الحقيقة اليوم اسمها حماس

منذ أيام, كنت في بيروت, وبين فلسطينين منغمسين في السياسة و الوجع حد النخاع و لون العيون

كان بين الموجودين شخص اعرف موالاته لحماس ويعرف رديكاليتي, و جربنا بعضنا في نقاشات سابقة منذ فوض شعبنا حماس ضفة الغربية و قطاع غزة ثقته لتولي مقاليد الحكم في مؤسسات السلطة "الوطنية" , ولم يكن ممكناً لي انذاك ولا اليوم ان افهم كيف نكون وطنية السلطة التي تحت الاحتلال

وقتها كنت اقول له ان على حماس ان تحل السلطة, وان تشهر موقفها المقاوم بأقصى الوضوح الممكن: لا نرضى بسلطة تحت الاحتلال, وها نحن نعود بشعنبا و قضيتنا الى مربع الصراع الاول "شعب يقاوم محتليه", فالسلطة بمؤسساتها و كل طواقمها من موظفين ووزارات و عساكر لم تكن يوماً بنظري الا وسيلة احتلال بوكالة فلسطينية (وصفت السلطة مرة لصديق غزّي بجيش لحد اخر في الضفة و غزة ويومها وُبخت بصرامة على مثل هذا التشبيه)ولكنه اليوم صحيح وباعتراف كثر

المهم: الاخ كان حكيه بنبرة اعتذارية عما فعله "غوغاء" حمساويين في غزة, طبعاً كان ثمة ببغاوات تردد كلاماً فتحاوياً او "درويشياً" انا
شخصياً لم استحِ (وانا عادة اخجل من قول الكلام البذئ) ان اقول و أمام رجال كثر :هالحكي انا بستخريه
سمعت الكثير مما كان يُقال وبتفاخر او بعض خجل عن "اخلاقية" الفلسطينين, وحرمة دمهم على دمهم
وكنت استرق النظر الى الاخ الحمساوي الملتحي والمنزوي في صمته, اراه مطرقاً, فليس ثمة من يمكن ان يُبدي تفهماً لما حدث في غزة على ايدي شباب "أسلاميين" من قتل و حرق و نهب
::

في لحظة قررت اني سأحكي, وحذرت الجميع من اني لم اتغير كثيراً عن اخر مرة ناقشنا فيها امراً سياسياً
قلت اني استغرب منهم جميعاً: هم الذين عاشوا و عايشوا كل الدروب التي مشي عليها الفلسطينين جلجلاتهم في لبنان, ان يكونوا على هذا القدر من النخبوية في تعاطيهم مع "اخوتهم" في غزة, أليسوا اخوة بحسب درويشهم؟

هل غريب حقاً و خارج عن "الفلسطنة" ما حدث في غزة؟ أفلسطينيو لبنان هم من يحكي هذا؟
هم من شهدوا او سمعوا من ثقاتهم قصص فتح لاند في لبنان: جمهورية الفاكهاني والالف جهاز امني الذي كان في كل مخيم وتجمع لفلسطيني في لبنان, الخ الخ الخ

هي فتح ذاتها, ما الذي تغير بربكم؟ قلت

نفس الطاقم الذي عبث بقضيتنا منذ اولى ايام الكفاح المسلح المعلن, مروراً بعمان وكل الايام السوداء فيها حتى بيروت , مع كل ما وضعت فيه فتح قضيتنا من مطبات و مآزق مع العرب و القيادة السورية تحديداً, وصولاً لأوسلو وما بعد اوسلو
وليس فقط طاقم فتح المتلاعب بنا, بل كل جوقة اليسار التي رضيت بمنصب شريك شاهد في منظمة التحرير الفلسطينية, وشاهد ساكت عن كل حقوق شعبنا, وبالتالي فهي منظمة الشياطين الخرس, خاصة ان كل فصيل فيها ما اوصل المواجهة ضد تفرد فتح بالقرار في م.ت.ف. الى درجة تحرج هذه الفتح بمعنى حقيقي, ولا تكتفي بالطبطبة على "خيار السلام" ت

الآن تستغربون وتحكون عن "الاخلاقية"؟ اي اخلاقية يا رفاق؟ اي اخلاقية و كلكم شارك في وضع رقبة غزة على مقصلة الموت جوعاً, او وقوفاً كشجرة, كعامود روماني, كما لاشيء إلاها: غزة المتقدمة في الرفض و الموقف كما دوماً

الآن نتشطر في التنظير على غزة؟ كلنا اليوم نحكي و فينا عيون و ضمير ؟

فليكن من حق بعضنا ان ينتقد كل هذا الحكي الذي لا يعدو جعجعة تصم الآذان في حين ان الفعل لمن يتقدم في الفعل, وها هي غزة تسبق ادراكنا مجدداً, ولو على حساب رغيف خبزها
وليكن لي حق ان انتقد و افضح, ولو بالحكي , كل (بعض بكل الاحوال فهي اكثر من ان استطيع ان آتي عليها) الاكاذيب التي تخدرون بها انفسكم

أبعد كل الحصارات من سياسية و اقتصادية و معنوية ونفسية على غزة, نأتي اليوم و نقول "الا هذا يا انتِ"؟
لقد قامت غزة_تاريخياً_ بكل واجباتها الوطنية: كتبت بدم ابنائها اناشيد الحرية على اسفلت الشوارع, بكت صلب اولادها ممن يصلون ايام الجمعة و الاحاد بأعلى الإباء, أطلقت انتفاضة بحجر رفعه الغضب حد الرشق بوجه المدجج من الحقد و الاحتلال, وفككت الحلم الاستيطاني الصهيوني منذ صيفين_لا ابعد_فقط صيفين

غزة التي حوصرت من العدو و"اخوة" العروبة, وشركاء الدم الفلسطيني, هي غزة نفسها التي اليوم تفجرت عدلاً في وجه كل عميل و مساوم ومتلاعب بحقها في الكرامة

كلنا شركاء فيما حدث في غزة: صمتنا عن وساخات فتح و شاهدنا برثاء حال لأنفسنا تضخم الاجهزة التي كانت تتستر عليها, وكنا نعرف بعمالتها. والان نرفع سخطنا في وجه نتيجة كل تلك الاسباب؟

هل كان فينا من دماغه بعرض اصبعتين لا يتوقع ما الذي حصل في غزة؟
مصدومون؟
بالله عليكم

مصدمون حقاً: انى لي بطاسات الرعبة ارقي صدمتكم يا انتم

من هذه الغزة التي كانت تترعرع فياه كل صنوف و اشكال البؤر التي لا يمكنها في ظل الحصارات , كل انواع الحصارات التي فرضناها نحن كذلك على اخوتنا في غزة, الا ان تنتج حدثاً على هذا المستوى؟

اليوم غزة و حماس, وغداً كلنا

ان ما نصمت عنه اليوم سيصرخ بوجهنا غداً

فلسطين اليوم تفترض بنا ان نكون حماس, ليس بالمعنى الايديولوجي, بل بما هي فلسطين فينا: نحاصر عدونا بحصار رفضنا له ولكل ما يمثله

في "الاخلاقيات" تحكون عن القتل و التمثيل بالجثث وحرق المقار و نهب الغنائم: هذه كلها ادينها و حتى قيادة حماس السياسية ترفضها. ولكني استطيع ان افهم لماذا يحصل كل هذا: افهم ان يجد الحمساوي اهله جوعى و الفتحاويين من حرس انفار الوقائي و سواه يرتعون بالخبز و التكنولوجيات
وافهم غضبه حين يكون قد عاش عمره مؤمناً ان مقاومة الاحتلال واجبه الوطني و الديني, ويجد ان من يتعامل مع هذا الاحتلال هو "الواقف" بمعنى راكب الموجة مع العالم الذي يدعم هذا الاحتلال ليعاقب شعبنا الذي اختار حماس وبكل شفافية بلعبة الديموقراطية التي فلقونا بها :لانتخابات

ولكني لا افهم, ولن اتمكن من فهم موقف من مثلكم, وانتم تتناسون مثلاً من هو سميح المدهون وتاريخه في "مقاومة" مقاومي الصهاينة؟ ولست افهم كيف لا تهون عليكم مقار ادارات سلطة خيانة دوماً, وتهون عليكم كرامة البلاد المهدورة بين تواقيع القاعدين على كراسي هذه المقار و انفاس شعبنا...

انا ادرك تماماً ان شعبي هو شعب اخر, منخور بالانانيات الانسانية الطبيعية, ومثقل بالستريوتايب الذي قصفه من مثلكم به طويلاً, ويعتبر كل طفل فيه ان مسؤول عن ترجيح كفة العدل على كفة الظلم كله في هذا العالم, ولكنه شعب من ناس, بشر مثلي و مثلمك: بأحلام تتعدى حدود المحاسيم و تصريحات الدخول و الخروج, وراتب اخر الشهر الذي لم يقبضوه ومن زماااااااااان

شعبنا ولد و عاش نكبته دوماً بأحلام عالية, اولها اسمه الحرية, واخرها لم يأتيه النوم بعد
::

بلى انا رديكالية, ونص و خمسة كمان

وهي رديكاليتي, ويساريتي الثورية وانسانيتي اولاً , تفرض علي اليوم ان اتعامل بمنطق يتخطى التباكي و الشجب و الادانة "وهذا ما يبرع فيه كثر وبتجربة التتلمذ على ايدي فتح و اتباع نهجهها الانبطاحي" مع ما فعلته حماس

لقد قامت حماس بما كنت اريد لحزب الله والشيوعيون دوماً ان يقوموا به بحق اللحديين في جنوب لبنان, وقد اخطئوا وهم المقاومين النظاف الكف و القلب في تركهم يسرحون ويمرحون بيننا حتى تسببوا بالكثير من ويلات حرب تموز في الصيف المنصرم
وقد قامت بما كنت اريد لأي كان ممن "شبع من حليب امه" ان يقوم به بحق عرفات حين خان دم الشهداء و مد يداً مُسالمة للصهاينة, ولم يبادلوه لا هو ولا قضيتنا الا بالقهر و العهر

ورغم انا كلمة "لو ما بتحلو", ولكن"لو" وضع على عرفات وقتها حد الخيانة, لما كثر الخونة و صار لهم اكثر من اسم "واغلبهم فتحاويين: دحلان, طيراوي, رجوب, ابو مازن, ألخ الخ..."

المنطق الثوري الذي لا ارتضي سواه لنفسي للتعاطي مع ما يحدث اليوم لقضيتي و شعبي يفرض علي احد خيارين:اما

ان اكون في صفكم: ابكي و انوح كمن كُسر ضهره بما فعلته حم
او ان اسائل حماس وبأعلى صوت وضمير: هل هذا انقلاب لحكم غزة بنهج فتح اياه؟ او هو سلسلة في حلقات مقاومة الاحتلال التي تعني ان غزة لن تتتازل عن مكانتها كمنصة صواريخ و غضب يصطلي بهم الصهاينة؟


الآتي من الايام سيكشف لنا جميعاً وجه حماس الحقيقي, وسيضعنا جميعاً_مجدداً_ امام محك ليس الاخير ولا الاول في صراعنا للوجود : هل سنختار ان نقف حد الموت في وجه كل عدو؟ او سننحني مطوبزين كذلك, وليس اصلاً من عاصفة تستدعي مجرد محاولات التفكير في الموضوع؟

::

طبعاً حكيت بصوت عالِ, وبلهجة قاطعة حاسمة تفرض على الجميع ان يسمعوا (والا كنت لأكلهم بعيوني التي تطقطق شرراً غاضباً من لعيهم الذي اعتبرته في كلامي فاضياً وفارغاً وبلا لون ولا طعم ولا رائحة), حين انهيت كلامي كنت مرهقة حقاً من كل ما يثقل روح يمن القهر المضاعف: من الاحتلال المستمر, من ما يحدث في نهر البارد, من اخطاء قواعد حماس القاتلة وبعض قياداتها (كالزهار و ريان مثلاً), ومن "يسارية" بعض ممن كنت اعتقد انهم رفاق, وفوق كل هذا وذاك: كنت قبلها بقليل اشاغب احد اولئك "المثقفين" الذي وجد في يوميات محمود درويش الذي ما عاد نفسه بنظري منذ زمن, جنازة يشبع فيها نخبويته لطماً


طبعاً كان ثمة جدالات و تعليقات على ما حكيت, وفعلاً بذلت مجهوداً خارقاً لأتجاهلها و ان كانت بعض الكلمات تضج فيَ حتى اللحظة وترتطم بأرض روحي كأجراس تقع من علٍ. ولكني لم اكن يوماً, ولست, ولن اكون مستعدة لأتبرئً من شعبي, بكل ما فيه من نقائص كي يحتسبني هذا المتلون او ذاك في صفهم

اني في صف الحقيقة التي اسمها اليوم حماس (وانا اختلف معها ايديولوجياً بما لست بحاجة للتعليق عليه), والحق الذي بقبضات وبنادق حزب الله, والاخلاقيات التي تعني حفظ امانة دم الشهداء و الانحناء خجلأً امام عذابات الاسرى,ومن ثم العمل كي لا نكرر اسماء احبتنا مسبوقة بلقب"شهيد" او "معتقل او اسير"

واجبي كأنسانة اولاً , وضميري هما الذين سمعت صوتهما حين قال لي احد اولئك الكذبة"هنياً لك بيساريتك اذا كنتي تدافعين عن حماس"
فكان جوابي: ولكن التهنئة الاكبر لليسار بمن مثلك وانت تدافع عن عمالة فتح للصهاينة


الأخ الملتحي شكرني على موقفي من حماس,قال لي أنه لم يتوقع من يسارية مثلي كلاماً من هذا الوزن, ايضاً الواجب و الضمير اجاباه: هو موقفي من فلسطين

وعاجلته بطرف غمزة: يا رفيق






هناك ١٢ تعليقًا:

واحد إفتراضي يقول...

يعيش إنتي:)

وين أحمر؟ صرنا منقدر نعمل تنظيم, ساحة لبنان معنا

غير معرف يقول...

تزعليش مني يا ملاك، بس قرفنا مزايدات.
سليم

ملاك يقول...

مولانا: انا من يوم يومي أعيش أعيش

لو عارفة حماس رح تجيبك ع مدونتي, كنت من زمان "صليت" لهالانقلاب يصير

منور رفيق


بخصوص الشيخ أحمر: أصلاً نحنا كنا عم نحكي قبل طلتك المهيبة بتنظيم

هو بيحب المالية
وانا قال بدو يعطيني لجنة مرأة
انت شو بدك؟

وصحيح: فينا نجيب علاء معنا كمان؟

:)

ملاك يقول...

سليم

ليش ازعل؟
يعني صرت كبيرة شوي لأقدر افصل بين العلاقة الشخصية و الموقف السياسي عزيزي

حقك تكون قرفت و تعبت, مش اول واحد يعني انت بيصيرلك عارض الاكتئاب الوطني هيدا

انا شخصياً بعد عم بحاول اتقلب ع موج هالبحر من الانفعالات السلبية والايجابية
بس بعدني يا سليم بفكر انو ما فيي اسمح لموجة_مهما عليت _من السلبيات انو تطيح بصورة , او يمكن وهم, حيفا اللي بدي اضل شايفتها جايتني من ورا كل الدم و الالم و العذابات و قوة الحلم


تعبت احلم بترشيحا انت؟

darkrain يقول...

اقصى ما اتمناه الان بعد ان انهيت دراستي الجامعية وقررت السفر الى دول البعران ان يحدث في الضفة مثلما حدث في غزة، وان يقوم اخواننا الحمساويون بخلع كل هذه النباتات السامة (بس مش وانا موجود) عندها قد امهل الوطن زمنا ليعود الوطن واعود لاشلاء الوطن، سأخلع يساريتي مثلما خلعت اسلاميتي وعروبتي، وسالبس كفني فلسطينيا واهاجر الى قبري، فاي مكان ليس به تربة فلسطين هو قبر.
اللهم يا صاحب القدرة انصرهم على بعضهم حتى يتوحد الموقف او تذوب كل الاطراف.

أحمر يقول...

أيوه هيك! كنت عم بقول هالصمت وألله ومش عارف شو هو تحضير لمرحلة ما بعد ألله

رائعة، ملاك

ملاك يقول...

darkrain


مبروك تخرجك يا "رفيق", وخليني اسجل اعجابي الشديد ببرغماتية اليسار اللي عم يمارس عبر خيارات من نوع "بس مش وانا موجود" وبكل جدارة مبدأ_لعله الوحيد المتبقي_ تسلم طيزي



سلام ع انت وين ما تكون, وسلام ع الارض اللي ربتنا, كل حدا بطريق

ملاك يقول...

شيخ احمر

شو كان جوابك عليّ وقتئذٍ؟

ميرسيييييييييييييييي

;P

ولسه الخير لقدام

غير معرف يقول...

انتي وحدة شرموطة

منيوكة

ملعوب في كسك من شعر زبار سبعة منهم فلسطينية

غير معرف يقول...

ممكن اعرف يا ملاك مين اللي كاتب هالمقال من هي هاي الرفيقة؟؟؟؟؟

ملاك يقول...

الغير معرف او معرفة: مردود على تعليقك الاخير و ليس من غيره رد



::

من فلسطين: انا اللي كاتبة هالموضوع, اي خدمة؟

:)

غير معرف يقول...

عن جد قرفنا كل مزايدات اليسار الأحمر ....وبحب أقولك إنو سميح المدهون أشرف من كل مشايخ حماس تبعونك .. و عناصر و مقاتلي فتح إللي استشهدوا بالقذائف الإسرائيلية لو ظلوا عايشين ليشوفوا الزمن الحمساوي في غزة بالتأكيد كانوا راح يموتوا بقذائف و رصاص حماس ....
و هيهم أخيراً اليساريين شكلوا جبهة اليسار الفلسطيني في غزة حتى يتابعوا أمور الحوار بين فتح و الظلاميين ...بس وين كانوا قبل سنة (كانوا يقولوا فخار يكسر بعضو) ..وينهم كانوا هالعرصات اليساريين قبل25 سنة لما كان الظلام إبتدأ يخيم على غزة أم الثورة و الوطنية و اليسار على يد المتخلفين و بمساندة إسرائيلية واضحة .... كانوا يتشمتو في ياسر عرفات و القيادة المتنفذة ( و إسرائيل تتشمت في الجميع ) وإنتوا لسة بتزاودوا على الله ... بيكفي اللي صاير في غزة على إيد حماس ما بيتصوروش العقل ..وفوق كل هذا التهدئة مقابل مواد و بضائع تدخل لغزة بالقطارة لا أكثر بل أقل .. و بيسموها انتصار لحماس .. بيكفي الدنيا بتتغير و إنتوا مكانكك.................