريا بكل هي المواضيع ... وانا مش كتير بفهم هذا النسب ... بس عموما

ثم مسألة العلم اللبناني , مثل مسألة العلم الفلسطيني , يعني مرات احس انه مقدس اكثر من الإنسان, حاولت أفهم سر الاعلام المنتشره كتير بكل المدونات وفيها علم لبنان , مش كتير فهمت , عولت ذلك طبعا على الحرب واندفاع وحماس العرب عارفه يعني مع كل موجة مصيبه هيك بيتحدوا وبيصيروا يرفعوا الاعلام . انا شخصيا الموضوع ذكرني بستار اكاديمي لما كل مجموعه من الجمهور بتحمل علم المشارك من بلدها ,, بيناتنا اشي بيخري ... الامر صبياني بحت ,, مش لازم يعني الف حالي مثلا بعلم فلسطين علشان احس انه انا فلسطينيه ..
بعدين شو فرقت لبناني فلسطيني سوري سعودي موزمبيقي !؟؟ ليه هالقد نحن العرب بتفرق معنا هاي المسائل .؟؟ ليه ما بنتعامل مع الانسان كإنسان وبس
لو انتركوا اللبنانيين بحالهن رح يبوسوا بعض !! ابصر ؟؟ يمكن .... بس اكيد لازم سوريا تنقلع من لبنان اذا على هيك ,,وشغلة البوس هاي انت عارفه مين شاطر فيها فديخله الله خليها تراث لإلنا ,, يعني فلوكلور فلسطيني ما بدنا حد يشاركنا فيو

ملاك يقول...

شو تراث ما تراث يما؟

ناسية من وين جايبها الاخ القائد المفدى _بُشبشت الطوبة اللي تحت راسو بكم ألف بزقة_ هالعادة؟

:)



:

ولا انا بفهم عشق العلم
بس هالعادة مش عربية بس
ناسية الامريكان: هالشعب المش معروف شو دين ربو , كيف حبو فجأة الاحمر و الازرق و الابيض بخلطة كم خط و نجمة بعد احداث ايلول اللي عايشيين بذكرى بركاتها ع الانسانية اللي صارت اقل تعرضاً للارهاب بسببها؟

ع كل حال: في كتير اشيا ما بفهمها بهالحياة
ورح يكون العمر اقصر من اني اجرب افهمها كلها
خاصة اذا بمستوى سخافة التبويس و خرافة الاكل الطيب

بس طالما البوس شرطه انقلاع سوريا بنظرك, بنظري بدها _محلاه زياد رحباني محلااااااااااااااااااه_انو نصفي مليونين و نص من 3 مليون لبناني و يبقى نص مليون ايديهم مش ملطخة بدم غيرهم ( هوي زياد بدو يقتلهم)وانا بمشي وراه بالثورة لو هوي بيمشي

:)

الاشيا بدها قبل البوس اشيا كتير

اشيا بحلاوة صوت فيروز و بعبثية دمار حرب 2006 بذات الوقت

يمكن لو هالشي بيصير, بيصير في شي اسمو وطن لبناني ع علمو ارزة يُفتخر فيها


بس "كلمة لو ما بتحلو" واشهد انو هالمثل او لمرة سمعته كان من فلسطيني

ملاك يقول...

شكراً لمرورك هنا "عربدة", يبدو لي أننا بدأنا نحكي لغة واحدة, وأخيراً

لا حاجة لتوضيح الواضح: ما نفعله و يفعله غيرنا _والآن ننسق معاً لنشاطات مع الاطفال وفي الاطار الطبي_هو دليل ان بإمكان الناس دوماً خلق بديل لما هو قائم و منفر

وبحسب التجربة: البديل المختلق خلاق وواعد
اذ نستمر في اداء واجبنا _رغم مرور وقت كان ربما ليكفي لإمتحان حسن نوايا الاخرين و مدى تساوقها مع الممارسة_

ولكننا اذ نستمر, فنحن نرفع علماً من عرق ولحم و دم هو "الانسان" الذي في كل منا

واجبنا و التزامنا الحقيقي ان يظل يخفق فينا هذا العلم حرفاً و نبضة ومشروع موت او حياة



وفي هذه لا شكر لي ان نشرت: الشكر الحقيقي لمن آمن معي و مثلي بأن الحلم ممكن

ولا زلنا نكسر معاً بوابات المستحيل