عيني يا فلسطينية

قبل بضعة أيام, ارسلت لي صديقة رابطاً وجدته بالصدفة لمقال قديم فيه عن اولى مشاركاتي في مخيم صيفي مع من صاروا اليوم اهلاً و رفاق عمر
واليوم, اثناء بحثي عن اوراق قديمة بين الاكواااااااااااااام من الملفات التي تحيل غرفتي الى ما أستحق اللقب الذي اطلقه عليها رفيق اتمنى له الخير امن ما هو الان "مكتبة فيها تخت و خزانة" و ليس غرفة نوم فيها مكتبة كما هي الاحوال الطبيعية, وجدت من ايام ذلك المخيم ورقة دونت لي فيها صديقة بعض مقاطع "الهلالاليا"التي كنا نغنيها في سهراتنا الصاخبة حتى الفجر انذاك
و وجدت اوراقاً بخط يدي فيها احد اجمل اغاني اللجوء و اكثرها تأثيراً فيّ متى تذكرتها بأصوات شلة نهر البارد الذين علموني اياها "محمد و عامر وشادي: مشتاقة مشتاقة لهناءة و دفء ارواحكم و اقيد لكم نبض القلب ألف شمعة ولا تكفيكم" و ايضاً وجدت كلمات الهوارة بخط معفشك جداً _اظنه لمحمد ذات الحاح مني ليكتبها_ التي لطالما دبكنا عليها في تلك السهرات التي لا اعرف لو تعود بيننا حقاً يا احبة
وكذلك وجدت ورقة منسوخة بآلة حبرها غريب عجيب "اذ لم تزل تحلحل حبرها على يدي لليوم" عليها ما بات يُعرف بالنشيد الوطني الفلسطيني (احمر مرق لي اياها هيدي يرضى عليك) اي فدائي فدائي ا
لماذا اكتب هذا هنا؟
ربما لأتشارك مع من يمر بي هاهنا ذكرى فرح عبر في حياتي طازجاً و جميلاً و لم يزل يملأ الروح اعتزازاً كلما مر بالبال
هذي كلمات الهلالاليا" الفلسطينية" يا احمر مجدداً : قطرية و مسرفة في التخصيص, مش مهم, انا هيك بعرفها و بحبها
هلا لا ليه وهلا لا ليه
عيني يا فلسطينية
كل القوافل رجعت , وين راح الزمن فيا؟
::
البنت قالت لأمها: يما ظلمتني
اول عريساجى, ليش ما اعطيتيني؟
تاني عريس اجى, دينو على ديني
تالت عريس اجى, لأروحلو وحديا
::
لأطلع ع راس الجبل و اشرف على الوادي
واعد نجوم السما جوزين و فرادي
يا ربي زخة مطر ت يغرق الوادي
واحني له ظهري جسر و اقطعك ليا
::
و الكلمات المدونة بعجلة من "راجع ع بلادي" التي احبها حد الدمع فخراً ببلادي و ناسها الذين لا يكفون عن فضيلة الامل بالرجوع
راجع ع بلادي
راجع ع بلادي
ع الارض الخضرا راجع
راجع ع بلادي
انا وولادي
انا وولادي
راجع ع بلادي
::
يا يما: في دقة ع بابنا
يا يما : هي دقة حبابنا
يا يما: هي دقة قوية
يا يما: دقة فدائية
و ع الرابعية ع الرابعية
*رافعين الراس فلسطينية
::
وهوارة شباب نهر البارد الورد هذه كلماتها
هور يا ابو الهوارة
دبرها و مالها دبارة ناس بتمشي لقدام
وناس بترجع لورا
::
هوارة يا بنت الكلب
البوسة منك بتشفي القلب
والله لاقعدلك ع الدرب
بخمسمية و طيارة
::
نزلت ع المي لويزا
طلعت من المي لويزا
بعد شوي دقنا المي
طلعت بيرة لزيزة
::
والحاجة شربت ويسكي
فكرتو مريمية
ضلت تشرب لسكرت
وهجمت ع العزابية
::

وهذه للذكرى, والضحك


كتير حكي: ما قد يقصف العمر, او يطيله

عما قليل, سيبدأ الجميع بالكشف عن عدم نومهم الذي يزنر عيونهم بهالات سوداء, الحديث متوتر بفعل الاخبار الصباحية عن القصف الشديد ليلاً الذي طال اغلب مناطق لبنان: شو منعمل؟ منضل او منفل؟ لوين بدنا نفل؟ اللي الو عمر ما بتقتلو شدة, الخ الخ الخ
التعليقات بأعلى الاصوات و الحدة لا يمكن مداراتها: اشعر ان الجميع منخرط في خناقة كبيرة لا افهم كوعها من بوعها

ادخل عن بلكونة الجيران, اتفقد اخوتي, علي لم يزل مرعوباً و يصر على اسنانه, وغسان غفى حيث كنا متكومين انا و علي اثناء الليل

أسأل علي: بدك نفل؟ يجيبني: انتي ما بدك؟

اشعر بالذنب حقاً, اتفاقنا على البقاء كعائلة في بيتنا _والذي لم يكن علي محبذاً له اساساً_لم يأخذ بالاعتبار اثر قصف من مستوى مجزرة على بعد شارعين منا. اذا بقينا , قد يحدث لعلي شيء ما.و اذا ذهبنا: هل تكون خيانة؟ افكر مع نفسي, و علي يطالبني باجابة: بدك تبقي؟


اغير الموضوع ,اقول له ان بترا اتصلت بي من مصر حين كان نائماً بعد منتصف ليل امس و اني تفاجأت من ان الخط "لقط"معها

يسألني: انتي باقية عشان تتأكدي انو رح تجيكي تلفونات دعم يعني؟

يتركني غاضباً و يذهب الى حيث ماما و الجيران لا يزالون يديرون مدبرة النحل بأصواتهم و نقاشاتهم العالية, ألحق به, تمسكني اخت جارتنا التي تكبرني قليلاً بالعمر و بأطفال ثلاث عند باب البلكون, تقول لي: جوزي بدو يروح: شو رأيك بروح معه؟

انظر اليها و الى طفلتها التي لاعبتها ليلة امس حتى ضحكنا وسط استغراب الجميع" هيدا قرارك, بس كونوا دايما سوا انت و جوزك و ولادك"واحضنها بقوة, تبكي على كتفي, وابكي انا معها قليلاً ثم امسح دموعنا. تقول لي: مش متحملة كل هيدا. انظر في عينيها واقول لها : يللا لكان حضري حالك,و انطلق معها اساعدها في لملمة اشياء اولادها

في تلك اللحظات الغريبة, اقرر انه يجب ان لا نبقى: ليست الوطنية ان تقيد حركة نفسك في مربعات اقل من 4 جدران لغرفة اذا ما بقينا هنا, خاصة ان امي و علي باعصاب تشارف الانهيار منذ الان, والكل يجمع ان الحال لن يكون سهلاً و لا قصيراً

بعد توديع رانيا و اطفالها, يسكت الجميع و يجلسون كمن وقع من علٍ في غرفة القعدة. اوصلها الى السيارة واودعها هناك متمنية لها السلامة. تحلفني ان ابقى على تواصل معها لأطمئنها عنا, وان "ديري بالك ع الكل لأنك قوية يا ملاك"اهز رأسي و الغصات تخنقني.و اركض الدرجات الى حيث ماما: اصرخ بها: يللا نمشي, عم يضربو جسور و كلما تأخرنا بيصير الوضع اصعب ع الطرقات. ترد عليّ بتوترها: ما تصرخي علي, بعدين هلق صار بدك تروحي؟


اجيبها بتحدٍ: ايه بدي اروح, بديش اموت هون انا


علي ينظر الي غير مصدق, اقول له: فيق غسان, انا طالعة اضب الاغراض اللي بتلزمنا


يمسكني جارنا الدكتور: انطرينا منطلع كلنا, رح نضب اغراضنا نحنا كمان, منمشي سوا

ماما تصرخ بي على الدرج, لا ارد: اصل الى البيت لاهثة, وأبدأ برمي اغراض لكل منا في شنط و اكياس, افكك جهاز الكمبيوتر, امسك كيساً اضع فيه كتبي المفضلة و بعض دفاتر واوراق فيها كل ما انا, و كذلك شهاداتي واوراقنا الثبوتية

فجأة ارى علي و ماما وراءه و كلنا يجمع ضرورياته, غسان سيأتي لاحقاً و"بوزه شبرين", وينتقدني: بعلمي بدك تصمدي؟
اقول له: لا من حقي و لا من حقك نرعب ماما و علي, الصمود مش جغرافيا, ,وهلق مش وقت حكي, رايحين يعني رايحين يا غسان

البراد فيه اكل, نفرغه للجيران الذين بدأت بيوتهم تضج بالوافدين من قرى الجنوب من اقارب و صحبة
نترك مفاتيح البيت معهم كذلك, خزان ماءنا ممتلئ , سيمكنهم الاستفادة منه اذا ما انقطعت الماء, وكذلك يمكن لمن يجروء ان ينام في شقتنا, سيكون هناك الكثير من الاسرة الفارغة عما قليل

نبدأ بتوديع جيراننا: اهلنا و عشرة العمر الطويل الذي قد ينقضي قريباً
الدموع و الغصات تتآكلنا جميعاً: نحن الذاهبون على الباقون, وهم علينا


نجلس في السيارة سريعاً وبلا و لا نفس. ماما تفكر بالمرور لأخذ خالتي و طفليها معنا, ارجوها ان لا تفعل: جوزها مسؤول عنهم, اذا صارلنا شي بتكون بدمتنا يا ماما, نحنا اولادك و مسؤوليتك, بس ولا حدا تاني


تبكي و هي تسمعني اصرخ كلامي هذا ,ولكن هذا ليس الوقت الملائم لمراعاة آداب الحديث


الشوارع مقفرة, صور مبوهتة بعد بمجزرة الامس, نلمح عمو عادل, صديق ابي وعائلتنا منذ زمن. نوقف السيارة و اتعلق برقبته بحرارة قد افقدها مع حياتي ربما لو متت في هذه الحرب المستعرة. تلمع الدموع في عينيه, ماما تبكي و علي يستعجلنا بردات فعله كلما سمعنا طائرة ترمي حمولات حقدها في مكان ما, وبوز غسان يتعدى الشبرين

تستشيره ماما بخصوص الرحيل, يقول لها انه يدبر رحيل عائلته كلها كذلك, واننا سنبقى على اتصال اينما كنا, هو العمر و تجارب الفقد و الضياع يجمعهما مجدداً: هذه المرة ماما هي رب اسرة, مثله تماماً,وليس من ابي يخفف الحمل عنها ولو قليلاً

تخبره بأني لا اريدها ان تجلب معنا احداً, يقول لها ان هذا رأي سديد: خدي اولادك و روحي, هلق مش وقت تفكري غير بعيلتك
سأبكي في حضنه ويمسح دموعي في الثواني الاخيرة قبل انطلاقنا في طريقنا الى المجهول

حين تدير ماما السيارة يشتد بكائي, لم اجلب ألبومات صورنا, افكر: لو راح بيتنا, مش رح يكون عنا ولاااااااااا صورة لبابا او لطفولتنا
ثم اقول لنفسي: بس لو متنا نحنا, بيكون في النا صور ع القليلة
الان افكر و اضحك حين اذكر صديق لي قال لي مرة مطمئناً حين اخبرته بفكرتي هذه اني لو اسرت او مت خلال الحرب, فلي صور جميلة ستنفع لتصاميم التضامن او ملصقات الشهداء

تسألني ماما بعصبية: شو في؟شو في؟

امسح دموعي و اقول لها: رح اشتاق للبيت, واسكت اغلب الطريق الطوييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييل الى ما لم نعلمه لحظتها

بحر صور مدجج بالبوارج, والسماء مسقوفة بالهدير, اغمض عيني لا اريد لمدينتي صورة سوى بهائها اليومي البسيط في حضرة التاريخ و في حضن البحر,اقول لنفسي: رح نرجع, اكيد رح نرجع
::
ستكون الطريق حقاً طويلة, كأنها كل العمر: 9 ساعات من الجنون المطلق في تحدي آلات الموت الصهيونية التي تعيث خراباً في كل ما حولنا و تحاول بث ألحان الموت الجنائزية في ذلك التموز الذي كنا نتأمله جميلاً

صور المجازر التي حدثت تطاردنا, والاخبار التي سمعناها في الايام السابقة عن استهداف السيارات _حتى تلك التي تغضبني حين اراها تلوح بما هو ابيض على سقفها_ لا يجعلان المرء مطمئناً انه يترك الموت وراءه حقاً

امي تقود السيارة وسط ذعرنا من هول ما نراه: هذا الجسر الذي اقطعه كل يوم في طريقي الى عملي صار اثراً بعد عين و قبل حاضر لا يبشر بملامح غدٍ قد يكون أصلاً, هذه البساتين التي تزف الينا الربيع قبل الورد بخضرتها صارت ارضاُ بوار تنعب فيها الحرائق, هذه الشواطئ التي لطالما ضحكنا للسعة ملحها على اجسادنا السمراء حين يلوحها الصيف, وعلى شفاهنا حين نتراشق بالضحك صارت مرتعاً لقصف قد يأتيها من اي حدب وصوب

سبابة ماما مرفوعة تشهداً طوال الطريق, وانا في سري اتمنى ان نموت جميعنا اذا ما اصابنا شيء, او ان نحيا جميعاً
كان التفكير باحتمالات ان ارى احد من اهلي مصاباً او مبتوراً او بعاهة دائمة كانت يرعبني, فكرة ان اكون انا عالة على اي منهم ايضاً كنت استصعبها حد تمني الموت

نعبث بالراديو, التشويش يمنع التقاط بث اي محطة ما عدا صوت الشعب(وهي للمفارقة اذاعة الحزب الشيوعي اللبناني) التي استخدمها الصهاينة لبث دعاية تحريضية سخيفة نصها كان "اين هو خسن؟ انه هرب!ان خسن مختبئ في مغارة تحت الارض و قد ترككم لتموتوا من اجله"
وطبعا خسن المقصود هو السيد حسن نصر الله
نضحك بخجل بداية, ثم نصخب بالضحك على تفاهتهم هذه
لاحقاً سيمطرنا الصهاينة بمناشير غبية تحرض على المقاومة وبدعايات و اتصالات هاتفية تظل تعيد ولا تزيد في نفس الكلمات المضحكة

الان اتمنى لو ان لدي تسجيلات لاصواتهم و ركاكة عربيتهم , كانت تلك فواصل كوميدية حقاً تقوينا بها على مجازرهم لأنها كانت تخبرنا اي مدى من الهزيمة قد بلغوه ليتقولوا مثل هذه التفاهات

نقطع طريقاً غريبة عجيبة لنصل في نهاية المطاف الى قرية "بيصور" القريبة من مدينة عالية الجبلية. الان حين افكر بالخارطة الجغرافية لمسيرنا انذاك, افكر كم بشع ما مررنا به

حين وصلنا الى جزين, سمعنا عن مجزرة اصطادت فيها الام كامل سيارات على جسر الغازية بفارق اقل من ساعة بعدما قطعناه
امي نعانق جارتنا_زوجة الدكتور_ وتبكيان وسط دهشتنا, نحن الاولاد,: مفروض يكونو مبسوطين لانو نحنا ما متنا, ليش عم يبكوا؟

نغير الجو بشراء شوكولاته و نشبيس لأن بطوننا خاوية, تنظر الامهات الينا بتطليعة "الناس بالناس و انتو بشو", علي يستعيد بعضاً من مرحه المعهود ويقول ببراءة"جوعانين, شو يعني اذا ما متنا بالقصف منموت من الجوع"

نضحك بصخب, انظر في وجوه اخواي و امي تسمح دموعها, اتنفس الحياة ملئ قلبي: فبرغم كل شيء,لا زلنا احياء و نضحك


::
ويتبع كمان و كمان

كتير حكي: عن ما يقصف العمر حقاً

يوم الحرب الخامس: صور محاطة بالقصف من سماء و بر و بحر

بالامس قصفوا معملاً للبلاستيك في قرية قريبة من المدينة, ورائحة الحرائق تفاعلت مع رطوبة تموز و حلكة الليل لتطيله اكثر, وام كاملات تجمعن في السماء يحيين "صبحية" على طريقتهم

على الارض كانت الامور مختلفة: ارهاق من السهر و من ردات فعل المحيطين, شخصياً احتاج النوم كثيراً لأني امضي يومي _اضافة للتعرض للقصف و القلق على البلد ومصير من احب_ وانا اهدئ روع فلانة و احاول ان افرفش مزاج علتان من الجيران والاصحاب و الاهل ممن نتمكن من التواصل معهم

الاصحاب على الشبكة العنكبوتية يمطرونني بالايميلات و الرسائل و محاولات الاتصال, وانا عندي قناعة لا ادري من اين استمديتها طوال ايام الحرب "رح نفسخ الصهاينة", اكتبها في كل منتدى و في كل ايميل لاصدقائي, وانا على يقين بأننا لن نهزم

ذلك الظهر, اكون مهدودة , اترك امي و اخوتي في الطوابق الاولى من بنايتنا و اتسلق الدرج الى طابقنا الخامس اريد ان انام, اكتب في منتدى مدن اني سأنام في البيت فيطلب مني كسار الزبادي "وهو اسم افتراضي طبعاً" ان لا ابقى في الطابق الخامس, ولكن من يلوي عنادي التاريخي؟
ارد عليه بمزاجي الذي يحاول ان يبقى على ضفة الامل, مهما لاح اليأس في كل ما حولي

زهقت يا كسار و صغرت روحي
اردت ان استغل بعض الهدوء لأنام قليلاً فطوال الليل لم أنم
وبصراحة: صغروا روحي الاولاد و النق و الاهل اللي عم بيخافوا ويتوقعوا و مدري شو وكلو حكي فاضي يعني
بيهبط المعنويات
قلت بجرب بلكي بقرأ شي مفيد وبجرب انام شوي
بالاخير القصة كلها انو اللي الو نصيب يعيش بيضل طيب ولو بسابع سما, واللي انتهى عمرو بيموت ولو بسابع ارض
تسلم صديقي ع اوامرك
بس اسمحلي اخالفك


::

افتح كتاباً قرب سريري من المجموعة التي اتيت بها معي من عمان, كنت متحمسة لقراءة الكمية الهائلة التي إستنزفت جيبي من روايات صنع الله ابراهيم ومحمد شكري
ولكني متعبة و اريد راحة من غيمة (مع ان الغيم لو هل في سماءنا يومها لجلب لنا الخراب), فأقرر بحزم: سأنام

ارمي الكتاب و احاول الغفو رغم الحر, وحدي في البيت و الطيران يحوم في السماء التي لا يحميني من ما قد تهل علي منها سوى طابقين يعلوان بيتنا و البرج الملاصق للغرفة التي انام فيها, والذي اذا ما ضرب فأنه سينهي حياتي بأصغر شظية تأتيني منه

افكر بتهديدات الصهاينة و بالمناشير التي رموها علينا ذلك الصباح


الى السكان اللبنانيين

اثر الاعمال الارهابية المستمرة لحزب الله المُطلق العنان و التي تمس بالجهود الرامية لإيجاد مستقبل أفضل للبنان يعمل جيش الدفاع الاسرائيلي للفترة التي يراها ضرورية بغية الدفاع عن مواطني دولة اسرائيل
من اجل سلامتكم و لرغبتنا بمع الحاق الاذى بالمدنيين غير المتورطين , عليكم الامتناع من التواجد بالامكان التي يتواجد فيها و يعمل منها حزب الله
عليكم ان تعلموا ان استمرار الاعمال الارهابية ضد دولة اسرائيل يعتبر سيف ذو حدين بالنسبة لكم و بالنسبة للبنان
دولة اسرائيل


متعبة و دماغي فعلاً غير صاحٍ للتفكير بأي شيء سوى بإلحاح جسمي انه يريد ولو ثوانٍ من الراحة, اسلم نفسي للنوم و ببالي فكرة واحدة: اللي مكتوب لو عمر ما بتقلته شدة

اغفو بنهم: الايام الماضية كانت صعبة و متعبة و عصيبة,وعلى صعيد شخصي, ذقت مراراً في ما اعتبرته صداقة اكتشفت في عز الحرب و امام احتمالات الموت و الحياة انها كانت هراءً بهراء

عما قليل, أستيقظ على حركة اخي علي, يكون القليل كثيراً: اكون قد غفوت حوالي الساعتين. اسأله: في شي؟
ويقول لي "نامي, بس عم بدورلك المكيف عشان اجت الكهربا" اطلب منه ماءً ويسقيني بحب, اسأله عن ماما و غسان يقول لي ان ماما مع الجيران و غسان يشاهد التلفزيون
اقول له: منيح, شكلهم مروقينها علينا اليوم ثم اعود للنوم

::

ارى علي و غسان من عل! يصرخان بي بجنون, يلا لتحت يلا
الصوت الهائل الذي قذفتني قوته الى ما فوق السرير ظننته لبنايتنا او البرج الملاصق لها
اركض سريعا: احمل شنطتي التي جهزتها قبل ليلة, فيها كل ما قد احتاجه (هكذا ظننت) و ابحث عن نظارتي, لا ارى جيداً لأني بدونها و لأن ثمة عاصفة من غبار ابيض ملئت بيتنا و شعرنا و عيوننا

يجد علي نظارتي, يعطيني اياها و هو يدفعني: , يللا اركضي لتحت
مش نازلة بدونكم, يللا_

ننزل الدرجات معاً, قلب و احد و اخوة في مصير واحد, كما في حياة واحدة في كثير من تفاصيلها.
نجد ماما شبه منهارة على درجات الطابق الاول, تظن القصف اعلى بنياتنا و هي الوحيدة التي كل ابنائها في العلالي, نهزها جميعاً اننا بخير, وتداهمنا اصوات سيارات الاسعاف و العويل الذي عبئ الشوارع كما الغبار و شظايا الردم

انزل الى الشارع مسرعة,ارى العجائب من كل صوب: امسك هاتفي و ابدأ بالاتصال بصديقي الذي يعمل في الجزيرة اخبره بما حدث, يصرخ بي ان اهدأ و ان احتمي مما قد يضرني, اكون اصف له ما ارى بهستيريا

يمسكني ابن جيراننا و يجلسني على الرصيف و يقول لي :يا ملاك اهدي
لا انتبه اني "عم بنطنط بأرضي" مدينتي مرتدية بياض الغبار المسحوق و رائحة الدم الطازج و صراخ الرعب المندلع من حناجر و عيون الهاربين من موقع المجزرة الذي لا يبعد كثيراً عن بيتي

شارعان فقط: وبينهما عالمين كاملين من التفاصيل, هنا امي و رائحة اخوتي لم تزل في الزوايا, وهناك اختلطت الصور بالروائح بالموت

كيف لا انطنط صدمة؟

::

ذلك الليل كان اطول من كل ليل اخر عشته: الطيران يعرش على الهواء, لا كهرباء, لا اضاءة _ولا حتى ضوء شمعة_بتعميم من البلدية, ولا نفس يعلو فوق انفاس الترقب و القلق

كنا نتناقل اسماء الشهداء و نبكي بصمت, كلنا في عيونه و قلبه سوأل: ونحن؟ متى دورنا؟

الصغار يريدون ان يفهموا, اسئلتهم تزيد الجميع كرباً,فأقرر ان اخذهم الى غرفة في بيت جيراننا الذي سنبات جميعاً ليلتنا فيه (نبات؟ اي بيات يا مخبولة يا انا ؟هل جننتي؟) احكي لهم قصصاً و الاعبهم و نصخب ببعض ضحك اتفاعل معهم فيه حتى اخر الروح, من يدري متى سنفرح بعد؟ او هل سيكون من متسع لفرح ما؟

بعد قليل, اشعر بحكاك مزعج بسبب الغبار الذي يتعشق خلاياي
ابلغ ماما : طالعة اتحمم
يجن غسان وعلي يرجف: يا مشحرة نحنا بشو و انتي بشو؟
بتحمم و بجيب مي و بطاريات و مخدات, كيف بدنا ننام؟_

غسان يقول انه سيأتي معي, في النهاية كلنا نطلع الى بيتنا معاً, امي تصدم للمنظر, بيتنا كأنه شاب فجأة
كل شيء ابيض ابيض, كأنما صار مساحة من ضوء
اتركهم لما فيهم و اتحرك سريعاً باتجاه الحمام, المياة بااااااااااااردة, ولكني متسخة حقاً, وليس من وقت لترف عالٍ من نوعية ماء ساخن , ولو قليلاً كي لا تتجمد خلايا رأسي

يحضرون اغراض النوم, و الماء و الخبز و المأكولات التي لا يضرها ان لم تبرد (جبنة و مرتديلا و بسكوت)وهذا لو تعلمون امر عظيم مقارنة بايام ستأتي علينا لاحقاً

وغسان يستعجلني, وانا اقوم بما لا يمكن لعقل ان يتصوره في تلك اللحظة: اعتني بكامل تفاصيل انوثتي في الدقائق العجيبة تلك

انزع الشعر عن جسمي, اختار ملابساً داخلية احبها, استعمل عطري المفضل, واقرر اي ثياب مريحة و مرتبة سألبسها حتى في نومي
الجميع يستعجلني : يا مجنونة يللا

طوال الحرب وما بعدها كنت افكر بأني لا اريد ان اموت بشعة وغير مرتبة, عشت حياتي سراً و علناً على غير ذلك,فكيف اموت اقل ترتيباً و اناقة ؟ اذا مت: لا اريد ان تصور الكميرات ما لم اكنه يوماً بداعي التعجل, ففي النهاية: اللي مكتوبلو عمر ما بتقتله شدة

طبعاً الفكرة سخيفة, اذا مع نوعيات الاسلحة التي جُربت بنا, قد اختفي و تبقى ملابسي مثلاً كما حدث في عدة مجازر, او قد تطرش اشلاء لحمي كل ما حولي حين تنفرم, او يمكن ان اتفحم ببساطة

ولكنها نعمة_او لعنة_ الامل العنيد في حياة تبدو اقرب الى نهايتها مع صوت كل غارة تتجدد

تلك الليلة, ووسط احاديث الترقب و الانخبال مما يحدث حولنا حقاً, تحدث السيد حسن مجدداً,سمعناه عبر الراديو ابو بطاريات وكبر قلبنا رغم كل الألم الذي يغذي نبضه كالدم حين قال ان الصهاينة لن يكونو بمأمن و ان حيفا ستضرب و انهم سيذوقون مراً لطالما تجرعناه حتى اعتدنا العلقم و بات الحلو غريباً في دمنا و حياتنا

بعد كلامه استلقيت جنب علي على فرشة حشرناها لتسع تعبنا و ترقبنا للاتي, ادار وجهه و رأيت ما هالني: شعره يملأ ظهر بلوزته البيضاء, كان اخي مرعوباً ويكابر

فمنذ بداية الحرب قررنا اننا لن نترك بيتنا ولو متنا فيه, ولكن تلك الليلة اظهرت ان علياً هو حلقة قلبنا الاضعف, واننا قد نغامر بحياته مقصوفاً بالرعب اكثر من الموت الحقيقي لو بقينا في صور

اتت ماما الينا, غسان مع ابن الجيران على البلكونة يراقبون اللاشيء, فماذا يُرى أصلاً في هذا العتم الممتد حد الصدى؟

تعلقنا بأمنا: ماما, هيك كان ب 82؟اسألها و تقول لا, هيك ما عشنا و لا شفنا قبل
اسكت و اسمع لنبض قلبها و اشد نفسي اليها, تداعب شعر علي و تخيفها سماكة طبقة القشرة التي تجمعت على فروة رأسه,ولأخي حكاية طويلة مع القشرة التي تنبت في رأسه بمجرد ان يخاف او يجفل من شيء ما

نسكت معاً و نصغي لكل شيء, اغفو انا قليلاً, وتعدل ماما من وضعية رأسي, ولكني اسمع جارتنا تناديها بعد قليل, فتنسحب اليها ولكن علي يعترضها, يمسك برجليها حين تقف و يقول لها: ماما دخيل اجريكي لا تخلينا هون
اشق عيني خائفة من مبلغ خوفه, ألمح عيناها تلمعان ايضاً بالخوف

ياااااه كم نحن آدميون في خوفنا الفطري على الحياة

::

اضم علي الي و لا احكيه,وسندعي النوم. غسان سيأتي في وقت ما من الليل و يغفو بجوارنا, وحين يطلع الضوء سأقوم الى البلكونة: لا احد نائم حقاًو لكن التعب ابتلع اي قدرة على فتح العيون عند الاشخاص الخمسين الذين باتوا ليلتهم في تلك الشقة التي طفحتبنا حتى اخرها

تلحق بي جارتنا التي كل اهلها في قرية "طير حرفا" الواقعة مباشرة على اللسان الصخري الذي يسور البحر في منطقة جنوب صور وصولاً الى الناقورة
تسألني: شو رأيك رح يصير؟
اهز كتفي: ما عندي اي فكرة, منموت ؟ منضل؟ مش مهم: المهم عندي انو السيد حسن ما بيكذب لما يوعد انو يوجعهم, وهالمرة هني كمان عم ياكلو عصي, يعين ع الاقل لو متت بعرف انو دمي مش ببلاش

تحوقل و تضرب كفاً بكف: هي تحب السيد و نثق به كذلك, ولكنها بلا شك ادمية مثلي ومثل امي و اخوتي تماماً, تخاف على من لها, وعلى حياتها

امازحها: مش دايماص بينحكى قديش حلو نعيش يوم بيوم! هيانا عم نعيش لحظة بلحظة ف:فرفشي! هيك كل ثانية بيصير لها قيمة
تضمني و تدعو للجميع بالسلامة, ثم تباغتني: شو حلوة ريحة شعرك

اضحك فخورة بإنجازي الصغير المجنون: تحممت مبارح و نظفت حالي, وتضحك معي: برافو عليكي

هذه الضحكة المجترحة من قلب القلق كنز, وهذه شمس تضيء حقاً
يتبع, يجب ان يتبع











الآن هنا: جنوب الجنوب و الكرامة جهات اربع

هذا النص كتبته منذ سنة تماماً, حين كان الموت يلعب بأيامنا و حياتنا, ونشره لي في منتدى مدن الصديق "كنعان مخيم", حين كان الانترنت و الكهرباء و الوقت امنيات غالية
اعيد نشره هنا بعد سنة , وبدون اي تعليق, الحقائق على الارض وحدها تعلق
وايضاً: حرقة قلبي و حريق اصابعي حين طبعت حروفه لا يزالان يضجان برائحة النار المتقدة في الروح كرامة و فخراً و عشقاً بالحرية التي لا تحددها الجغرافيات , ولا تحدها الحدود
::
في هذه العجالة , وعلى وقع هدير الأف 16 و خلفية القصف المرعبة أصواته, لا أكتب لأحلل او أنظّر في السياسة
أكتب ما أعرفه كخطوط يدي وأحرف إسمي.أكتب من الجنوب: من صور المحاصرة بالغل و التي لم يأتِ دورها بعد في الجنون الصهيوني المُستعر لليوم الخامس على التوالي
أكتب لا لشئ, بل لأنه من غير الممكن بعد ان يُترك كل من يريد للحديث عما يريد دون ان يرجع إلينا: نحن الناس, نحن الواقفين على خطوط النار,ونحن أكثر من يدفع ثمن "مغامرات" الصهاينة من دمنا و أيامنا و حياتنا
بخس هو الموسم السياحي أمام مشاهد تشقف وتشظي جثث أهلنا: أمهات وأطفال و رجال و كبار, "راحت عليهم" وما عاد من متسع للحلم او لـ"عروسة*" لبنة , او فنجان شاي و "اهلا وسهلا" أخيرة لهم
لقد انتهى الأمر: اسرائيل, دولة الكيان الصهيوني الغاصب, رب الخراب والموت أمرت بشرب دمهم طازجاً و تذوق لحهمه طرياً
قليلة اثمان الجسور والبنى التحتية, وهي المدفوع ثمنها سلفاً بديون ترهق كاهلنا حتى ما بعد أجيال, او مُحالة الى الحل السياسي الذي تُزل فيه عن عاتقنا بمجرد قبول سلم (هو في الحقيقة استسلام) مع الكيان الغاصب
قليلة كل المطارات و الطرقات و كل ما هو جحر أمام الدمار الداخلي الذي يشوه الانسان فينا
بلى: الانسان! الرأسمال الوحيد الذي نملكه و نريده يظل عالياً عارماً بالقيمة و المكانة في هذا العالم الغبي
(اللعنة, ثمة قصف جعل البيت يرتعد الآن)
وأنا هنا, جزء من شعبي و ناسي, أقول لمن فوضوا أنفسهم بمجرد وجود هذه الارزة على بطاقات هويتهم, او من يروون في عروبتهم امتيازاً لتحليل ما يحدث: أصمتوا الآن
إسكتوا , لقد سمعنا من هرائكم و سفسفطة كلامكم ما يُغثى.وعليكم ان تسمعونا ونحن قررنا: سنصمد حتى الرمق الاخيرة و النفس الاخيرة و الشهيد الاخير
كفى رياءً ومخاتلة لأنفسنا.ليس ثمة من بدأ و اخترق و تعدى الآن
ولا تحصروا فهمكم المبسط فقط في "الآن"ثمة ما يدور هنا منذ 1948, الا تعوون؟
ثمة كرامة عالية متعملقة على كل جراحها انتصرت على الكيان الذي يتبجح بجيش "لا يُقهر" مرة إثر مرة: من بيروت 1982, الى صيدا وصور 1985, الى ارنون 1997 حتى انتصار ايار 2000, وجاء 29 كانون الثاني استكمالاً لنهج الصاعدين الى جحيم الحياة , جنة الكرامة, بتحرير اسرانا
::
عن الآن كما تريدون
يعجبني في وسط كل هذا الموت, من يسوي ربطة عنق ويستعد بفرح غبي للظهور على شاشة التلفزيون ليقول: هالمرة حزب الله بلش
هالمرة الاسم حزب الله, ولكن الاسم كان دوماً "اسرائيل"و"هالمرة" لم يعتدِ حزب الله, بل مارس خلاصة وجوده: قاوم, وبعد سيقاوم بنا وبكامل استعدادنا للموت على شرف الكرامة, لا العيش على القيد_القيد الصدئ_للحياة التي تُراد لنا
ماذا فعل حزب الله "هالمرة"؟
إخترق الخط الازرق لأسر جنديين غاصبيين لمبادلتهما بأسرى لبنانين و عرب يفوق عددهم العشرة الآف اسير؟
حسنٌ: سنكون ملكيين أكثر من الملك ونذهب مع مرددي هذه الترهات الى النهاية: اين كانت تحليلاتكم الجهبوذة هذه في كل مرة خرق سلاح الجو الصهيوني سيادة لبنان الجوية؟
اين كنتم حين خُطف الصياد محمد فران من المياه الاقليمية اللبنانية؟
اين كنتم حين اغتال الصهاينة قادة في حركة الجهاد الاسلامي في وسط صيدا منذ فترة أقل من شهرين؟
أين أنتم وكل يوم خروقات للصهاينة على "سيادة" لبنان؟
أين ألسنتكم الطويلة حين إنكشفت رؤوس شبكة من العملاء المدججين تجهيزات وحقد ؟
كل ذلك الوقت الذي ما عاد "الآن",ما سمعناكم تقرعون رؤوسنا ليل نهار بكلامكم المنمق حول ما يجب ولا يجب ان يكون.والآن تحكون؟
اسكتوا رجاءً
ثمة أصوات أعلى من ما تحاولون الحديث عنه للظهور بمظهر العارف ببواطن الأمور
أصوات القصف التي تهز قلوب أطفالنا, أصوات العويل الذي يسحق ارواحنا
ثمة أصوات تشظي البشر: أهلنا, ناسنا , شعبنا الذي يدفع "الآن" كما دوماً, فاتورة دم غالية بالأصالة عن نفسه و بالنيابة عن كل شريف و حر على هذه الارض
و"الآن" شعبنا يثق بهذه المقاومة التي ما وظفت دم شهدائها و لا شهداء الوطن في حسابات سياسية داخلية ضيقة
ويثق بسيد هذه المقاومة التي قدم على طبق من إيمان , فلذته و ابن روحه الشهيد هادي.شعبنا يثق بذا العمة لأنه يعيش مع شعبنا الوجع و يرفع معه رايات النصر
وذا العمة و البسمة و الهدوء الواثق في عز المعمعات قال ان الصبر سبيل انتصارنا, ونثق به
شعبنا الذي ليس شيعياً بكامله _كي لا تلعبوا على هذا الوتر البغيض المتأصل فيكم_وشعبنا ليس غيبياًً بأغلبه _كي لا تحيلوا الموضوع الى ايمان بالماورائيات
أنا التي تكتب علمانية غير شيعية و غير غيبية بالمرة, ومع ذلك: في معركة الكرامة, انا مع المقاومة و"الآن" أنا مع حزب الله
وكنت دوماً مع حزب الله مقاوِماً ومدافعاً عن كرامتنا جميعاً, لا شيعيين ولا حلفاء سياسيين , ولا فقط لبنانيين, بل شرفاء هذا العالم القليل الشرف و الملطخ بعار صمته عن مجازر يومية إرتُكبت بحق شعبي و أهلي منذ قام الكيان الصهيوني على أرض مُستلبة وعلى حقوق مُغتصبة
وسأكون أبداً_وجزء كبير من فسيفساء شعبي في الجنوب وشعبي الحر في كل مكان في العالم _مع كل من يحمل رايات الحرية و العزة ليعليها بكل وسيلة و سبيل أمام كل ظلم في الكون
الآن يا سادة الوقت الذي يداهمنا بالموت و أنتم في مطارح الكلام الذي لا يُكلف كثيراً تمرحون: "الآن" نعلن أننا قررنا ان نخوض معركتنا الاخيرة هذه حتى النهاية: نهاية كل الاشياء, نهايتنا نحن او إنهاء وهم الصهاينة بأنهم يقدرون ان يمرغوا إنسانيتنا و كرامة وطننا في وحل خروقاتهم وطين عجرفتهم متى أرادوا
::
"عن ما يتبع "الآن
في معرض من يحكي عن "التوقيت الخاطئ" و"الموسم السياحي", والبعض غامر بمواسم كاملة من حياة البلد سابقاً و إختار دوماً تواقيت سيئة لبدء حروب صغيرة بدم شعبنا, يقول بعض القائلين: هل يستحق اسيرين صهيونيين تدمير بلد بأكمله؟
أعكس لهم السوأل ليتفضلوا بحنكتهم العالية لمحاولة الاجابة عنه: الا يستحق 10 آلاف اسير في سجون الاحتلال_ منهم 3 لبنانين مؤكدين_ ان نحاول تحريرهم بكل ما يلزم للحرية؟
وأسألهم: هل المسألة هي فقط جنديين؟
وقبل ان يفكروا في اجابات مبسطة لأسئلة كبيرة, خذوا جواب الناس الذين اشك انكم تعرفون كيف يفكرون : يستحق أسرانا أكثر من بنية تحتية لبلد لم يُصغ بعد هويته الوطنية الجامعة, والمسألة حتماً ليست جنديين فقط
المسألة هي "تكسير رأس" الشعب الذي احتضن المقاومة عاماً بعد عام, منذ "جمول" التي انجزب جزءً غير قليل من تحرير الوطن حتى (حزب الله الذي إستكمل الحرية حتى مزارع شبعا و الاسرى (ولنا تجربة في مصداقيته في موضوع الاسرى كلنا نذكرها ونعيها
هذا الشعب الذي يظل_ على هشاشة النظام السياسي الذي يحكم بلاده_ اقوى من محاولات الحل الفردي سياسياً, فالمسألة لا تكمن جذورها في السياسة هنا, بل في تركيبته الاجتماعية و النفسية: هذا شعب عنيد و مقاتل
شعب أطلعته جبال شماء, وارض كلما تحبل به يناضل: من شتلة التبغ الى شوكة البلان وزهور المروج
هذا الشعب_شعبنا_ لا يُريح عدونا بعناده, وسنظل على إقلاقنا لراحة مغتصبيه ووجوده البغيض على الارض الحبيبة المُستلبة
والمطلوب "الآن" ودوماً كان مطلوباً و سيظل مطلوباً: الصمود
وشعبنا كبير فيه وعالٍ على الوهن في خياره الكبير هذا.ولكن الصمود ليس فرشاً و اكل ومواد طبية ومحروقات فقط: الصمود ثقافة نحتاج تعزيزها الآن أكثر من اي وقت
نصمد عن كل الوطن, أفلا يحق لبعض هذا الوطن المُعترض على خيار لا سواه لنا ان يدعم صمودنا؟
اذا لم يكن بكلام رفع المعنويات و دعم الارادة, فليكن بالصمت عن سواهما
ارجوكم: أما اخذتم بعد حصتكم من الكلام المغامر بدمنا و أعصابنا أكثر من ألف قذيفة و صاروخ؟
لو ما شبعتم: سريعاً "خذوا حصتكم من دمنا و انصرفوا"** الى صمتكم
ما نواجهه الآن حتماً تعدى اسيرين صهيونيين, وتعدى مسألة قرارات الشرعية الدولية التي تحت خيمتها الزرقاء احرقت اسرائيل 106 مدنيين لبنانيين (منهم طفلين حملة الجواز الامريكي) في قانا 1996
وهم_اصحاب الخوذ الزرقاء_رفضوا بالامس فقط ايواء عائلتين من قرية مروحين الجنوبية بحجة "الخوف من تكرار مجزرة قانا", فتكررت المجزرة بكل الاحوال انما بدون الخيمة الزرقاء ( الان افهم ان لا فرق بين من على رأسه خيمة زرقاء وبين المكشوف الرأس الا (عن رحمة ربه
نواجه الآن عدواً يريد كسر الارتباط بيننا كمدافعين عن حقنا بالحياة أحراراً , وبين أهلنا الفلسطينين في نضالهم الدموي لتأكيد حقهم في الوجود أحراراً أعزاء كرماء على ارضهم الحقيقية
نواجه عدواً لا يعترف بأي خط لا احمر و لا أزرق و لا أخضر, وعليه: نحن الضحية التي تُحاكم على أنها الجلاد نرفض احترام اي خط واي ميثاق و اي تعهد الا "حقنا" في ان نكون او لا نكون
ومن جوقة من صمتهم ملح و ضروري الآن, كل من يحكي عن عدم زج "فلسطين" في "ازمات اقليمية"بلى هو "رئيس السلطة الفلسطينية" التي هي حكم ذاتي يشابه في وجوه كثيرة الادارة المدنية التي خلقها الصهاينة في جنوب لبنان أيام الاحتلال, والتي لا ترقى الى ابسط مقومات "الدولة المستقلة" ولا عادت "حركة تحرر وطني" اساساً
هو الذي كان شاهداً و فاعلاً في زج كل بلد عربي في ازمات و دوامات لأجل فلسطين (ولا منة منا في ذلك, ففلسطين قضيتنا بنفس القدر ال(ذي كرامتنا في لبنان قضيتنا
نحن الآن, الشعب الحقيقي الذي دمه يصبغ العلم الوطني و الوجود بشرفه نعيد اللحمة الى القضية التي فككتها مغامرات الساسة : نحن نريد حريتنا, نحن شعب الاحرار نريد ان "نموت بعزة ولا عيشة معزة"** ا
وبتنا أكثر ثقة ان "النصر آتٍ آتٍ آتٍ" كما قال سيد المقاومة وحبيب ارواحنا الذي تشيع الصهيونية عبر اعلامها انه اُصيب في غارات الليلة الطويلة الفائتة على الضاحية الجنوبية لبيروت
سننتصر حتماً, فليس ثمة ارض لم تلفظ محتلها في التاريخ, وليس ثمة شعب لم يأكل لحم المُغتصِب
فالصهاينة, وللمرة الأولى في تاريخ الصراع معهم, يتألمون, يتوجعون , يحصون الخراب و الضحايا و لا يتماسكون
نحن نتماسك لأننا اصحاب الحق الذي لا يحتاج الا قليلاً من الصب ربعد _وربما كثيراً من الدم_ لينتصر
أما هم: فلا اسلحة الجيش و لا العقيدة العنصرية منعت تدمير هيبتهم كأقوى جيوش العالم و أمنع حصون القومية, جنودهم اسرى لمن يعتبرهم العالم "ميليشيات"وثاني اقوى بوارج اسطولهم الحربي لا تنفعها دفاعاتها الممتازة و الدقيقة في رد صواريخ الحق
لقد بدأت هزيمتهم منذ بدأ كيانهم, برفض الفلسطينين لمحو هويتهم العربية, ولكن الدعم الدولي المطلق مكنهم من الخروج من كل ازمة وجود وقعوا فيها بحل منفرد وجزئي مع كل دولة عربية على حدى :اوسلو بعد الانتفاضة الاولى, واتفاقية "السلام "مع مصر بعد حرب العبور, اما السلام مع الاردن, فمنذ متى كانت المملكة_سياسياً_ بأغلب ملوكها الا صهاينة بجوازات شرق النهر العربية؟
اليوم لا حل يا دولة بني صهيون: وصلنا الى آخر العناد و آخر السياسة وآخر كل الاشياء
محاصرون انتم وألف أحمد و أحمدة عرب يصرخون بدمهم "أنا أحاصركم"من غزة جنوب فلسطين التي تريدون تأديب شعبها لخيارهم الديموقراطي الذي لا يناسب اجندتكم للمنطقة "حماس", والتي كسر شعبها الاسطوري العناد طموحات مشروعكم الاستيطاني وأجبركم على تفكيك مستوطناتكم وهربتم من ارضها التي تشتعل ناراً تحتكم ولم يُفكك ذلكم بعد, الى جنوب لبنان: مكسر عصاكم ومشروعكم التوسعي دوماً لأن ارضه تحبل بالثوار و الشرفاء و الاحرار دوماً
::
وكي لا أقع في إنشائيات شعبي برهن انه بغنى عنها, سأكتفي بأن أؤكد بلسان شعبي الذي أموت الآن راضية و أنا على ذمة كرانته العالية و صموده الغالي "سننتصر حتماً, فلا يمكن ان لا يكون كل هذا الدم الا ثمناً للنصر الحقيقي" ا
تشظيات هذا "الآن" ا
تحكي "دولة اسرائيل" الآن عن سلاح ايراني يستخدمه حزب الله ويرد بعض القوالين عليها ويرددون كلامها القميئ
سوأل غير برئ بالمرة: هل فتح الحكام العرب مخازن اسلحتهم المهترئة التي يدفعون اثمانها بالمليارات سنوياً لتُستعرض في الاعياد الوطنية, لحزب الله و للبنان الشقيق يدافع عن وجوده و رفض الحزب او أهل لبنان؟
وأسلحة الصهاينة, ما هي؟ أليست أمريكية الصنع بامتياز؟
ارجوكم اسكتوا عن هذه ايضاً, نصاب بمغص شديد اذ نسمع مثل هذا التقيوء اللفظي هنا
يحكي "بوش" الناطق الرسمي بإسم الله على الارض عن "حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها" ويضيف الغبي :ومن حق كل أمة ان تدافع عن نفسها
وما نحن يا وجه الكلب؟
ألسنا أمة يحق لها الدفاع عن نفسها؟
ولكنها الازدواجية التي رضي بها الحكام العرب يوم قدموا الولاءات و الطاعات للرب الامريكي و ركنوا شعوبهم و كرامتها الوطنية و الانسانية على رف ملئه الغبار و الصدأ والقيح (وهذه الشعوب نفسها تتحمل جزءٍ غير يسير مما حل بها من قمع و ترويض على الخنوع و (الذل
عن الحلف مع ايران
شرف لنا ان نتحالف مع قوة استطاعت الى القوة النووية والاقليمية و العالمية سبلها رغم الحصار الاقتصادي منذ العام 1979, وتساند مقاومتنا و صمودنا في احلك الاوقات, على الحلف مع الامريكان الذين يخونون حلفائهم عند اول ما يمس باسرائيل, ربيبتها في المنطقة و العالم.والدليل ما يحدث مع حلفائها اللبنانيين الذي خذلتهم بشدة اليوم
والاهم, ان الحلف السياسي الاستراتيجي مع سوريا (مع ألف تحفظ على عدم وجود مقاومة لا شعبية و لا نظامية في الجولان المحتل) يثبت اليوم انه حلف يمكن الاعتماد عليه اكثر من التدخلات الامريكية في بلادنا و التي تتحول الى جهة الصهاينة اول ما تُمس مصالحهم
الاخوة العرب
تفرحون لانتصار الجنوب وتظنون انه نصر سهل؟
افتحوا عيونكم جيداً و نظفوا ذاكرتكم: لقد كان ثمنه دماً كثيراً وشح وجودنا حتى أطلع النصر الغالي الذي لن نفرط فيه
الآن لا نريد دعمكم , لسنا فقراء المال, انتم فقراء العزة حين ترضون لحكوماتكم و حكامكم المتصهينين الراكعين على اعتاب الرب الامريكي الجديد ان يصادروا شرفكم و عزتكم
لا نريد منكم شيئاً, عودوا الى نومكم, لا ستعيدون بكل اموال الدنيا ونفطها عائلة هدى غالية, ولا ستجمع تأوهاتكم الصامتة بينكم و بين شاشات تلفازكم اشلاء اي من الشهداء الكثر المرشحين للتزايد في العدوان المتجدد على لبنان الآن
عودوا الى انشغالاتكم الاهم من الكرامة, لا نأسف للازعاج, نأسف لقلة شرفكم في زمن يصنع فيه دم الاطفال كل شرف الوجود
الشرعية الدولية
هل من يشرح لي معنى هذه المفردة؟
أسمع بها دوماً حين يقرب الامر لدولة اسرائيل ولا اجد لها تفسيراً حين يتعلق بنا
"الاعلام"
كونوا عيناً تنفتح الى اقصى حد لتروا كل شيءكل شيء: انتم الامناء على الحقيقة التي يمكنكم الوصول اليها
مناضلو العالم لأجل الحرية
أيها الاصدقاء: انتم الآن صرختنا اذ صوتنا مخنوق, وندري ان رحل صوتنا فلن ترحل حناجركم****لقد شهدتم وعرفتم وعليكم ان تقولوا الحقيقة كما عرفتموها بيننا : في بيوتنا وبين ناسنا و على وقع طيبتهم و قلوبهم الكبيرة و ايمانهم الفطري بحقهم في الكرامة
احكوا للعالم ,احكوا له ولا تدعوا الظلم يخنق صوتنا بعدما جرب طويلاً ان ينام على دمنا
انتم صوتنا, فليتسع للحق الذي تنطقون به كل الصدى
شعبي
يا شعبي يا بطل بفديك بعينيا
افكر بهذه الاغنية كلما اهتز بدني لقصف او غارة, وكلما بكت روحي لمشاهد الاشلاء البشرية التي قد أكون بعضها لاحقا: ًافكر انكم الناس الحقيقيين وحدكم, وانكم ما يستحق الموت لأجله و ان الارض التي تدوسونها تتقدس بصمودكم و عنادكم لذا تصير أغلى و اثمن في كل منا كفرد وفي وجودنا الجمعي كشعب واحد يصمد بكله ويتضامن بكله الآن أمام تهديد وجوده الحقيقي
وانتم كل الحكايا التي ربما لن تُحكى ابداً , ولكننا نعرفها .وجيلاً بعد جيل سنكبر عليها : احراراً صامدين اقوياءوسنصمد معاً او نموت معاً سنكون الآن او لا نكون ولكننا حتماً سنبقى شرفاءً اشداء على مبدأ :ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّ
::
عروسة: كلمة عامية في الجنوب تقال عن السندويشة *
شكراً محمود درويش, واعذروا عدم توثيقي للقصيدة و الديوان اذ اكتب و صور تتعرض للقصف الآن**
من الاهزوجة الشعبية المنتشرة في فلسطين و جنوب لبنان "يويا"***
اغنية الفنان السوري سميح شقير "حناجركم"****

كتير حكي: عن اولى المفاجآت

القصف على كل البلد

مثل هذا اليوم صباحاً ذهبت باكراً لأشتري خبزاً للبيت, لم يكن ثمة رغيف في افران صور, اخذت السيارة الى الفرن الوحيد العامل على المدخل الشمالي لمدينتي حيث ستكون محاولة إنزال للكوماندوس الصهيوني لاحقاً
حشريتي لرؤية الشوارع المسقوفة بهدير الطائرات جعلتني استعجل جلب الخبز لأقود بحذر و تمهل حول مدينتي لأتمكن من تصوير الهدوء المخيف الذي يشل حركة الناس كلهم: اهل صور و كل القرى المحيطة فيها

لا احد, سيارات عددتها اقل من عدد اصابع يدي وقتها مرت في تلك الجولة في الشوارع التي تلف المدينة و توصل قرى الجنوب بها وببعضها
صعقني كل ذلك الصمت, فقط "ام كامل" تطنطن لتملأ المدى. وأم كامل هي طائرة الإم كي التي يدعوها الجنوبيين بهذه الكنية ويسمونها ايضاً الطنانة و الزنانة نظراً لكمية الازعاج المركز التي تبثها في الاعصاب مما قد يدفع اي امرء الى شفيرالجنون,ولكني لاحقاً صرت اشعر بالصمت حقاً حين لا يكون صوتها خلفية موسيقية لايامي

اوقف السيارة قبالة شاطئ صور الجنوبي, و اشرع كميرتي لتلتقط اللحظة المباغتة في وضوح صورتها: بارجة بهيئة كاملة الوحشية تنتصب في مهب الازرق الذي اعشق

صوت يخرق الهدوء الفظيع, و يسأل: انتي صحافية؟
ارى شاباً مختفية ملامحه وراء الاسود الذي يغطيه, اقول له اني لست كذلك, فيقول لي : وليش عم بتصوري؟

للذكرى_
طيب تسهلي يا اخت, الوضع مش منيح وانتبهي ع حالك" ويختفي"

مع اقتراب الام كامل وارتفاع هديرها, احاول ان احافظ على اعصابي ثابتة وانا اعيد تشغيل السيارة, واول انطلاقتي تفجر غارة هادرة اصواتاً كثيرة في رأسي
استعجل الوصول الى البيت, نسيت تلفوني , وماما حتماً ستكون قد اكلت رعبة
اجدها على البلكون , تتلقفني بصراخها من الطابق الخامس :وينك؟
اطالعها بربطات الخبز التي جلبتها لبيتنا و اقاربنا و الفائض منها التي قد نعوزها في ايام
لاحقة نحن او الجيران. اقول لها بدلال تحتاجه لكي لا تنفجر غضباً_أظنه مستحقاً قليلاً_شو بعمل الفرن عاجق
تهدأ قليلاً وتخبرني انها جنت حين حاولت الاتصال بي ورن هاتفي في البيت
اخوتي كانوا بعد نياماً قبل الغارة و استيقظوا مرعوبين بدورهم, وشلهم انتظاري لتلك الدقائق التي لم يعرفوا عني فيها شيئاً
اخي يحضنني بقوة و يقول لي اني كلبة و انه كان علي ان انتظر ان يستيقظوا ليحضر احدهم الخبز, يمازحنا صغيرنا, ويقول: مش عارفها يعني؟ اختك بطلة, ونضحك

بلى:كنت بطلة ذلك الصباح, بطلة الرغيف و الحظ الذي انقذني من الموت احتراقاً مع محطة البنزين التي كانت اخر نقطة وصلت اليها في جولتي حول شوارع المدينة. شوارع المدينة التي ما كانت لكل الناس,ولا حتى لحدا! بل كانت ذلك الصباح لكل الخوف والقلق مما قد تمطره علينا بغتة السماء

::

بعد قليل, سأحاول ان احفظ صور ذلك الصباح على الكمبيوتر دون ان يراها احد من اهلي كي لا اخيفهم بالمزيد من ما اعتبره جرأة و يسمونه جنوناً

سأنجح , و سأخفي الملف حتى ما بعد الحرب, حين سيكون جنوني قد وصل ابعد مدى, وسيرونه و لن يوفرني ذلك من غضب متأخر مما يمكنني ان اثيره فيهم من قلق عليّّّّّّّّّّّّ بما يعتبرونه سوء تقديري

::

في الحرب كانت لي نظرية بسيطة"عليّ بالنوم متى أمكنني, حيث لا اعرف اذا ما سيكون من مجال لنوم في الغد", وكنت اطبقها كلما حظيت بلحظة مؤاتية لأضع رأسي على اي مخدة
ولكن ذكريات الصحو من نوم الحرب المتاح سيئة حقاً, يومها افقت على خبر مجزرة مروحين

::

المشاهد المكرورة لمجزرة المنصورية التي اقترفتها الطائرات الصهيونية في عملية عناقيد الغضب عام 1996, تكررت هذه المرة بصورة اكثر فداحة.

مجزرة اهل مروحين ايضاً فرمت الاجساد البضة ل26 فرداً من عائلتي عبدالله و خالد على الطريق الى الناقورة , الطريق التي احبها لأنها تقودني الى فلسطين

::

من اين يأتيني الدمع بعد؟
يا الهي: عام مضى, ولم يزل الجرح طازجاً, وينزفني دمعاً مريراً كما لو ان الغبار الذي لف الاجساد المعلقة على وجه النهار و اعين الكميرات ومن وراءها العالم لا زال ينعف في وجهي و يصبغ ملامحي بالرمادي



طيب: لماذا اكتب كل هذا الآن؟
احياءً لذكرى الحرب؟ ام توثيق بمفعول رجعي للتجربة التي طحنتني حد الوصول الى الحد الفاصل للموت حقاً و ورؤيته بعينين تدمعان من الغبار و مع ذلك تحدقان بأخر تفاصيل الحياة بقلب مفتوح على التحدي؟
لا اعرف حقاً, ولكن الاكيد اني احتاج ان افرغ روحي مما فيها من تراكمات بقيت فيّ منذ تلك الايام العصيبة

ايام الموت و النصر الذي صنعه الدم و التحدي و الصمود, ولست ارى شخصياً اين للالهة يد فيه

::

اين كنا؟
اه: في تلك الجمعة الحزينة نهاراً و الصاعقة بالافراح المسعورة التي اندلعت من كل قلب و بيت و حنجرة في ذلك الليل

يومها, طلع بدر المرحلة علينا و حكى: مهموم وفي عيونه قلق يوازيه فقط التصميم على ان لا يهون و لا تهون في فيء حكمته البلاد و كرامة ناسها

حكى السيد حسن: بوضوح و بساطة و بأكثر الطرق مباشرة:
في عرض البحر, البارجة الحربية التي اعتدت على بيوتنا وقصفت اهلنا ومدنينا , انظروا اليها الان: ستغرق ومعها عشرات الجنود الصهاينة

وانقطعت الكهرباء في صور
::

دقيقة او اثنتين مرتا كدهر علينا في الظلمة, لم نعرف اذا ما كانت تلك مزحة ثقيلة من قدر عابث, او انها فعلاً اولى المفاجآت التي وعد بها السيد حسن؟

حين يعود الضوء الى ليلنا, ستهل معه التكبيرات وصرخات الفرح المجنون, فقد صدق الامين
كنا لا نصدق ان ذلك يحصل حقاً: نحن نعيش التاريخ! هذا تاريخ اجمل من ان يغالط المرء فيه نفسه: نحن نعيش تاريخ النصر على الصهاينة, وذلك فقط بداية لتحقيق وعود السيد بالمفاجآت
"يا سيد النصر تمسك بالفرح" و قد تمسك بفرح كرامتنا سيد المقاومة, وتمسكنا به و بسلامته و فرح قلبه بأهداب عيوننا
شاشات التلفزيون صارت تعرض مشاهداً لا نميزها حقاً من هول المفاجآة علينا نحن ايضاً: فكيف بالصهاينة المغرورين؟ والشوارع طفحت بالناس: العاب نارية ظنناها قصفاً, ثم اخذتنا الفرحة حتى ما عاد ليهمنا لو قُصفنا حقاً في لحظة مجد كهذه
وحلوى يوزعها الناس على بعضهم, والرز يملأ الفضاء والصراخ يعلو كل الحكي,والضحكات: ياااااااااااااااه ما اجملها الضحكات المضاءة بدمع العيون و القلوب المستعدة حقاً للموت في لحظة كهذه
جننتنا الفرحة, جننتنا!


الجنون ليس ان اذهب الى حدود الخطر بسيارة او على قدمي (وهذه فعلتها و افعلها كثيراً): الجنون هو ان تعلن فرحك على اعين عدوك الذي يتربص بأرضك و بحرك و سماك التي تصير صغيرة ضئيلة امام هائل الانفعالات التي تقصف بها غطرسته
الجنون ان لا تشعر بأنك تملك العالم بين رموش عيونك "حرفياً" لأنهم يذرفون دموعاً مثلك ايضاً: مع فارق جوهري و تفصيلي غير بسيط بالمرة, انهم يبكون الهزيمة الاتية حقاً

وكيف لا تجن ؟ والمقاومة من قلبك ومن خلفك و امامك, وما لهذا العدو سوى ان ينهزم

ذلك الليل كان حلقة من سلسلة طويلة من الفرح الذي عشناه برغم الدم و الدمع و الدمار و الغبار

ذلك الليل لا زال ممتداً لليوم فينا, وكيف لليل ان يمتد سنة؟

يمتد صدقوني: حين يكون المرء من امة النصر والارادة, فإن التواقيت تختلف والمواعيد نختلف, وكل الاشياء تختلف

::

وبما اني سكرى الآن تماماً بذكرى اللحظة التي تعيد شاشات التلفزيون بثها وانا اكتب هذه الكلمات, فسأقوم لأحدق في عام مضى و لأستعيد الفرح الذي كما الجرح, يبقى طازجاً, ويبقيني على المعنى الحقيقي للانسانية





إبتسامات

لهذه الايام ذكريات لا اعرف كيف احكيها, ولا اعرف اذا ما كان أصلاً من حكي اقولها عنها و يغطي ما لها من اثر في روحي
هي أيام نستعيدها على وقع ذكرى الحروب التي ارادت ان تمزقنا بكل شراسة العام الماضي: من دولة الكيان الصهيوني مرات, ومن عملائها و مريدي الذوبان في نسيج واحد معها مرات و مرات
ومع ذلك: لم يقدروا, ولن
::
في 11 تموز 2006, عدت من عمان الساعة الحادية عشرة ليلاً, قضيت ليلتي في بيروت, وعدت في السادسة من صباح 12 تموز الى بيتي في صور لأن ناموس بيروت "أكل من لحمي شقفة"", عدت اندس في سرير ماما, استيقظت و قبلتها بدلال ناعس, قلت لها ان لدي الكثير لأقوله "بس اصحصح" سألتني : انبسطتي؟ واجبتها وعيناي شبه مغمضتان "كتيييييير, بس افيق منحكي"ونمت
نمت حوالي 3 ساعات قبل ان توقظني ماما بصراخها المتكرر"قومي السيد حسن خطف جنود اسرائيلين", لوهلة لم استوعب, ثم استوعبت و انا انطنط فوق السرير و اصرخ: حسون ؟ حسون؟ حسون تبع نحنا تبع المقاومة حسون؟
وماما تضحك لجنوني المعتاد و الفرح يوقظ بيتنا و كل ابواب الجيران و القلوب تنفتح لأستقبال اسرانا العائدين عما قريب تحقيقاً لوعد الحرية
اركض الى الهاتف, أطلب "ام سمير القنطار" اريد ان اقبل روحها وازغرد لأمومتها التي نتفيأ في ظلال محبتها انشودة جذل طويلة, تخذلني الخطوط التي لا شك كانت تتلقى ضغط نبض قلوب كثيرة تريد ان تبارك لهذه العائلة فرحة حرية ابننا: ابن الوطن و الحق والمقاومة التي وحدها تصنع على الارض شريعة العدالة
::
بعدها بساعة و نصف: بدأ الموت ينهمر على الجنوب بجنون , وعلى مدى الايام الثلاثة و الثلاثين التي تلت, صار الموت يراقص لبنان بكل اهله و ناسه من اقصاه الى اقصاه
::
ومضت الحرب, ومضينا الى الشرق الجديد
شرقنا الذي فيه دمنا فيصل ويولد من مخاض عنادنا اللازم بالدرجة الكافية كي نعيش او نموت احراراً, وشرق ابتساماتنا نشرعها في وجه كل الموت الذي سببته آلات الدمار و الموت الهمجية وكل ما وراءها من عقول شريرة وخطط حاقدة
ابتسامات لي منها نصيب غير قليل ابداً, اغلاها تلك التي اشهرتها في 19 تموز 2006 من فوق آليات الاحتلال التي تُركت بعيد اندحارهم عام 2000 في ما تبقى من معتقل الخيام:كان الدمار الذي مررنا به اكثر من ان يتحمله انسان, كنا نحبس دموعنا انا و اصدقائي الذين خضنا تراب الجنوب من الناقورة حتى مارون الراس وبنت جبيل وصولاً للخيام
وحين وصلنا هناك, بدأت اميرة بالبكاء و هي تردد"كل هيدا", وانا قمت بردة فعل لا زلت اسعد مني أني اتيتها حتى الان: وقفت فوق جيب صهيوني كان للذكرى في باحة المعتقل"ككل المعتقل الذي صار اثراً بعد عين" وصرت ارقص و اصرخ: كل هيدا و ما فاتوا, كل هيدا و ما اجتاحو,كل هيد وما انكسرنا
::
لا ننكسر: شعبنا العصي على المذلة لا ينكسر برغم كل شيء
واليوم: انظر سنة الى الوراء, وابتسم من كل روحي, لأهلي و ناسي, للمقاومة التي اتقوى بها و تتقوى "فكرة و مبدأ و نهج حياة و كرامة" بكل من فينا
وانظر الى حاضرنا, نحن الذين من تعبهم و شقائهم و قلقهم وفطرة الرفض فيهم اذلوا جيش الكيان الذي كان لا يُذل قبلنا, نحن الذين تنتظرنا فلسطين على وعد طال 59 عاماً, لم يزل نضراً و بهياً و شهياً كما بلحات دار سيدي المتروكين على عجالة في حيفا
وابتسم
وأنظر في غدنا: ارى أطفالاً يلملمون الفراشات عن وجه الفضاء, يسرونها حكايات من مضوا قبلهم على هذي الارض و تحت هذي السماء, فتنظلق الاجنحة من بين ايديهم تخفق اسرع نحو الشمس علهّا تضيء بمثل نورهم الذي يغطي شمساً و كواكب و نجوم
وابتسم: ابتسم لأن الدنيا, برغم كل الموت و الدمار و الدم, تبقى بمن مثلهم ومن مثلنا على عهد لوفاء دنيا
وتبقى براحاً لابتسامات نطلقها كل لحظة راية انتصار وكرامة لا تنحني
فكيف بمن عاش كل ذلك, وبعد مما لا يُحكى ان لا يبتسم؟

جوليا: بك يتشرف الشرف


أقل من سنة مضت على إطلاق حملة "أحبائي" التي قررت الفنانة جوليا بطرس ان يعود كامل ريعها لعوائل الشهداء الذين ارتقوا بشرف الارض و الانسان فينا في خضم حرب دولة الكيان الصهيوني على لبنان صيف العام 2006

واليوم أطلت الفنانة بوجه تسري في ملامحه تفاصيل الهم الذي يحيق بالبلاد, وبدموع ثمينة ما اهرقتها الا لطهر الاحبة الذين غنتهم, وأعلنت ان حملة الاحبة قد توصلت , وبفضل الاحبة الى جمع مبلغ 3 ملايين دولار امريكي

نعم: 3 ملايين دولار امريكي, لم تكن مطلقة صرخة التحدي القلب المجروح بكل الكرامة لثوار الارض بحاجة للصراخ كثيراً مع وضد وفي صالح هذا الصف او ذاك, لتتمكن من ما تعتبره ببساطة "واجباً", فقط رفعت صوتها موقفاً بوج كل العته الذي أصاب العالم إزاء تشظي احبائنا بفعل آلات الحقد و الموت الصهيوني
وجمعت مع الجيش من الاحبة الذين يتفيئون بصوتها مبلغاً غير قليل تسهم فيه بالقيام بواجبها تجاه الاحبة و اهلهم وناسهم "نهضة القيم" العاتين على العاتي

::

جوليا الرقيقة كحمامة تغط بمنقارها على تربة القلب فتحرثه حباً, جوليا الوحيدة الواحدة في موقفها كدحنونة تطلع من قلب اليباس في برارٍ قاحلة فتنشر جمالاً اعم من حقول مرصوصة الورود
جوليا التي كان لي في هذه الحياة ان اراها امامي مرات ومرات, اغلاها و اجملها حين كانت تصور "من الاسر إطلعوا" إثر تحرير الجنوب عام 2000, وحديثنا المملوء انفعالات معهاانذاك
تلك البهية كغزال شارد التي رقص صوتها بقلوبنا فرحاً و مجداً "نحنا الثورة و الغضب" في حمى قلعة الشقيف منتصبة بيننا كشراع ضوء ليلتها في براح ارنون الحرة الحرة كقلوبنا
الأم التي مارست امومة جماعية بحق كل انسان فينا حين اتتنا في عز حرب تموز الماضية لتصرخ معنا في ساحة الاسكوا ضد عمالة بعض من في حكومة هذه البلاد الذين يودون وأدها في براثن الوحش الامريكي

و صرخت معنا بعفوية القلب المؤمن حقاً _وبلا حاجة للمسائلات اللا ضرورية_ بأننا ومع كل احتمالات الربما , سنكسر الليل وسننتصر

وانتصرنا
انتصر نهج, ودرب تقدست بدوس خطى الراحلين الى غدهم_غدنا الاكثر اشراقاً, انتصر دمع العين المكحولة سهراً على المخرز الخبيث
بالعزم و الايمان , بكل القوة و المحبة و حجار المنسيين, وشعبنا ومعنا كل ثوار الارض انتصرنا
انتصرنا بناسنا: احبائنا يا جوليا
انتصرنا يا أم, ويا صوتاً من السماء و موقفاً قُدّ من صخر الارادة و الايمان
انتصرنا: انتصرنا لأننا نعيش يومياً على حد ما بدأت به دربك فينا يا أشرف الناس ايضاً منرفض نحنا نموت


::

لماذا يتشرف الشرف بمن مثل جوليا بطرس؟
لأنها وببساطة كاملة: مقاتلة بعتاد كامل من الذخيرة الحية حد دمعها الذي نثرته اليوم فخراً بمن غنتهم تاج رؤوسنا
لأنها التي ما هادنت ولا هانت و لا مالت, ولأنها المستقيمة بين ابعد نقطتين و اقربهما : الموت و الحياة
لأنها جوليا: لا تثير حولها غبار المع و الضد, لمثلها الاجماع الذي لا يحظى به حتى الرب احياناً

صح جداً هذه الانسانة, صح لأنها لا تتلوى, لأنها واضحة و ساطعة, لأنها لا تدعي ان من لا يعجبه فعل من افعالها صبية مرتزقة اوافاقون, بل تحترم اختلافهم و تعمل حقاً على تغيير بنية تفكيرهم التي انتجت موقفهم مما تمثل, وهذه ايضاً مقاومة, ومقاومة ضرورية وملحة واساسية في مشروع النهضة بالانسان الحر في كل منا
::

جوليا, التي رافق صوتك اياماً و ساعات ولحظات اطول من العمر بأعمار, ولمّا تزالين نبراساً لمن قد يضل طريقه

اليوم تؤكدين للعالم ولكل مهتز بايمانه ان المقاومة ليست سوى قرار, قرار صعب وكبير و هائل, إنما متى إتُخذ فستسير على ضوءه الحياة
اليوم تصفعين كل متلون بفعل لا يزاود بأعلام او شعارات او يثير ضجيجاً بلا غلة, وتقرنين الفعل بالغناء_الصلاة: ان حياتك وقفة عز تتغير فيها الاقدار









تنويعات بالرمادي على بحر غزة الملون كرامة

حين يصبح الجند أكثر من شرفات المنازل و الياسمين
وأبواب غزة
حينما يصبح السجن في لحظة مدناً
أين تعلو نوارس غزة؟
حينما يصبح الموت فاتحة للغيوم..للسهول
وأنوار غزة
يخرج الحب نحو الشارع يشعل أقمار غزة
شارعان..زقاق ...وباب ..دم نابض كالحذر
"كلمة السر: "حب
وخطتنا ان نسير الى"عسقلان" و نزرع فيها الشجر
ونمضي الى رفح وهنالك نجني الثمر
:والهدف
أن يكون الفضاء لهي العصافير
لا للرصاص الذي غاص في دمنا و انتشر
"ابراهيم نصرالله_الحوار الاخير قبل مقتل العصفور بدقائق"
غزتي انا لم يصدأ دمي في الظلمات
فدمي النيران في قش الغزاة
وشرارات دمي في الريح طارت كلمات
كعصافيرك يا قوس قزح
أنت يا اكليل شعبي و هو يدمى في القيود
إننا سوف نعود
وعلى درب كألوانك يا قوس قزح
وستذرو الريح أشلاء الشبح
"معين بسيسو_الى عيني غزة في منتصف ليل الاحتلال الاسرائيلي"
كنا نقطة التكوين
كنا وردة السور الطويل وما تبقى من جدار
ماذا تبقى منك غير قصيدة الروح المحلق في الدخان قيامة
وقيامة بعد القيامة؟
خذ نثاري
وانتصر فيما يمزق قلبك العاري
ويجعلك انتشاراً للبذار
قوساً يلم الارض من أطرافها
جرساً لما ينساه سكان القيامة من معانيك
انتصر
إن الصليب مجالك الحيوي, مسراك الوحيد من الحصار الى الحصار
"محمود درويش_مديح الظل العالي"