يعلو الادب , يعلو الادب

ما بزعل لو علوية أخدت الجايزة, بس بكون عنجد مبسوطة لو بتاخدها سحر خليفة, كتير مش ماخدة"
"حقها هالروائية

هكذا قلت للسيدة رنا ادريس, مديرة دار الآداب, يوم الاربعاء الماضي بعد ان تناولت بعض الصحف و الاوساط الثقافية خبر ترشيح الكاتبة اللبنانية علوية صبح _عن روايتها "مريم الحكايا"_ لنيل جائزة الجامعة الامريكية في القاهرة المرصودة بإسم الاديب نجيب محفوظ.

وانحيازي لسحر خليفة قديم, منذ وافتني_او وافيتها_ على عهد الانحياز لجانب العدل ضد الظلم و الجمال ضد القباحة والانسان ضد "البشرية". فسحر تتطور جذرياً من رواية لأخرى: سرداً و حبكة و وصفاً و احداثاً ولغةً و عمقاً ونضجاً

الرواية التي حازت خليفة الجائزة عنها هي احد اروع ما قرأت من روايات بالمطلق "صورة و ايقونة و عهد قديم". وليس إعلاني هذا بجديد, فهذه الروائية حببتني بالقدس التي اريد ان احب دوماً كي استطيع ان اناضل لأجل حريتها دوماً, بنفس العزم و الاصرار لإنتزاع حرية فلسطين من ملح بحر حيفا الى عرق الرمال الجاف في النقب الى زيت الزيتون الذي ينعصر دموعاً ووفاءً في العيون و القلوب

وهي الرواية الاولى التي قرأتها لها, ثم_كعادتي حين احب قلماً ما_ حرصت على قراءة كل ما صدر لها من روايات. وقد كنت محظوظة بعملي في دار الآداب, حيث اتاح لي ذلك ان ألتهم كل ما كانت قد كتبته بالتسلسل الزمني, بدءاً من "لم نعد جواري لكم" حتى القدس ايقونة في روايتها الفائزة بالجائزة


ولقد أُغرمت بهذه المرأة المناضلة بقلمها حقاً, قلمها مختبر تظهير افكارها التي تعيشها حقاً في الحياة, قلمها الذي يجعل من كل رواية عالم قائم بذاته, عالم يتطور و يتجدد في كل رواية_رغم ان تفاصيله و تطوره مختلف من رواية لأخرى بشكل جذري_ ولكن يمكن بسهولة تحديد القضيتين الاساسيتين المتلازمتين كتوأم سيامي في مجمل كتابات خليفة و الذي عبرت عنه بلسان احد شخصيات روايتها الاخيرة "ربيع حار" حيث نقرأ: كيف تتحرر فلسطين و انا المرأة أقبع في الذل؟
حين صدرت رواية "ربيع حار" صارت سحر خليفة عندي أهم قلم نسائي بالمطلق,بدليل اني اعتبر روايتها هذه اهم ما قرأت و من مفضلات الكتب عندي, كل مرة أعاود إلتهامها لأحاول الارتواء منها و أعطشها أكثر بعد كل قراءة. وربيعها الحار تحديداً هي أحد اكثر الكتب التي بعتها في معارض بيروت الدولية للكتاب التي حرصت على ان لا اغيب عنها قبل ان اتخرج و تشغلني عن الثقافة_ بمعنى ان اكون شاهدةً , مشاركةً بطريقة ما في نشرها_ مشاغل اخرى, وليست بالضرورة أهم و لا اقرب لروحي

وكذلك, "ربيع حار" هي الكتاب الاول في لائحة خياراتي لتكون هدية لكل من اعتبره يستحق متعة قراءة هذه القطعة الادبية الخالصة, و اندهاش التفكير بالاسئلة المهمة التي تجبر قارئها على التفكير بها. سوف لن احكي عن هذه الرواية كثيراً بعد, لم أحكِ عنها كثيراً يوماً , إذ اعتبرها ارفع واغنى و اوجع و ابهى من ان يصفها اي كلام سوى كلامها هي الذي يجري على ألسنة ابطالها الحقيقيين جداً, الذين نعرفهم في فلسطين و لبنان و الاردن و كل مكان في العالم بشخصياتهم التي تتمازج فيها خصال العفة و الاستغلال, التوق و الانكماش, وسواها من خصال الانسان, لا البشري الذي يأكل و يشرب و يتناسل و ينام
طبعاً الاوساط الادبية تعج بالنقاش حول الموقف من هذه الجائزة التي يُخشى ان للسياسة دور في تحديد من ينالها , بموازة دور الادب نفسه. ولكنها حتى الآن مُنحت لمستحقيها _فيما عدا الصديقة و الحبيبة أحلام مستغانمي برأيي_ بمعزل عن المشهد الساسي اللحظوي .ولكن هذا النقاش اراه ضرورياً ومهماً و غنياً_ مُغنِياً حيال اي وكل ما يأتي من جامعة امريكية في كل مكان في العالم. فلا مانع ان تكون هذه الجامعات التي تدعي حرية و ديموقراطية التعليم بؤرة لاشد مظاهر التخلف و الرجعية كما حدث مع الدكتورة سامية محرز_ وهي للمفارقة أحد أعضاء لجنة التحكيم التي قررت منح سحر خليفة الجائزة لهذا العام_ في القاهرة حين درست رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري و أثارت ضدها موجة انتقادات و أراء مساندة_ حتى ان أدوارد سعيد ذكر الحدث في خطابه لخريجي الجامعي الامريكية ذلك العام 2002_ وما يفوقهم عددا ًو شراسة واستبسال في الدفاع عن التخلف و الظلام من المعارضين لتدريس الرواية ضمن مادة الادب
بعيداً عن كل ذلك النقاش_ وهو مهم جداً مجدداً_ وفي قلب الفرحة بأن تنال هذه الروائية المتميزة جائزتها الأولى عربياً ومن قلب القاهرة, اتصلت فور قراءتي الخبر في جرائد اليوم بالسيدة رنا إدريس. كان صوتي يضحك فرحاً و قلبي سعيد حقاً بهذه البارقة الخضراء الصغيرة من أمل وثقة بقدرة الثقافة على التأثير و الفعل وسط كل اليباب الذي يغلف احتمالات ايامنا. وتحدثنا بفرح عن احقية خليفة بالجائزة اكثر من اي قلم أخر , وطبعاً باركت لها و للدار, إذ ان روايات خليفة كلها تقريباً اصدار دار الاداب ( ما عدا ربيع حار_على حد علمي_ التي صدرت مناصفة مع دار عربية توزع في فلسطين , إذ صممت الروائية على ان روايتها تتوجه لفلسطين و لا يوجد ما يقنعها بأن لا يقرأها اهل فلسطين لسبب لوجستي كإستحالة ان تقوم ( دار لبنانية بتوزرع كتبها في الارض المحتلة
فبرغم كل الالتباسات المحيطة بالجائزة وتوقيت منحها ودلالة الاختيار لرواية تقدس القدس مدينة تعج بالتفاصيل و المنع و الحب و رائحة النبوة المستحيلة في زمن الردة: أنتِ أهمية الجائزة هذا العام سحر خليفة. انتِ التي لا تتحرقين الى شاشة تستضيفك و لا تبتذلين لمجلة تكتب عنكِ ولا لوسيلة اعلام تصنع شهرة لكِ او لما تكتبين.
سحر خليفة الفلسطينية جداً :سيدة الجائزة المطلقة, وسيدة اللحظات التي تحتفي الثقافة _لا فقط الجائزة_ بقلبها و قلمها المؤمنين و الهادسين دوماً بأن الادب ليس حلية نعلّقها فى صدر البيت، وشكلة على الرأس... إحساس أعمق، مجبول بالتراب، بالشوارع، بهموم الناس، برصاص المحتل والمدافع، بالضحايا ودم الثوار. وأيضاً بالحب والتمنّي وحنين القلب، وجمال الروح والتصدر للكآبة بأجنحة الحلم. والأدب بالنسبة لها ليس نزهة، بل جهد وأجنحة ومرايا وعتاب دائم للذات وسماء ماطرة وقذائف ومآذن في أرض ما عرفت إلا الدم
سحر خليفة, ودونما الحاجة لجوائز و لا تقديرات الا من ارواح وقلوب قرائك: يعلو بكِ الادب, يعلو بكِ

ليست هناك تعليقات: