الرجاء قراءة التنبيهات اولاً

تنبيه 1: هذا النص كُتب صباح الاحد مباشرة بعد معرفتي برحيل الرفيق الغالي, نشرته انذاك لمدة ساعتين على المدونة ثم رفعته, أعيد نشره الان، اكراماً لصديقة عاتبتني بصخب على ازالته لأن كلماتي ابكتها انذاك, وحين عادت للتعليق وجدته قد انمحى

تنبيه 2: هذا ليس تدويناً و لا موقفاً و لا تحية ولا شيء,هذا بعض مما يظلون في الروح مائها الكافي لتظل تورق فيها الحياة بكل الامل اللازم كي نموت على حد الكرامة

وللرفيقة عمتو: اذا ما قرأتِ هذه الكلمات يوماً, في هذا الحكي المخربط و الغير منظم و العفوي و الفوري الكثير لكِ ,اكتبه إذ احتاج ان ازيل بعضه عن روحي كي اتنفس هذا الصباح و كل يوم يُفترض بي عيشه

::
فجر دبي قارس البرودة و فاره في وحدة تلتف حول روحي حبل مشنقة طويل في هذه المدينة يومياً
اقوم الى اسبوع عمل جديد بنعس شديد و قلة رغبة في البدء بيوم متعب و طويل اخر في هذا النمط من الحياة الذي احاول ان لا اعلق فيه حد الروتين في هذي المدينة المليئة بالتناقضات
لحظي السيء ألف مرة, يدير سائق الباص الراديو على محطة الحرة "اكرههههههههههها" فأضع سماعات هاتفي في اذني واصغي لتشويش تقلب المحطات قبل ان ألتقط اسم "جورج حبش" من فم مذيعة الحرة لأصاب بلوثة من يريد ان اعرف ما الخبر

استاذ فلسطيني يهتف بي: توفى مبارح بعمان
تخرسني آآآآه طويلة و حارة

تبادرني معلمة مهضومة"جزء اساسي من هضامتها هو كونها تقدمية اشراكية درزية جنبلاطية"_حبيت اقوصها بلحظتها_ بضحكة ساخرة"ما تقوليلي بدك تروحي تعزي "
ارمقها بنظرة يتجمع الدمع على حوافها وارميها برد لا يحتمل رداً عليه: بكرا بس يموت وليد جنبلاط بدي اعرف شو رح تعملي لو تمسخرت عليكي بلحظة اللي بتعرفي

تدير لي ظهرها و تخرس, كان هذا هدفي اصلاً لأن اي حال سوى ذلك كان سيكلفها وجهها على اقل مقياس لغضبي من تفاهتها البالغة

::

بعد الاخبار, وعلى الحرة نفسها تحدي_من الحدا_ فيروز لل"وحدن" و تبدأ سماء دبي بمطر يشبه دمعاً يحرق قلبي و لا يتوانى في الهطول
لا اريد ان اتخيل وقع الخبر على عمتو, عمو محمد, على خليل , على الرفيق ناصر, على ابوغسان, على الرفاق في السجون و كل اولئك المعلقين على سياج الامل العنيد, كيف تلقت منال الخبر؟ولبنى كيف تبدأ موسم نحيبها؟وكيف اعصاب رانيا؟ ابو ماهر اليماني الذي عليه ان يحصي خسائر كثيرة, هذه من كبرياتها؟ عمو صلاح؟ ام ربيع التي تحبه بشراهة؟ والناس الذين عايشوه في لبنان و سوريا و الاردن؟ و الرفاق الذين تربوا واسمه منارة في ايامهم؟ والناس, كل الناس؟

كيف وقع الخبر على فلسطين؟

لا اريد ان افكر اين سيدفنونه, اسخر في قرارتي من عمان , صارت قبراً كبيراً نودع فيه امالاً عريضات و احبة لا يتكررون, يمر ببالي أن مقبرة "سحاب" على طريق المطار من عمان ستكون محجاً لزيارات كثيرة قادمة في مواسم الاعياد, ثم انتبه: الرفيق مسيحي بالولادة, فأين سيدفنونه؟ هل سيصلون عليه؟
يا لسخافة هذي الافكار الان

::

تقول لعنة فرعونية وجدت على قبر احد الاثمين: ليمت كل احباب هذا الشخص قبله

وانا لا افهم للرب حكمته في ان يختبر شعبي و احبتي الى هذا الحد الرهيب من مقاساة الالام الرهيبة ليثبت جدارته في ان يكون شعب الاراضي المقدسة, ولا افهم كيف احيل تفسير الامور على غيبيات لا ألمس منها "حرف من طرف", ولكني في لحظات الألم الهائل كهذه اود ان اغرق في فكرة واحدة تعصمني من الجنون على ذمة الدمع, لربما على الاشقياء و الملعونين حقاً ان يعانوا فقدان احبتهم قبلهم

