عن حكاية اجمل احرفها فلسطين

مش استشهادية؟ _

ولك لا لا عم بقلك مش استشهادية *

استفهم عن خبر عملية القدس من صديقتي التي فتحت التلفاز و تبشرت بالخير قبلي فرفعت الصوت كي اسمعه في لهفتي المتدفقة لرؤية ما يحكون عنه و اسمعه

"مش استشهادية, مش استشهادية "

اردد لنفسي فرحة بما لا يحكيه اي حكي
ثم ابدأ رقص المتحرر من ثقل هموم جسام: يسعد الله و يسعد الله

بعد ليالٍ من ارق سببه مشاهد تتكرر في طول حياتي و عرضها, اجدني افرد قلبي بكل طوله واثبت نظر عيوني على مشاهد رعبهم هم التي تروي ظمأ وغليل روحي من تراكم غير قليل عبر شهور عجاف من اي معنى لكل الدم الذي بعد يسيل

الان تستعيد الاشياء معانيها الحقيقية: الدم مقابله دم و الفعل يستوجب ردة فعل

هذه العملية تخرس ابواق و افواه كل الشاجبين و المدينين و "الاخلاقيين" و "السلاميين" و تعيد الامور الى نصابها الاول : شعب يواجه جلاده بكل ما اوتي به من كرامة و ما تبقى له من الدم

لا جدالاً قيمياً سيدور هنا حول "اخلاقية" الانتحار. ولو دار, فاللعنة على من سيديره

فحين يصير سفك دم اطفال غزة ونسائها و شيبها و شبابها "مرفوض تحصيل حاصل", ويحتمل الدم الصهيوني وجهات النظر الشاجبة و المدينة, فليذهب اصحاب الاصوات التي لا تعلو الا في المعارك الخاسرة الى الجحيم مع نتائج معاركهم

هنا_تماماً في القلب الذي انهكته غزة بكل حبها اللامشروط لفلسطين_ثمة فرحة ما خبت يوماً, واليوم تشعل القدس جذوتها من جديد: شعبي الذي يتخطى وعيه بفلسطين الوان الاعلام و هوية البنادق و مصدرها و معتقدات من يحملها, الان يعيد النصاب كاملاً الى القضية كما يعرفها قلبي و يحفظها بالولادة و الدم و المصير الحر القرار و الهوية اليومية الاختيار

وفي العقل و الروح ايمان مطلق بأن شعبي سينتصر في نهاية كل هذه الانفاق الملتوية و الطويلة و الدموية المتعبة
سينتصر لأن فينا من يقوم لأكل "لحم مغتصبي" متخطياً كل الحواجز المادية و النفسية التي يحاول الاحتلال الذي يكمل عامه الستين قريباً ان يرسخها فينا

يسعد الله, ويسعد الله

ثمة من نفوسهم اعلى هامة و اطول قامة من تقزيمات السياسة و وقولبات العقلانية و المسوخ الواقعية
ثمة من في شعبي بعد يعرف كيف يعيد لالوان الكوفية ثنائيتها الاصلية: ابيض -اسود مخضبان بالدم

وثمة من على ضفاف القلب ترتع ارواحهم الان في هناءة الاستسلام اللذيذ لفكرة ان في شعبي من سيشعل الروح قناديلاً تضئ بقية طريق صعب و طويل الى حرية نتمرس فيها للعام الستين على التوالي لنستحقها كاملة و عالية و هادرة, تماماً كصرخات فجع الصهاينة بالعملية المشرقة التي ستغير قواعد اللعبة من جديد لتقلبها لصالح الدم الذي اعرف الان ان له معانيه ,ولو فهمتها, وفهمها العالم متأخراً

المهم ان فلسطين تفهمها, دوماً تفهمها
و تفهمنا



عن تلك الحكاية التي اسمها غزة

سيحكون في القصص و كتب التاريخ عن مدينة
محيرة و جميلة و صغيرة
وحين يبدأ الحديث بإسمها غزة
ستغزو اللغة غرغرة كأنها قلب يبقبق بالألم

زاوية المتوسط الحزينة
سيحكون عنكِ
أيقولون انكِ تُركتِ حتى الرمق الاخيرة
وقطرة الدم الاخيرة
والطفل الاخير
والشهيد الاخير
وحيدة
وحيدة
وحيدة؟

او يقولون: ان الصمت صمّ آذان العالم
وان الذبح دار اياماً و ليالٍ
والغرب اضطجع على بساط من كذب
ونام

والعربان انتاكت بخوازيق لها اكثر من حد
وانتشت!

مرة بحد "الحكام" والله محيي سيدنا
ومرة بحد"الجهل" و النور يُعمي العيون المعتادة الظلمات
ومرة "التجاهل" وحط راسك بين هالروس و قول يا قطاع الروس
ومرات "بالخوف" الذي ما عرفتيه بشيبك ونسائك و اطفالك و شبانك يوماً

سيقولون غزة انتحرت
لن يعترفوا بأن غزة نحرناها قهراً
وغزة ألقت على العالم السلام
سلامها هي
وقطعت عن البحر موجها
وعن الكلمات المعاني
وذهبت الى موت ابلغ من الحكي

حين سيحكون عن هذه المدينة التي يخاف عليها البعض من سلطة دين
ويتناهشها البعض كوراثة بالولادة لجماعة بني سلطة"وطنية"
ويلعنها الاغلبون لأنها تفيض بناسها و المواقف
والمواقف تفيض بدورها عن قدرة احتمال البؤساء في صمتهم و استكانتهم المشينة
لن يقولوا الحقيقة كما اعرفها
كما يعرفها كل ضمير يأبى السلاسل
لن يقولوا ان غزة وقفت رمحاً في عين الموت
وانها تلقت الطعنة اثر الطعنة اثر الطعنة
في قلبها مرة
وفي ظهرها مرات
وفي شواهد قبور ناسها الذين يعاندون حتى الموت

سيقولون عن غزة التي ابتلعها بحر العدا
ولن يسموا بحر الرعب تقيأته غزة على العدا

ذلك ان من يكتب التاريخ بمداد نصفه هلاوس
ونصفه مما وصله من الحقيقة
انما يأتي بعد انتهاء المعركة
ويكتب بروئ مغمسة بشهوة الدم المحترق
بعد اصطهاجة مع احدى ربات اللذة
الغربيات ربما
الفارسيات ربما
السعوديات ربما
الطالبانيات ربما
المباركات ربما
الهاشميات ربما
الاسديات ربما
القذافيات ربما
العربانيات من كل شكل و جنس ولون و دين ربما
ولكن الاكيد الاكيد
ان غزة لن تدخل حريم الجبناء
وانها الانثى الوحيدة ربما
التي ستفضل ان تنتحر عذراء من كل دنس السياسات
وحبلى بالاخلاق الدامية لعصور لمعت فيها حريتها على نصل الشرف الاخير

من الآن لحينها, اذا ما حان ذاك الحين: اعلن
_بكامل الخيار الفردي والشخصي و الخاص اليقين_
ان غزة صارت عنواناً للوطن
وان لفلسطيني طريق واحد يمر من فوهة دمها الحراق
وان غزة حين تحتضر بكل هذه الكرامة,
فليس لي الا ان اعيش على حد موتها المضئ