اجازة


هي كذلك فعلاً
أغيب فيها عن العالم اليومي المكرورة تفاصيله الذي اعايشه منذ فترة طويلة دون ان يتسنى لي وقت مستقطع لنفسي ارتب فيه الفوضات التي تعج بها حياتي, واعيد تحديد اولويات ايامي و ما اريده فعلاً من هذه الحياة

هي اجازة فرضتها الاعياد المتزامنة في هذه الايام الاخيرة من العام الذي لا اعرف من عرف له مثيلاً في بشاعته و صعوبة وقسوة اختباراته لكل ما هو انساني فعلاً فينا. و اجازة قرر الوضع السياسي و الاقليمي ان امضيها في لبنان, بعد اعوام من الاجازات التي قضيتها سندبادة بين البلدان

اجازة احتجتها حقاً , ومنذ وقت طويل دون ان أعي حجم احتياجي بسبب تلاحق الاحداث و الانشغال الدائم بما يهم ولا يهم حقاً.اجازة يعزز مفهوم الكسل و الراحة فيها انقطاع الانترنت في بيتي _وهو امر لم اعر اصلاحه اهمية حقيقية_ فوجدتني بنتيجة كل هذه المقدمات لاجازتي السعيدة انطلق بهمة عالية لوضع جدول لكل يوم فيها بحسب مزاجي وماعليّ فعله بحيث انجز مع نهايتها سلسلة تفاصيل كانت مؤجلة على الدوام

أنام يومياً ما يفوق العشر ساعات: هذا ترف افتقده منذ سنوات! حتى حين امرض لا انام كل هذا الوقت. و النتيجة: بال رائق وجسد مرتاح و وجه يفيض صحة ويضيء بالراحة

أقرأ كتاباً و اكثر قليلاً يومياً: هذا اشد ما كنت اتوق اليه و احتاجه فعلياً من فترة طويلة, حيث صارت قراءاتي متقطعة و متباعدة وبغير تركيز عالٍ. الان حين اقرأ, بيدي قلمي, و عقلي يقظ تماماً لتسجيل الملاحظات و وضع الاسطر و علامات الوقف بين الكلمات و وفق الفقرات.

فمنذ يوم السبت الفائت انجزت : العدد الاخير من مجلة الاداب بملفه الغني عن الطائفية في العالم العربي كاملاً, روايات "انها نائمة" للبناني الياس خوري, "حب في السعودية" للسعودي ابراهيم بادي, "جاهلية" للسعودية كذلك ليلى الجهني, "دع عنك لومي" للسوري خليل صويلح, "اماكن حارة" للعراقي جنان جاسم حلاوي,"رأيت رام الله" للفلسطيني مريد البرغوثي, واقرأ الان "اخطية" لأميل حبيبي الفلسطيني, و اتيت على مجلد غسان كنفاني الذي يضم دراساته في الادب الفلسطيني المقاوم
وما تزال امامي10 ايام طويلة لانهي لائحة القراءات التي قررتها منذ رتبت مكتبتي في اول ايام الاجازة و أخرجت من بين ارتال الكتب و الاوراق المتراصة فيها مجموعة يجب ان اقرأها ( عيب انو عندي اغلب كتب ماركيز و بعدني مش قاريتلو الا "ذاكرة غانياتي الحزينات مثلاً) او الاعمال الكاملة لشعراء مهمين كفوأد حداد و امل دنقل و لم آتي عليها بعد! فإذن, الاجازة مستمرة بمزيد من القراءات , ولا اسعد عندي من اجازات كهذه اشتغل فيها بالقراءة

ايضاً: اشاهد يومياً الحلقات الوثائقية التي اعدتها قناة الجزيرة عن حرب لبنان, قريباً انهي السلسة بمزيد من الوعي حول ما جرى في هذا البلد الموصوم بالانقلابات و الحروب و الطموحات المدمية, وبأكبر من المسؤولية تجاه حاضره و غده. فبرغم كل تساؤلات الهوية التي اجابهها , ككل من يريد حقاً ان يعرف ما هية وجوده على هذي الارض, فلبنان يبقى البلد الذي رباني و كبر في نزعات و نزاعات تجعلني امضي في الحياة اكثر اصراراً و عزماً ان استحق ان اعيش ما في هذه الحياة من احداث و انجازات و مصائب اتعلم منها اكثر.

وهناك مجموعة من الافلام التي لم اجد وقتاً و مزاجاً لمشاهدتها دوماً من قبل ( اغلبها لنيكول كيدمان , احد ممثلاتي المفضلات التي تحب المقابر مثلي) و الكمية المهولة من اشرطة الكاسيت التي تتضخم في جواريري دون اي نوع من الترتيب او الفهرسة , والتي اعيد الاستماع الى بعضها يومياً فأستعيد صوت و رائحة ذكريات عزيزة عن وجوه و احداث و ايام مضت الى رتبة الامس.

الاهم, هذه الاجازة امنحها من كل قلبي لعائلتي (ماما و اخوتي) , علاقتي بهم منذ فترة تتأرجح الى غير ما اردته دوماً. و يستحقون و استحق ان تكون علاقتنا متينة و مميزة كما عشناها دوماً.
قليل من الوقت للاصدقاء, فبحسب ماما هم يملكون وقتي طول العام, و اقل منه للانشغال بالعمل التطوعي الذي امارسه حياة يومية في حياتي خارج زمن هذه الاجازة القصير نسبياً مقارنة بكل الوقت الذي اتذكرني "ناشطة" فيه
والوقت الاقل من القليل اعطيه للعالم الافتراضي (قضيت اربعة ايام دون ان اتفحص بريدي الالكتروني) و لكن ما يعيدني الان للقراءة عبر النت قلم رفيقي الذي شد ما افخر به زرياب مثلا و هو يسرد ويؤرخ لتجربة العودة الى الوطن

هي اجازة: مليئة و مفعمة بما اجلته دوماً, الاكثر تكثيفاً و تركيزاً فيها "ملاك" , الصبية التي من حقها على نفسها ان ترتاح قليلاً و ان تعطي قلبها وروحها فرصة جديدة للانغماس في مشاعر اشتقتها بكلي ,ولم اكن ادري كم اشتقتها الا حين استعدت الاحساس بها عالياً و عميقاً وجميلاً حد الشهقة اندهاشاً امامها كلما باغتتني حيث و حين لا اتوقع


هي اجازة : اذهب فيها اكثر نحو ما الوطن و البلاد و إلتزامي الحقيقي بأن "اشتغل على حالي" لأكون شخصاً يستحق الانتماء الى كل ما امنت به يومياً طوال حياتي , و آمل اني سأظل وفية و مثابرة على نهج كل من مثلوا لي ايقونات اضاءت الدورب المعتمة لنصل اليوم الى منعطفاتنا التي سيصنع خطونا عليها باقي الطريق

يعلو الادب , يعلو الادب

ما بزعل لو علوية أخدت الجايزة, بس بكون عنجد مبسوطة لو بتاخدها سحر خليفة, كتير مش ماخدة"
"حقها هالروائية

هكذا قلت للسيدة رنا ادريس, مديرة دار الآداب, يوم الاربعاء الماضي بعد ان تناولت بعض الصحف و الاوساط الثقافية خبر ترشيح الكاتبة اللبنانية علوية صبح _عن روايتها "مريم الحكايا"_ لنيل جائزة الجامعة الامريكية في القاهرة المرصودة بإسم الاديب نجيب محفوظ.

وانحيازي لسحر خليفة قديم, منذ وافتني_او وافيتها_ على عهد الانحياز لجانب العدل ضد الظلم و الجمال ضد القباحة والانسان ضد "البشرية". فسحر تتطور جذرياً من رواية لأخرى: سرداً و حبكة و وصفاً و احداثاً ولغةً و عمقاً ونضجاً

الرواية التي حازت خليفة الجائزة عنها هي احد اروع ما قرأت من روايات بالمطلق "صورة و ايقونة و عهد قديم". وليس إعلاني هذا بجديد, فهذه الروائية حببتني بالقدس التي اريد ان احب دوماً كي استطيع ان اناضل لأجل حريتها دوماً, بنفس العزم و الاصرار لإنتزاع حرية فلسطين من ملح بحر حيفا الى عرق الرمال الجاف في النقب الى زيت الزيتون الذي ينعصر دموعاً ووفاءً في العيون و القلوب

وهي الرواية الاولى التي قرأتها لها, ثم_كعادتي حين احب قلماً ما_ حرصت على قراءة كل ما صدر لها من روايات. وقد كنت محظوظة بعملي في دار الآداب, حيث اتاح لي ذلك ان ألتهم كل ما كانت قد كتبته بالتسلسل الزمني, بدءاً من "لم نعد جواري لكم" حتى القدس ايقونة في روايتها الفائزة بالجائزة


ولقد أُغرمت بهذه المرأة المناضلة بقلمها حقاً, قلمها مختبر تظهير افكارها التي تعيشها حقاً في الحياة, قلمها الذي يجعل من كل رواية عالم قائم بذاته, عالم يتطور و يتجدد في كل رواية_رغم ان تفاصيله و تطوره مختلف من رواية لأخرى بشكل جذري_ ولكن يمكن بسهولة تحديد القضيتين الاساسيتين المتلازمتين كتوأم سيامي في مجمل كتابات خليفة و الذي عبرت عنه بلسان احد شخصيات روايتها الاخيرة "ربيع حار" حيث نقرأ: كيف تتحرر فلسطين و انا المرأة أقبع في الذل؟
حين صدرت رواية "ربيع حار" صارت سحر خليفة عندي أهم قلم نسائي بالمطلق,بدليل اني اعتبر روايتها هذه اهم ما قرأت و من مفضلات الكتب عندي, كل مرة أعاود إلتهامها لأحاول الارتواء منها و أعطشها أكثر بعد كل قراءة. وربيعها الحار تحديداً هي أحد اكثر الكتب التي بعتها في معارض بيروت الدولية للكتاب التي حرصت على ان لا اغيب عنها قبل ان اتخرج و تشغلني عن الثقافة_ بمعنى ان اكون شاهدةً , مشاركةً بطريقة ما في نشرها_ مشاغل اخرى, وليست بالضرورة أهم و لا اقرب لروحي

وكذلك, "ربيع حار" هي الكتاب الاول في لائحة خياراتي لتكون هدية لكل من اعتبره يستحق متعة قراءة هذه القطعة الادبية الخالصة, و اندهاش التفكير بالاسئلة المهمة التي تجبر قارئها على التفكير بها. سوف لن احكي عن هذه الرواية كثيراً بعد, لم أحكِ عنها كثيراً يوماً , إذ اعتبرها ارفع واغنى و اوجع و ابهى من ان يصفها اي كلام سوى كلامها هي الذي يجري على ألسنة ابطالها الحقيقيين جداً, الذين نعرفهم في فلسطين و لبنان و الاردن و كل مكان في العالم بشخصياتهم التي تتمازج فيها خصال العفة و الاستغلال, التوق و الانكماش, وسواها من خصال الانسان, لا البشري الذي يأكل و يشرب و يتناسل و ينام
طبعاً الاوساط الادبية تعج بالنقاش حول الموقف من هذه الجائزة التي يُخشى ان للسياسة دور في تحديد من ينالها , بموازة دور الادب نفسه. ولكنها حتى الآن مُنحت لمستحقيها _فيما عدا الصديقة و الحبيبة أحلام مستغانمي برأيي_ بمعزل عن المشهد الساسي اللحظوي .ولكن هذا النقاش اراه ضرورياً ومهماً و غنياً_ مُغنِياً حيال اي وكل ما يأتي من جامعة امريكية في كل مكان في العالم. فلا مانع ان تكون هذه الجامعات التي تدعي حرية و ديموقراطية التعليم بؤرة لاشد مظاهر التخلف و الرجعية كما حدث مع الدكتورة سامية محرز_ وهي للمفارقة أحد أعضاء لجنة التحكيم التي قررت منح سحر خليفة الجائزة لهذا العام_ في القاهرة حين درست رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري و أثارت ضدها موجة انتقادات و أراء مساندة_ حتى ان أدوارد سعيد ذكر الحدث في خطابه لخريجي الجامعي الامريكية ذلك العام 2002_ وما يفوقهم عددا ًو شراسة واستبسال في الدفاع عن التخلف و الظلام من المعارضين لتدريس الرواية ضمن مادة الادب
بعيداً عن كل ذلك النقاش_ وهو مهم جداً مجدداً_ وفي قلب الفرحة بأن تنال هذه الروائية المتميزة جائزتها الأولى عربياً ومن قلب القاهرة, اتصلت فور قراءتي الخبر في جرائد اليوم بالسيدة رنا إدريس. كان صوتي يضحك فرحاً و قلبي سعيد حقاً بهذه البارقة الخضراء الصغيرة من أمل وثقة بقدرة الثقافة على التأثير و الفعل وسط كل اليباب الذي يغلف احتمالات ايامنا. وتحدثنا بفرح عن احقية خليفة بالجائزة اكثر من اي قلم أخر , وطبعاً باركت لها و للدار, إذ ان روايات خليفة كلها تقريباً اصدار دار الاداب ( ما عدا ربيع حار_على حد علمي_ التي صدرت مناصفة مع دار عربية توزع في فلسطين , إذ صممت الروائية على ان روايتها تتوجه لفلسطين و لا يوجد ما يقنعها بأن لا يقرأها اهل فلسطين لسبب لوجستي كإستحالة ان تقوم ( دار لبنانية بتوزرع كتبها في الارض المحتلة
فبرغم كل الالتباسات المحيطة بالجائزة وتوقيت منحها ودلالة الاختيار لرواية تقدس القدس مدينة تعج بالتفاصيل و المنع و الحب و رائحة النبوة المستحيلة في زمن الردة: أنتِ أهمية الجائزة هذا العام سحر خليفة. انتِ التي لا تتحرقين الى شاشة تستضيفك و لا تبتذلين لمجلة تكتب عنكِ ولا لوسيلة اعلام تصنع شهرة لكِ او لما تكتبين.
سحر خليفة الفلسطينية جداً :سيدة الجائزة المطلقة, وسيدة اللحظات التي تحتفي الثقافة _لا فقط الجائزة_ بقلبها و قلمها المؤمنين و الهادسين دوماً بأن الادب ليس حلية نعلّقها فى صدر البيت، وشكلة على الرأس... إحساس أعمق، مجبول بالتراب، بالشوارع، بهموم الناس، برصاص المحتل والمدافع، بالضحايا ودم الثوار. وأيضاً بالحب والتمنّي وحنين القلب، وجمال الروح والتصدر للكآبة بأجنحة الحلم. والأدب بالنسبة لها ليس نزهة، بل جهد وأجنحة ومرايا وعتاب دائم للذات وسماء ماطرة وقذائف ومآذن في أرض ما عرفت إلا الدم
سحر خليفة, ودونما الحاجة لجوائز و لا تقديرات الا من ارواح وقلوب قرائك: يعلو بكِ الادب, يعلو بكِ

بيروت مدينة

بيروت: الصباح يتمدد في يوم المدينة كضباب خفيف
يطلع الضوء من الشقوق المتروكة بخطأ هندسي ربما بيت البنايات المتراصة كأنها صف من اقدام الجنود المملولين من وقفتهم المغبرة
قبل ان يتسلل الدفء الطبيعي الى حيث اغفو, أقوم لأطمئن ان البنات نائمات و انهن متغطيات جيداً و ربما يحلمن بعالم أقل مرارة
تمر من بين قدمي"سيما" القطة البيضاء, بينما يجلس "قمر"_القط العسلي_ يراقب حذري الدائم من كل انواع الحيوانات, ارتبك من ملمس الفرو الناعم و أفكر مع تنهيدة : يا إلهي كم لا أطيق ملمس الحيوانات
::

بيروت: اليوم سيكون يوماً "تصعيدياً" للمعارضة الوطنية والجميع يترقب
تسألني رانيا هاتفياً بالأمس: انتي اكيد جايي معي بكرا؟
ظننت ان بيننا اتفاقاً مسبقاً و انا نسيته في حضرة ذاكرتي المولعة بالنسيان :ليش شو في بكرا؟
بكرا الأحد, شو في بكرا؟_
تلزمني برهة حتى اتدارك ما تقصده عن بكرا, وارد: لا أكيد مش جايي معك بكرا و لا غيرو
ولك يا بنوت_
أقاطعها: بس نلتقي المسا منحكي
وفي المساء سنحكي, سأقول لها اني لا ارضى ان اتحول رقماً يعده من كان ليتفق مع العميل و القاتل, ويقولون لي "وحدة وطنية" انا ما عدت اؤمن بهذا الوطن اساساً: انا ربتني صور التابعة تاريخياً لصفد او عكا, يعني فلسطينية اكثر من لبنانية. ثم ان هذا اللبنان اُنشئ لاجل عيون امراء الجبل و مدينة بيروت, فليكن ولننتهي من حكاية ابريق الزيت المتمثلة بحرب اهلية كل 30 سنة
تندهش صديقتي, ولكنها لا ترد بحماستها المعتادة, ربما لأنها تدري ان معي حق بشكل او بآخر
::
بيروت: الشوارع فيها مليونا شخص يوم الجمعة في أول ايام ديسمبر لهذا العام الغريب, ربما لم يبق أحد في بيته الا السنيورة _و السراي الحكومي مش بيت ابوه يعني_ و بعض الذين اكتفوا بللبننة شرفاتهم. اذهب من باب الفضول, اسأل الناس لما أتوا من كل حدب و صوب ليشاركوا, الجميع يورد اسباباً مختلفة, وكلها منطقية ومهمة وجوهرية, ولكنها لا تقنعني.
أسمع الخطابات عبر التلفزيون و لا أشاهدها, مللت من الاخضر اصفر ليموني, بدنا نسقط الحكومي, ومن نحن"نريد حكومة نظيفة" و يا سنيورة اطلاع برة, بدي بلادي حرة حرة
ملل و غضب كذلك, يقول لي اخي الذي ينام مع المعتصمين في الساحة ( و حتى الآن لا يُقدم لهم سوى الطعام, لا مصروف و لا مقابل لمبيتهم ولا شحن خطوط الخلويات)ان الجو رائع تحت (تحت يعني ساحة الشهداء او ساحة البرج سابقاً) واني يجب ان اذهب
انظر اليه واقول في نفسي: بعد بدكم فت خبز كتير, واقول له: انت روح و تعلم كيف بتصنع السياسة و التغيير, انا بديش انزل مع ناس دبت اخبر قياداتهم هلق (كنا مع بعض بالجامعات بهيديك الايام) عن الاسرى و الضمان و الجامعة اللبنانية وما كانوا يتحركوا, هلق فاقوا ع هالوطن؟
يحاول ان يناقشني في سلبية موقفي :حتى اصحابك الشيوعية نزلوا

هنا اكاد انفجر, واقول بصوت يحاول ان لا ينفجر في وجهه , فما ذنبه ان اليسار صار اذناباً؟, مهي هون المصيبة, هون اصل البلا, ما بقي في و لا تقدمي واحد و لا رفيق واحد يقول لأ بوج هالخندق او هالزاروب, ما بقي في مين يقول لأ
واذهب الى غرفتي كي اخفي دموعاً تباغتني قهراً وقرفاً
::
بيروت: الطرقات الحيوية كلها مقفلة لاسباب تنظيمة و امنية تتعلق بالاعتصام المصمم والعاقد العزم على اسقاط الحكومة, لا بأس ببعض ازدحام السير, ولكني اريد ان انتهي من التصوير لأذهب مع البنات الى السينما.
لا ادري كيف اصبحت الشخصية الانثوية الوحيدة في فيلم داليا عن بيروت, المفارقة اني لست من بيروت و لا مهووسة بها, ومع ذلك ها نحن نصور مشاهدي في هذا الوثائقي عن المدينة.
في "العجقة" تقول لي داليا اني امثل جانباً تريده ان يبقى لمدينتها, وهو المُقاتلة لأجل ما هو افضل و اكثر عدالة و انسانية بدليل انك ما قبلتي تشتري مي من صحة لأنو اشترتها نستلة مثلاً و هيدا من ابسط و اصغر الاشيا
اخجل حقاً, منذ متى صار الواجب واختيار الضمير امراً يستحق الالتفات اليه؟
المصور طلال شاب لذيذ رغم انه مع اليسار الديمواقراطي, في آخر اليوم الطويل اكتشف انه ابن إلياس خوري, ظل طوال اليوم يربط كل ما هو سيء بحزب البعث
. وانا "انقر"على ارائه في الرد اذ اعتبر ان من مع اليسار الديموقراطي "مخه ضارب" لدرجة ان لا شيء قد يغير فيه قيد انملة _حلوة هالقيد انملة, من وين طلعت فيها انا ع هالصبح؟_ضحكت حين عرفت من ابوه, كنت اريد ان اقول له انه من الاجدر به ان يحاول اصلاح رؤية والده للعالم , إذ يرى فساد سوريا مثلاً وقمعها للحريات و لا يرى فساد فتح و مصادرتها لكل صوت مغاير لسياساتها_اقله في لبنان_ و التي لا ينتقدها ولا بحرف و هو المثقف الواعي المتنور
ثم غيرت رأييَ: ما شأني, ربما ليس الولد على دين ابيه

::
بيروت: نفس الشوارع, نفس الساحات: هنا إفترشنا الرصيف مطالبين بمنح كوزو اوكوموتو ورفاقه من الجيش الاحمر الياباني لجوءً سياسياً للبنان, وكنا قلة قليلة
في هذه الساحة سهرنا الليالي نتسقط خبراً عن صحة اسرانا_لبنانين و فلسطينين_ في السجون الصهيونية خلال اضرابهم, واضراب بعضنا معهم, عن الطعام الذي بدأ منتصف آب
2004وعلى بعد خيمة من هنا, سالت دموع ام محمد خلال احد الاعتصامات لكشف مصير السبعة عشر ألف مفقود في الحرب الاهلية اللبنانية و الذين هم برقبة سوريا او اسرائيل حتى يثبت غير ذلك, وبلى: القتلة و المتسترين على راحة قلب و بال امهات واخوة و اباء يتساوون, وكفانا من الاسطوانة المشروخة بتاعة أنا وخيي ع ابن عمي و انا و ابن عمي ع الغريب

::
بيروت: تقاطع السوديكو _بشارة الخوري, قطعة النيلون التي نصبناها خيمة لا تقينا البرد و المطر,و خيمة عن خيمة بتفرق. "شباب خائف على وطن" ننتشر على التقاطع, نوزع المنشورات المكتوبة بخط اليد و المصورة بأقل تكلفة و على عجل, نأكل كعكاً بزعتر او جبنة و نمنع على اي من المشاركين إدخال اي منتج مدرج على لائحة المقاطعة الى خيمتنا .
نضحك على مفارقة فقر حالنا أمام ما كان سابقاً من خيام تنادي بحرية وسيادة واستقلال, ونحن لا من يدعمنا
اصلاً من قد يدعمنا ونحن ضد الجميع؟
ندعم انفسنا و نكمل "النضال" كما يسمي الرفيق عربي تحركاتنا.
اتميز رغبة لدخول مبنى بركات الذي توقف زمنه و جمد في الايام السوداء للحرب الاهلية السابقة, ربيع يتشجع, ونتسلل المبنى الرائع هندسياً والذي طابقه الاسفل سجن على حيطانه دم قديم. نصور ما بقي من ذاكرة يُراد اخفائها كي لا نتعلم منها_اذا في أمل نتعلم اساساً_ متاريس, اكياس رمل, قناني ويسكي وبيرة من ايام الثمانينات, "فشك" رصاص, شعارات دموية وعلى الدرج شبه المتهدم و المهدد بالسقوط قطعة ثياب داخلية نسائية حديثة نسبياً, ربما تُركت على عجل أثر انكشاف امر المتسللين ليمارسا الجنس او الحب هنا.
يكشفنا الدركي و يبداً خوف ربيع من ان نتعرض لمساءلة, فثمة قرار قاضٍ بمنع الدخول الى مثل هذه المباني في بيروت., ننزل الدرج على عجل ونحن نضحك كطفيلن تطاردهما مخاوف خرافية, يمسك ربيع بيدي ونقفز من "طاقة" الطابق الاول حيث تسللنا كما في الافلام
نركض الى الخيمة ضاحكين.يعاتبنا الشباب" هلق بيجوا بيقولوا كاني و ماني وهني من غير شي مش طايقيننا هون" ويقصدون المخابرات و الدرك و كل جهاز رسمي للسلطة
انفض عني غبار السنين و الموت المجاني العالقة بثيابي من مبنى بركات
و اذهب الى الدركي وسط دهشة الجميع, اقول له " بدك هويتي؟ انا فلانة وطلعت ع مبنى بركات: إحبسني اذا بدك" يضحك الدركي بعد دهشة, يقول لي "خايفين عليكم نحنا, بعدين انتي صبية و..." وقبل ان يعيد علي الاسطوانة التي مللتها لكثرة التكرار ارد عليه بصوت حاسم : احسن نكون_صبايا و شباب_ خايفين ع الوطن
يستقبلني ربيع بضحكة مكر "عرفتي تلفيها يا عفريتة"
نجلس نستعرض الصور. اوشوشه "بس بدي اعرف مين الو خلق يمارس جنس بهيك مزبالة و تحت هيك شعارات ؟" ونضحك مجدداً وسط استغراب الجميع

::

بيروت: ادخل مقر اتحاد الشباب في مغامرتي الاولى بالنزول الى بيروت في عز الحرب آب المنصرم, اجد صورة ربيع معلقة مع ضحكته الاسرة تعتلي عبارة كبيرة "لن ننساك يا رفيق" اسأل حسان, ولا يجيب, اطوف بعيني جزعة على كل الوجوه و احداً لا يخبرني قبل ان ابدأ النشيج :شو صار لربيع؟ حدا يخبرني شو صار لربيع؟
يمسكني حسان و رانيا و يحاولان تهدئتي, قد لا احتمل فوق الدوامات التي تعصف بروحي خبراً من وزن خسارة أحد أحب الرفاق الي.
ملاك, شو بدنا نعمل هي الدنيا هيك, يمهد حسان و الدموع بعينيه هو كذلك
يجيبه صوت نابع من داخلي اقرب للفحيح: طيب بس قللي, توجع وهو عم بيموت؟
وقع بفتحة الاسنسير" اغمض عيني و اطلق شهقة ألم عالية"
::
بيروت: المدينة هذ الصباح المتسارعة دقات وقلوب خطوات ناسه في تصعيد للقضايا الغريبة التي ستعيد انتاج نفس الازمات قريباً , المدينة كروحك يا ربيع, كأرواح كل الذين يؤلمهم حيث هم كل ما يحدث, ويحز في ارواحهم كما في اجسادهم, او اشلائهم, هذا الانحراف الفظيع في بوصلة المبادئ الانسانية والوطنية
ارشف فنجان الشاي الذي برد و أنا اطبع .سارية تصحو وتقبلني و تتدلل علي كما لو انها لم تزل في الخامسة حين عرفتها لأول مرة, اقول لها اني أتية بعد ان انهي طباعة فكرتي الاخيرة

وها أنا أضعها هنا ثم أقوم ليوم جديد
بيروت هذا الصباح مدينة تتوجع و لا تموت

إلي بعيدي

من سنة لسنة, يوم عيدي بيكون وقفة و جردة حساب مع حالي: هالسنة كانت كبيرة و طويلة و عريضة و مليانة انفعالات و انجازات و خيبات و طفحت حب و صداقات وخيانات

هالسنة كانت مكثفة على صعيد كل التجارب

وبرغم كل الوجع, والحزن و التعب و الشجن و الضحكات المؤجلة و الاحزان اللي دايماً ع الوقت: بتمنى إلي انو سنتي الجديدة تكون زي اللي مضت

سنة غنية و شهية و تضل ماثلة بالذاكرة و الروح كتير و على طول, تعلمني و تقويني وتمتن انتمائي لبلادي و اهلي و ناسي و تختبر مبدئيتي و استقامتي و ضميري


ومن أنا لكل اللي صنعوا سنتي اللي بودعها اليوم" شكراً" ع كل شي, ورغم كل شي_ كان وما كان و لا رح يصير_ بحبكم: لولاكم ما كنت بحتفل بكل تفصيل اليوم بهالرضى