لماذا على عمتو ان تحتمل كل هذا؟

اغلى الرفاق: يُسجنون, يُقتلون, يموتون في عز الحاجة اليهم, في عز قهر فلسطين على حالها, فكيف ستجد ثوباً جديداً للحداد ؟

لماذا ملعونة الى هذا الحد هذه الرقيقة كأغنية على عين ماء؟ لماذا وهي الشفافة كموال اشتياق للبلاد؟ وكم عليها ان تحتمل بعد من دورة الركون الى حياة فارغة بغياب, فيعاجلها غياب اخر بمزيد من الالم؟

قلبي معك يا عمتو, افكر بالاتصال بكِ, واقول لي ان ليلتك كانت بلا شك طويلة و ان فجر عمان قارس اصلاً, فلا حاجة بكِ لدموع جديدة عبر الهاتف كذلك

رسالة نصية, اين منها دمعنا من لبنان الى عمان لحظة عرفنا من التلفزيونات خبر اغتيال ابو هاني؟وفي لحظات بوحك القليل عن قتل عمتو خالدية في اواخر ايام العام الذي انصرم قبل قليل؟

احاول ان ابحث عن اغنية استكين لسماعها, من جديد تلطمني فيروز بصوتها "سنرجع يوماً" , ابكي بحرقة اكبر, الألم اكبر من قدرتي على مداراته في باص او على ابواب مقر عمل.

الألم ينبت اسفل ظهري و ينمو كعريشة متوحشة كألف يد تقبض على فقرات عمودي الفقري و يصعد الى رأسي يمسكه و اشعره يطيح بي حتى يكاد يفجه ألف نثرة

للحظة اسرقني من التفكير بأن الحي ابقى من الميت, وافكر بالراحل اخيراً, القهرعلى مآل الاوضاع بلا شك سرع موته المحتوم منذ فترة
كثر سيبكونه و يستعيدون مواقفه الوطنية و تمسكه بثوابت صارت على يد بعض ممن جايله من قيادات "تاريخية" ماءً,بل واسفه و اتفه من المياه
"الدم الفلسطيني على الفلسطيني حرام" مثلاً

يا رفيق: لقد قتلوك انت كذلك بالقهر المدوي, وبعد حرام؟ ليس حراماً اذا ما إختير الدم المناسب ليُراق, لا دم الاطفال و الابرياء, ولكن: هذي سيرة خضناها ذات صبح, ورميتها انت نفسك بنصيحة ما عدتُ مقتنعة بجدواها كذلك

::

افكر بلقائي الأخير معه, دمشق باردة و انا منهكة من سهرة اليلة السابقة مع احبة لي فيها,ومع ذلك, ادخل اليه بكل حماسة من تقابل رمزاً في هذي الحياة . يخبره الرفيق خليل بحماسته المعتادة اني من صور, "اهلا و سهلا, اهلا و سهلا", يسأل عن المدينة, ثم يبادرني: انتي بنت مين؟ وحين اخبره يغص بدمعه, ولا يداريه

يبكي الرجل لذكرى والدي الذي يعرفه حق المعرفة

تضاءلت ,"قد الكمشة" صرت في مقعدي المواجه له. ابكيت هذي الهامة بردي على سوأل بهذه البساطة الظاهرة؟ احترت و خليل هل اتابع حكيي معه؟
هل انسحب؟
قلت له اني سأراه في وقت اخر لو احب, قال لي اجلسي, خبريني عن صور

تحدثنا , انا التي كبرت بشكل فاجأه وصرت صبية,كأنما العمر لا يريد ان يمر حين يتعلق الامر بفلسطين. ارقب كلماتي في رأسي قبل ان ينطقها لساني, الرجل صحته عليلة اصلاً وطبعاً اخر ما يلزمه هو نوبة حنين مغلفة بدمع شاهق

كان ذلك في الشهر الذي تلا فضيحة كلاسين اريحا و موقف الفرسان الذي ارتكبه ابو غسان بيديه المرفوعتين ضد المرحلة

تحدثنا عن الوضع :سوءه و مدى احتدام المواجهة و سفورها المتزايد يوماً بيوم. تحدثنا عن ابي, فخرت به اكثر, وعن الرفاق القدامى في مدينتي, عن العائلة و امي "بتشبهيها انتِ؟" يسألني, فأبتسم بخجل, ثم يعاجلني بس زي ابوكي بللي غير الشكل

انطلقت احكي معه _ويشاركنا خليل_ على سجيتي, غاضبة و متحمسة و ساخرة ومفعمة بالبلاد حتى اخر تفصيل لا اعرفه فيي بعد. قال ان الناس هم الأهم: الاسرى و عوائل الشهداء همه الكبير, حملني كتباً من مركز دراسات الغد الى رفاق قدامي في بيروت (منهم الراحل كذلك جوزيف سماحة) و اثقل قلبي بالسلامات الى اهل صور و الرفاق في المخيمات , لليوم تذهلني قدرة هذا الضمير الدمث على تذكر الجميع

قال لي خليل لاحقاً ان ابو الميس سأله: وين عن هيك صبايا من زمان؟
"علقتي براسه يا بنت"يعلق الرفيق الذي لا اريد ان اتخيل اي غضب يتملكه الان

بلى علقت في رأسه لدرجة ان اخبر ليلى عن لقائنا اول ما رآها بعد ذلك في عمان و كانت فخورة وهي تقول لي انها سعيدة بذلك

::

حسنٌ: في هذه الكتابة اعلاه كثير من الذاتية, هذا صحيح, انا اكره تسليع الناس, جورج حبش ليس خبراً في وكالة انباء و لا معلومات بحث و تاريخ خسرنا مستقبله والحداد عليه غير قليل. هو ليس كل ذلك فقط: هو انسان اولاً و اخيراً, ولأنه كذلك, ولأنه غالٍ على احبة كثر, وغالٍ بذاته, وغالية ذكرى لقائي به التي ادونها في غضب و حرقة هذه اللحظة , لا اعرف ماذا اكتب عنه غير ذلك في لحظة وداع

وامعاناً في ذاتية حزني المقسوم على جغرافيا واسعة من قلوب و مناطق و بلاد الان:
عمتو, ارجوكِ كوني بخير على قدر المستطاع, يحتاجك كثر هذه الايام, لاحقاً سنحزن بإسراف هادئ كالعادة, ونراكم المزيد من بكاء وذكريات
ولكل من تدق صورباذخ حزنهم وموسم حدادهم الطويل منذ ولدوا كشتاء على باب قلبي, هذا اوان بلا عنوان, كما المرحلة, فلا عزاء ولا وجوب لتنكيس اعلام, من مثل جورج حبش ترتفع به وله الرايات وتعلو به _موقفاً و سيرة عناد طويل_اعناقنا كما هامة البلاد

هناك ٥ تعليقات:

غير معرف يقول...

شكر ودمعتين
علاء

محمد العيسة يقول...

جورج حبش ... لك المجد
ومنـــــــا الوفـــــــاء






ملاك . أنت رائعة

adoola يقول...

ملاك
رحيل الحكيم صعب صدمة لكل من عرفوه ولكل الرفاق الذين تربوا على المبادء الجبهاوية التى قالها الحكيم
لن اقول اكثر
بحبك يا زعيم الجبهة...جورج حبش
نحب الحياة اذا ما استطعنا اليها سبيلا
adoola

darkrain يقول...

لن اتكلم عن الموضوع وسيبقى بوحك هذا بعض من ذاكرتي اراجع بها نفسي في ذاك اليوم، اليس من الغريب ان تجمعنا هذه المدينة التي اثقلتنا بالعمل في تلك اللحظة الفاجعة، لم اعلم برحيل شمسنا ابو الميس الا اخر ذاك النهار بعد ان قضيت ما تبقى من يومي بعد خصم ساعات العمل في شوراع دبي احاول الوصول الى البيت، وعندما امسكت بالهاتف قبل ان انام بلحظات كي اضبط المنبه اتفاجا برسالة لم ادر متى وصلت من رفيقة في الارض الاغلى تعزيني بوفاة القائد صدمة وتأكد من الخبر سهر حتى الصباح حرق للسجائر واسبوع من الصمت والاسى، ففي هذه المدينة لا معنى لحزني لان مدينة العهر هذه لا تعي مدى المصاب
كوني بخير

watan يقول...

كم احبها تلك الصديقة التي جعلتك تعدين نشر هذه الكلمات ...

اوجعتني .. ابكيتني ...

ملاك تجيدن العزف على ابجدية الحزن والألم ... كم يبدو الشتاء بعده حزينا .. وكأن العصافير توقفت فجأة عن الغناء ليصبح صوتها اشبه بالانين .. وصت الريح نشيج مكلوم فقد الحبيب.. بهت الالوان لم تعد لها بهائها المعتاد ..

حتى المطر .. اصبحت له ملوحة الدموع ،، احقا بكته الصفاء ،، وذك الابيض كان له ...