مقابر تليق بموتاها

قالوا انهم امروه بالسير , وهو امتثل.
مشى الى الشمس تاركاً لهم ظهره مكشوفاً لتصب فيه طلقاتهم حقدها الغبي.
هل ذرف كل روحه دفعة واحدة؟
او تحاور و تحايل مع الموت و حاربه بشعر لم يبرح فضاءات خياله الاخيرة؟
::

حين اغتيل فيدريكو لوركا عام عام 1936,ربما ما كان يدري انه سيتحول الى ايقونة شعرية و انسانية تعبر حدود البلاد التي عاش و مات على حبه الذي قاده في انفاق غريبة على عماه ليختتم الدائرة بموت فجائعي و مربك حد الابهام.

اليوم, تدور تكهنات واحاديث ونقرأ تصريحات عن امكانية نبش جثته في مقبرة جماعية من تلك الكثيرات في البلاد التي تعذب ذاكرتها وطأة الحروب الاهلية. اراء مؤيدة و اراء مضادة, الجميع يملكون حق ابداء الرأي في مسألة تتعلق بشاعر كان يخص ابداعه و فنه و بلاده ذات حلم.
المسألة اليوم امام المحاكم للبت في السماح بنبش المقابر لاكرام و تكريم موتاها باضرحة تليق بمقامهم كشهداء مهدوا بدمهم الطريق لتخطو الى مستقبلها اسبانيا الجديدة.
البعض يقول ان من غير العدل نبش هذه المقبرة تحديداً للشك في ان شخصاً مهماً دُفن فيها, بينما المقابر تمتد بطول البلاد و عرضها منتظرة ان تُكشف وجوه الضحايا و القتلة سوءاً بسواء بنبشها. البعض الاخر يقول انه واجب اخلاقي و انساني ان لا تترك هذه المقابر في طي النسيان. والجدل دائر في الصحف الاسبانية و المنتديات و مواقع الانترنت.
::

أياً تكن نتيجة هذا الجدل الصحي لأمة تريد بشدة ان تصالح ضميرها, فإن أبلغ ما في هذا النبش المتأخر و المثابر عن جثث شهداء الحرب الاهلية الاسبانية البغضية_شأن كل الحروب مهما تغيرت مسمياتها و تعددت دوافعها و اهدافها_ انه ينبش كذلك تحت تراكم طبقات النسيان فوق ضمائر الذين شاركوا في الجريمة حد صمتهم الابدي, وإن حظوا بقبور معروفة مواقعها على الاقل.

كم يحزن المرء ان في بلاده مقابر جماعية ليست بقِدم المقبرة التي يتوقع ايجاد جثمان الشاعر الجميل فيها, ومع ذلك فهي منسية مرتين, بفعل تقادم الزمن و بفعل التهميش و محاولات طمس وجع الغياب من قلوب من بقوا بعد غيابهم.

أغلب من اغتيلوا في حروبنا الطائشة لم بكونوا قد كبروا و تعرفوا على مواهبهم و ملكاتهم كي يثروا عالمنا بشعرهم او رسومهم او موسيقاهم. ماتوا على غفلة, ودونما فرصة للتطلع الى وجه حبيب اخير او منظر اثير. ماتوا ذبحاً او طعناً او شنقاً او سحلاً.

ذلك مؤذٍ وموجع, أليسه؟

الاكثر ايلاماً ووجيعةً ان ننساهم بينما غيرنا يهم بتكريم شهداء حروب طائشة اخرى بتذكرهم و نبش قبورهم ليقولوا لكل قاتل ان للزمن عدالته المتأخرة احياناً, ولكنها تأتي
اقل ما يمكننا لإظهار هذه العدالة الغريبة هو اكرام هؤلاء الموتى_وما اكثرهم و ما اثقل نسيانهم على الضمير_في قبور نعرفها , علها تليق بهم

ليست هناك تعليقات: