الآن هنا

الآن: على هذه الارض "القفرا نفرا" التي لا يكسر صديد الرمل فيها ولا بحر و لا بحيرات

والآن: في هذا البعاد الذي اخترته حد التوجع و التفجع وحدي_حرفياً وحدي, يا وحدي_ على اشيائي الصغيرة المبللة بموج يندي القلب بماء الاحتمالات
والآن:في حضرة الاغاني العادية التي تصير فجأة مجلبة لحنين لا تريده, ويجلو حد الصفو عن الروح بعضاً مما علق فيها من غبار الايام و تراكم الاشياء الضارة التي ما تحلحلت في وقتها, برغبة منك او بقلة اهتمام

والآن:حين يهب الشوق بالروح و تنهض في العيون دموع لا تُبكى, و تُحس كأنك بكيتها حد النوم منهكاً من عدم القدرة على التنفس, ولا على المزيد من البكاء, تُحس كأنما ملحها مختلط بالمخاط طازج لاذع على اطراف شفتيك
::

هنا: حيث لا رنا تشعل الاماكن بلغة جسدها, ترقص و تتحرك فتملاً كل الزوايا فرحاً يحاول ان يداري الخيبات الكبيرة و الصغيرة


هنا: حيث لا رانيا تزرع التوقعات في القلوب البور فتنبت على ضفاف الاوردة ضحكات تعد بمحاولات جديدة كي لا يذبل الامل العنيد

هنا: حيث الاصدقاء طارئون ومستعجلون و متأهبون دوماً لهاتف جديد و انشغال اكثر فائدة من الصداقة كغاية بذاتها

هنا: حيث اعزل نفسي عن اهلي و اشياء مدينتي و اعلن_لجمهور نفسي_ الحياد على فلسطين التي تسكن مكتبي و تفاصيلي الانثوية العالية: علبة نظاراتي, قميصي المفضل و الاجمل, علب اسرار مظهري اليومي, حوائط غرفتي وعناوين كتبي ولون دمي الذي من فئة عاشقة

هنا: تصير للاشياء ابعاد اخرى, تبتعد اشياء كنت تظنها ملتصقة بروحك كأنها انت, و تكتشف على وقع صباحات غريبة ان ما كنت تظنه الابعد, هو في الحقيقة, وبرغم معاندة الجغرافيا و جوازات السفر و تكاليف بطاقات الطيران و عجقة الحجوزات المبكرة و المتأخرة, هو الاقرب اليك, اقرب اليك من جفن عينيك

::

الآن هنا:انا مسورة بالدقة البالغة و الوضوح الاغبش للاشياء في داخلي وانت حيث انت, مشغول دائماً كما احاول ان اتعود عليك, وثمة الكثير بعد احكيه و تحكيه حتى ينتهي العمر و لا ينتهي كل ما نريد قوله فعلاً, عن عمرك الذي فاتني و ما عشته قربك, وعن طفولة ما عرفتَ تفاصيل شقاواتها, وعن مصادفات غريبة وضعتنا وجهاً لوجه امام بعضنا في مدينة تقتص من عفوية ما بيننا ونقنص من هياكلها الاخلاقية المُدعاة لحظاتنا الابهى


الآن هنا: تصير لذكرى القبلة مذاقات اكثر حدة واشتهاءً, حفيف الشفاه يصير موسيقا لعالم وحدك تسمع وتصنع انغامه بشهقاتك المرشوقة اشتياقاً في المدى. الشعور برقة اللمسات تنساب حتى اسفل الظهر يشلك حتى تقرر ان الحياة قبل هذه الاصابع كانت برسم عزفهما الارتجالي على اوتار الاعصاب بوقع الخطوات المتلصصة على درج غريب. تفاصلينا تفاصيلنا نحن, نهرب منها معاً , و مهما تحاول وأحاول ان نعاند طغيانها علينا, صدقني, الأسلم و الاجمل و الاكثر هناءة لكلينا ان تترك نفسك منقاداً للاستسلام اللذيذ لسطوتها عليك

الآن هنا: بعيداً عن كل الاشياء , بعيداً بعيداً, تنبثق وحدك من بين اكوام الاشتياقات المُفترضة, تفاصيلك كلها تُصيّر العالم مكاناً ارحب للانتظار, ومساحة اجمل للحلم

الآن هنا: اوقن ان السعادات الفردية الصغيرة قادرة على التجمع في قدر اكبر يصنع "الجماعية" فأستمتع اكثر بشعور اني سعيدة بك, بالحد الادنى, بوجودك في هذا العالم, وبالحد الاعلى جداً: بوجودك في عالمي انا ووجودي في عالمك انت, وأبتسم

الآن هنا: حين ترى تبدل الامور, وقسمة الاشجار في المدن وتصاعد نبضات العشق في القلوب ذاِتها لقلوب اخرى, تبصم بكل قلبك ان الحياة عادلة جداً على طريقتها, وساخرة جداً على طريقتها, اذ كان عليّ ان اكتشف متأخرة كل هذه الاشياء التي كانت بديهية وواضحة منذ البدايةِ: فلسطين التي في روحي و دمي, قدرتي على حب اكثر الاشياء ازعاجاً بصبر لا محدود وحقيقة العديد من الاشياء وانت, الآن وهنا
::
الآن هنا: عنوان رواية للراحل الكبير عبد الرحمن منيف, واسم الزاوية اليومية للحبيب الراحل جوزيف سماحة لعدة سنوات في جريدة السفير, والآن هنا, تحيتي لروحما لا تنتقص و لا تقتنص من حرارتها_بالمرة_ حرارة الجو العالية حولي





ليست هناك تعليقات: