الخروج من الخريطة

عيتا الشعب
مارون الراس
بليدا
بنت جبيل
حولا
ميس الجبل



ولائحة تطول من الاسماء.
هذه اسمائها: تلك القرى التي لا تكاد تتبينها لصغرها على الخريطة. القرى الواقعات لصق الخط المرسوم ليضع الحدود بين لبنان و "فلسطين المحتلة"

أسماء يلفظها اهل هذه القرى بطريقتهم, طريقة لا يعرفها المراسلون و قارئو نشرات الاخبار ( والامر مدعاة سخرية لاذعة من قبل الجنوبيون فيما يخص "جهل" اولئك المراسلين العرب واللبنانين منهم تحديداً _اقله_ بطريقة لفظ اسماء القرى الذين يُفترض بهم نقل حقيقة ما يدور فيها و على تخومها للعالم)

أسماء يعجبون_اهلها_ حين ألفظها صحيحة بمثل لهجتهم.
فحين أسأل عن طريق "عيثرون" يرد لي الرجل الاشيب سوألي: ول, من المنطقة و ما بتعرفيها وين؟
وعندما اشرح له بخجل اني جنوبية وهذا يكفيني لاعرف كيف يلفظ اهل بنت جبيل بعض الاحرف ( يحكون العامية مع "ظ" و "ث" و "ذ"كما في الفصحى)
يبتسم و يقول بحمية جنوبية لا تُخطئ" يا هلا يا هلا"



نقطع القرى بالسيارات حيناً و على الاقدام احيان, فما عاد فيها طرقات صالحة للعبور.
صارت خراباً, كأنما مرت فيها زوبعة او اعصار. يقول "عبد الرحمن"حين مررنا بمارون الراس أمس: كأنها هيروشيما 2006.

يداهمني الدمع المر, المر جداً: هذه ليست مرتي الاولى هنا بعد الحرب, بل هي الثالثة.
ولكن ان ترى بلادك صارت مزاراً لسياحة الحرب وانت تعرف في قرارتك انها أكبر من الشفقة و انها مشاتل الفخر و العزة يؤلم.
يااااااااااااااه كم يؤلم.

أول مرة كانت الدهشة_ بالاحرى الصدمة_ تملك علي حواسي و تمنع عن عيني دمعة رغم ان ملحها كوى شراينيي
المرة الثانية كنا في مهمة عمل: نسأل عن عدد البيوت المدمرة ( التي تعدت 90% في مارون الراس مثلاً)
في العمل, لا يترك طوفان التفاصيل و ضرورة الدقة في الاحصاء مجالاً للعين كي ترفل ناظرة الى الحجم الفعلي للدمار بعيداً عن الورقة و القلم.
أما أمس, فكان أن رأيت بعين روحي.
لا لم اكن مصدومة امس: فلقد امتصصت الصدمة الاولى بعد تكرار "السياحة" في الجنوب المدمر بأغلبه
بالأمس كنت جنوبية تعود الارض المزروع ترابها " كل شبر بقبر", نفس الارض التي قبلتها فرحاً بدحر الاحتلال عنها ذات نوار.

بالأمس كنت معزية لنفسي و لأهلي هناك.
وما كانوا بحاجة للعزاء, هم العزاء و العزوة و العزة.


بالأمس كان سامي و مهى و غابريللا و جوني و محمد و جيسكيا و عبد يرون الجنوب كما لم يظنوه قبلاً
وانا كنت اراه كما اعرف و لا اعرف

اعرفه مرتعاً للمجد و التحدي, ولا اعرفه تنعق فيه غربان الخراب اناشيدها السوداء.
اعرفه جنوب النصر 2006 و جنوب التحرير 2000 و لا اعرفه خياماً منصوبة أمام ما تدمر و ما تبقى من بيوت كانت قبل اسابيع عامرة بالحياة و الضحكات و الاحلام.

بالأمس, زرت مجدداً القرى المحاذية لفلسطين المحتلة ز كان معي من لا يعرفها قبل

كنت الجنوبية الوحيدة في بداية الرحلة , وحين عدنا على طرق محفرة بالقذائف و ملغمة بالحيرات , كنا كلنا ننتمي الى تلك القرى.
اصبحنا جنوبيين بطريقة مختلفة عن ما تمليه الحدود و الخرائط

فالجنوب بكل قراه العصية اسمائها عن اللفظ الصحيح, ونحن جميعاً خرجنا من الخريطة

ليست هناك تعليقات: