افكار شخصية جداً

اليوم لما حكيتك و قلتلك في اشيا ما في حدا رح يفهم شو عم بحس غيرك ,كنت و بعدني بعنيها كتير ولاخر الكلمة يا عمتو

من فترة و صارلها الاشيا عم تضرب براسي زي شي طبل افريقي, اشيا خصها بكل شي بيعمل الانسان كقيمة موجودة بشكل يومي وبالمطلق بهالحياة

بعرف اني عم بكتبلك اشيا زي اللي منقراها بالكتب (صحيح, شو عم تقري هالايام؟ انا صارلي فترة مش عارفة اقرأ شي زي العالم والناس)
بس صرت مقتنعة انو هالاشيا هي الحقيقية زي ما الشمس بتعمل النهار و البحر بيفتح المدى ع كل الاحتمالات.
لازم تكون هالاشيا حقيقية مش هيك؟ لأنو لو مش هيك بيكون دم الشهدا شو مثلا؟ و شباب الاسرى اللي مش ضايع فينا ؟ او البيوت اللي تاركينها ورانا وناطرتنا نرجع يوماً؟

يعني شو بدي اقلك تا اقلك, صرت عم بتعب كل يوم اكتر يا عمتو.
هالانفصام بين واقعي و بين شو فعلاً بدي عم بيزيد كل يوم, ويمكن تجربة الحرب و معايشتها لاخر الحد الفاصل بين الحياة باختيار كامل للمبادئ او الموت ع ذمة شرفها, وتجربة انو يشوف الواحد قضيته و ناسه و شعبه و هو شوي بعيد ( مش شوي : كتير يعني ع اساس لهلق عم بجرب ارجع اعوض نوم عن ايام السفر اللعينة لبلاد العم سام), والاحساس المتراكم بأنو هالاشيا بطل ممكن تجاهلها بالروح: يعني كل هالاشيا ع بعض عم بتخليني احس اني رح اطق لو ما حكيت

هياني عم بحكي, معك انت تحديداً لأنو دوناً عن الكل( اللهي يلعن هالمفردة : انو حدا منخصه بمكانة غير عن باقي البشر منقول عنه"دوناً" شو هاللغة العويصة هيدي ؟) لأنو فوق الكل, وفوق الحدود و فوق الاحلام المبتورة, قادرين نتواصل بشكل احسن من اللي بقعد معهم يومياً و بيفكروا اني عم بقرب ع الجنون.

من كم يوم تعشينا سوا مع العيلة, كانوا تقريباً الكل هون, من زمان ما اجتمعنا هيك جمعة, كان بس ناقص انتي و عمو خالد وفاديا( شو بتكون كلمة بس سخيفة لما بتقصد تقريباً اكثر من التلت الباقي من العيلة! بس قلنا يا عمتو: لغة عويصة)
بتعرفي عيلتنا: انتي اكتر وحدة بتعرفي صعب ما نحكي سياسية( شو نحكي: نصرخ و نناقش بالدرجة الاقل مباشرة من حمل السلاح ع بعض عشان مواقف بعتقد بتعرفي كيف صارت متشكلة بيناتنا), كان عمو عمر رح يصيبه جلطة: تخيلي صار عندو انفعالات كرمال موقف سياسي اكتر مما بحياتي شفته بينفعل لأي موقف بالحياة!
بعد الوصول للحيط المسدود بمسألة اقناع بعض بشي وجهة نظر غير اللي بلش كل واحد فيها الحديث ( بس رجعنا ع البيت قلت لماما انو في وجهة نظر بالحكي اللي سمعته: بهدلتني و قال شو "بششششششششششش صايرة جنابك تدافعي عن جماعة 14 آذار؟") شو كنت بدي اقلك؟
ايه : كنا عم نضب الاكل و انا بالمطبخ مع هنادي قالتلي بما يشبه النصيحة اللي عم تجرب تخبي الشفقة" لا تعملي زي عمتك و تروحي عمرك بالجنون " طبعاً انا انصدمت ( مش عم بلحق صدمات مؤخراً يا عمتو, اسوأ شي بهالحياة طلع انو اصدق شو بيحكوا الناس عن حالهم, يمكن لازم ابطل اقبض اي شي جد من اي حدا, ولا يمكن من حالي حتى عشان ما ارجع انصدم بعدين مني)

هاتي قوليلي كيف بدي اجرب اشرح للي حواليي انو غير هيك ( هيك يعني اللي هني شايفينو جنون في فيي و بخياراتي بالحياة) بيكون الجنون و بيكون ضياع عمري ضيعان يا عمتو؟
مرات بطنش و بقول انا بمارس حياتي زي مقتنعة,مهوي كل حدا بيعمل هيك. بس مرات لما بتعب, وما بلاقي حدا احكيلو من اللي حواليي, بضطر اني اصرعك و انتي صايرة زي جبل المحامل, وبخاف ازيد عليكي اشيا خاصة فوق الاشيا العامة لأنو ع الجنبين شو بدك تحملي لتحملي

بس شو عندي خيارات غير يا عمتو؟ بحاجة احكيكي لحتى احس انو في حدا عم يفهمني و يدعمني بخياراتي, مش بس يعين بينقاللي حكي ليبين انواللي عم يسمع ديموقراطي و تقدمي و بيدعم طرحي فعلاً و بس اروح رح يضحك علي او يشفق و يقول"يا حرام وين بعدها), بس لأنو انتي نفسك مجربة هالخيارات و بعدك عم تمارسيها مع انها مش سهلة بالمرة.

مبارح يا عمتو كنت ببيروت, الجو بيقرف: وين ما كان صور "شهدا الاستقلال التاني" بدءً من الشهيد الحي مروان حمادة ( عم بتشوفي شو بيكتب زياد الرحباني بجريدة الاخبار؟ وعنو لهالدب تحديداً؟) وصولاً للآخر و ليس الاخير بيار الجميل و فوق كل صورة الشعار المُصادر من كل اصحاب قضايا الحق (الارمن مثلاً) او قضايا الصلبطة(الصهاينة مستغلين فكرة الدين اليهودي) "لن ننسى"

هول شهدا, بس 1350 فرمتهم اسرائيل من اقل من 3 اشهر مش شهدا و لا في مين يتذكرهم و يعمل الهم يافطات ويتوعد بعدم نسيانهم!!

الانكى: بيار الجميل كتائبي مش هيك؟ طيب ممكن حدا يفهمني ليش اعلام القوات مملية الدنيا خاصة بالمناطق اللي كانت تُصنف"شرقية" لبيروت؟ في كتير ناس صاروا عم بيقولوها علناً"شو بيقتلو القتيل و بيمشوا بجنازته؟"

ما علينا: تعشيت مع رانيا و حكينا كتير, مدري ليش خطرلي اسألها سوأل كويلو برواية فيرونيكا تقرر ان تموت عن شو ممكن تعمل لو ال24 ساعة الجايين هني اخر شي بحياتها.
جاوبتني و ردت لي السوأل, بدون تردد قلتلها: بروح ع حيفا امشي ع شطها مع اللي بحبو اكتر من روحي بهالحياة

بتعرفي يا عمتو من بعد ما جاوبت, صفنت شوي: انو بدي انطر لاخر 24 ساعة بحياتي لاعمل اهم و اغلى شي بدي اياه بحياتي؟
معقول يعني اعيش شي 50 سنة و باخر 24 ساعة منهم اعمل الشي الوحيد اللي كان بدي اياه اكتر من اي شي تاني بهالخمسين سنة؟
طيب ليش ما بروح من هلق لو بقدر؟

لا تنجني علي قبل ما تسمعيني للاخر, بس عرفت انو ممكن اخد فيزا من اي سفارة لاسرائيل بالعالم واقدر اروح ع حيفا.
تقليدياً مفروض انو انتفض و اثور و انجن انو مستحيل اعترف بالسيادة الصهيونية ع ارضي( هيك عملت رانيا بعمان: هيدي غير رانيا بيروت لا تضيعي معي الله يخليكي عمتو)
بس بكذب كتير اذا بخبي اني عم بفكر بالموضوع بشكل جدي, حتى حكيتو مع عمو محمد و حسيتو مش عارف شو يجاوبني, يمكن لأنو ولا مرة عنجد وصل اي حدا فينا بالتفكير لاقصى حدود المتاح او المستحيل زي ما انا هلق عم بفكر

يعني مش خيانة انو ما نرجع ؟ ع الاقل لنتزود بذاكرة فوتوغرافية: بالعين و بالروح عن الاماكن اللي ساكنة فينا بالحكي و القصص, بس المشكلة انو بعد اكتر من 58 سنة ع الطلعة منها, رح يبطل في مين يتذكر شو كان فيها اساساً لأنو ببساطة "ما تبقى لنا" من اللي طلعوا مقصوف قلبهم من القهر ع اللي انقصف عمرهم من صدمة الهجرات المتعددة, ويا دوب ذاكرتهم عم تقدر توسع كل التفاصيل اللي لازم انو ما تسقط سهواً من تاريخنا الشفوي و المكتوب كشعب ..
غير هيك, يعني العيل اللي زي حالاتنا اللي مشرذمة هيك و كل نفر بقطر, بعد ما يفلوا الكبار اللي بيعرفوا الصلات مع بعض, كيف رح نقدر نعرف نحنا مثلا او اولادنا انو النا باقية اهل بفلسطين المحتلة او ما اسمه اليوم "اسرائيل"؟

بس توصل الامور لهون, بحس انو اكتر شي فعلاً بدي اياه اني اكون هونيك, اقدر اشوف دار سيدي قبل ما يهدموها لهالدار (بتصدقي: مليون مرة بتمنى يهدموها و لا يسكن فيها مهاجرين جدد يا عمتو! ما بتحمل انو يحتلوا الفضا الباقي من الذكريات العائلية و الشخصية المتروكة كمان), اقدر امشي ع شط حيفا اللي من و انا صغيرة و تيتا بتحكيلي قصص بتمنى اشوفو والعب برمله و كبرت و كبر معي حلمي العنيد فيها, اقدر ادوق عنب مجد الكروم و اعبط محمود لما يشوفني صرت صبية و يبكي.
دبحني بس بكي يا عمتو وقت اتصل فينا هوي و نانا بالحرب!

دبحني لأنو خايف علينا و خايف ع ميس اللي بحيفا و بنفس الوقت وصانا قبل ما يسكر الخط لأنو انطلق زمور ما قبل القصف "كتروا من هالهدايا_قصدوا صواريخ المقاومة_ كل هالعمر ناطرين نموت بشرف بدل هالعيشة بالذل"
هلق عم بكتبلك هيك و انا نفسي عم ببكي. معقول تصير احلامنا الاوسع من العالم مرتبطة ببحر بيغرق كل الاحتمالات باللقى بين صور وحيفا طالما سمكه و موجه وملحه مراقب من عيون العدى؟ معقول في لحظات بيتكثف فيها الحلم بحرية فلسطين من المي للمي ليصير لحظة بقدر فيها اضم فلسطين الباقية ع ذمة التأويلات هونيك: بمجد الكروم اللي بتطل ع حيفا و 58 سنة وعد بالفرح المسموح بس نرجعلها...

تتذكري بس خبرتيني ليش تيتا كانت مانعة تياب العيد الجديدة و الاعراس؟

كان تفسيرها البسيط , بس السليم تماماً"كلو بس نرجع ع حيفا" الفرح و عيش التفاصيل اليومية البسيطة زي باقي خلق الله مؤجل لحتى نرجع, وبعدنا مؤجلين: افراحنا و حياتنا كبشر بيتزاورو و بيتحاكوا و بيفرحو و بيزلغطووبيحكوا ع بعض و بيدبروا مكائد و جوازات, كل اشيائنا الانسانية المفرحة مؤجلة, بس الحزن عاجل: الموت و الخطف بكير متل الطربونة اللي بتنقصف و القلق و التوجس و الحذر
بعدنا عايشين بالمؤقت, و انا تعبت يا عمتو, بدي اعيش لحظة حقيقية: لحظة الي خالصة, فيها تيتا و بابا اللي بعمري مش رح اعرف شو كان ممكن يخبرني عن حيفا لو انو كبرت بوجودو
بدي لحظة دايمة, مش مؤقتة .
لحظة احس فيها تماماً قصد تيتا لما خبرتك: الانسان بينتمي للايام الحلوة, و انا ايامي الحلوة بفلسطين

بدي لحظة اعيشها بتعريفها هي عن الايام الحلوة, يمكن اكرهها و ما الاقيها حلوة , خاصة انو بدي اضطر استدل ع دارنا باشارات مكتوبة بالعبري, بس بدي اجرب اعرف شو هي هالسعادة اللي اسمها فلسطين و بتضل رغم كل الفدائية المشوهة و الانتفاضات المخربة و الموت المجاني و الحنين اللي ما بيقلل منو المؤقت ولا بشي, بتضل السعادة الوحيدة اللي بيعترف فيها وبيحلم فيها شعبنا وين ما كان.

تخيلي, من يومين غضبت بقوة ع اميل حبيبي لأنو قريتلو اعترافه الاخير بأنه كل الوقت كان هوي المتشائل و كتبت انو خاين, انا هلق شو بفرق عنو بهل"العقلانية" اللي هبطت فجأة علي؟
عقلانية الفرد اللي مفروض اني بمقتها,لأنو "لا خلاص فردي الا بخلاص الجماعة", بس بتعرفي شو عمتو؟
شو المفروض اللي مفروض اني اتبعه غير مفروضات نفسي؟
وانا بلاقي حالياً اني مفروض اعمل هيك: اروح ع حيفا وبس!
بدي تقوليلي ليش مش مفروض اعمل هيك من وجهة نظرك, بحاجة اعرف ليش لأ

انا تعبانة يا عمتو من المؤقت: الحياة المؤقتة, الفرح المؤقت, الوطن المؤقت و الانسانية المؤقتة
تعبت وبدي اجرب غير التموضع بالمؤقت بلكي بقدر ارتاح

بس اسمع العالم بيحكي عن القدس بنجن, سألوني بامريكا عن شو برأيي بيخلي الصراع ينتهي, حق العودة؟ القدس عاصمة؟ دولة فلسطينية؟
قلت انو ما بقدر اجاوب عن شعب كامل مفتت بالمنافي و كوزع بالمؤقتات, بس الاكيد انو انا بدي ارجع و مش رح اتنازل عن حقي بالعودة و لو عطوني تقل فلسطين ألماس.
بس وقفت مع حالي بعدين عند مسألة القدس: انو ليش بالله بس القدس مشكلة بالنسبة للعالم؟
يعني كونها عاصمة فلسطين والها جامع و كنيسة و اسوار قديمة بتصير اهم عندي من حيفا مثلا؟او عند اهل الزيب و بير السبع من الزيب و بير السبع؟
صحيح في جوامع بحيفا صارت ديسكو زي ما بيخبروني,وانو تاريخياً دار سيدي مش اقدم من اسوار القدس و لا كنايسها قام فيها المسيح الفلسطيني, بس بالنسبة الي هي عاصمة العالم مش بس فلسطين و انا بدي اياها

انو بدي افهم كمان انا: شو هي هالقدس اللي انترك كرمال شقفتها الشرقية مدري الغربية حقنا بكل اللي نتشوه و اكلوه وعم يتبطروا فيه من ارضنا و تاريخنا و هويتنا بدءً منها و لحد البصة بالشمال و لاخر نقطة رمل بالنقب بالجنوب , حتى تصير باقصاها اول القبلتين و ثالت المطالب بلائحة المفاوضات العجيبة بتاعة طباخين اوسلو؟

يعني قبة الاقصى و الصخرة و الكنيسة و الابواب و ساحة الصلاة بحسهم فلكلور سياحي اكتر مما بيعنولي مدينة حقيقية مفروض اني اقاتل عشان تنعتق اولاً من المفروض من السيادة الاحتلالية عليها, وبعديييييييييييييييييييين منشوف شو بنعمل بباقي 1967 كمرحلة اولى, ومن ثم( ركزي معي هالمن ثم يعني قديش بدها بعد وقت) منلاقي حل _لو يعني بعد في بالافق و الطرح السياسي لاي فصيل او حزب او مجنون شي حل_ للي انسرق اول شي من البلاد ب 1948

مرات بسأل حالي بس اتطلع بصورتي الوحيدة و انا بالقدس لما كنت لسى اصغر من سنتين: أنا بحب القدس؟

يعني بصراحة: القدس زي ما بتجي بالاخبارو بالنشرات عن تاريخ فلسطين ما بحبها.
كيف مفروض احب باحة مسجد اكثر من بيارات الخير كلها اللي بتفتح بيوت عمال و بتطعمي عيل و بتنسقي بعرق الكادحين و انا العلمانية ؟
كيف بدي احب صور ابواب عالية محروسة برجال الشرطة و نظرات التوعد بينهم و بين اللي عم ينذلوا ليدخلوا هالمدينة اكتر من اغاني الامهات لاولادهم بيخبروهم عننا _نحنا اللي فلينا غدر_ وانو نحنا اهل و دم رغم المسافات و انا اللي بؤمن بالحق الجمعي للفلسطينين انو يكونو احرار وين ما بدهم بارضهم؟

بحب اكتر قدس سحر خليفة بصورة و ايقونة و عهد قديم, بحبها اكتر بصور مهند عن تفاصيلها, بحكي معتز عن اسواقها و ريحة المخللات فيها, بموسيقى مروان لما بتوصف تزاحم الاجسام بزواريبها و عجقة الضحكات بايام اعيادها. بحبها اكتر بكتابة زياد عن قصص عشاقها اللي زي عصافير بيسرقوا حَب حُبهم من تم العيون و الاحتلال وحكي الناس
اكتر مرة حبيت القدس عنجد كانت لما دفنوا فيصل الحسيني, حطوا ناس و بيوت و شوارع فيها سيارات ( كانت اول مرة بشوف سيارات بالقدس: صورتها التقليدية هي الباحات اللي عم تعج بالماشيين وخيالة الاحتلال عم يترصدوا لهم كل خطوة)وقتها حسيت القدس مدينة عادية, يعني مش مدينة نكد مضاعف لانو مر فيها ومنها تاريخ كل الانبياء اللي تشحروا كرمال الناس و بالاخير دبحهوهم مليون مرة الشعب المختار عند الرب فوق كل الناس

هيدي القدس اليومية بحبها. قدس الناس: الفرح بتياب ولد بزياح, ام عم تطرز شرشف طولة لكنتها, اب عم يرجع ع البيت ليشوف دروس اولاده, ست عم تعلم بنت بنتها كيف تعمل المعقود.
قدس الناس, زي حيفا الناس زي ناصرة الناس زي كل بلاد الناس.

قلتلك انو تغديت عند بيت ناس من "الناصرى" بلوس انجلوس؟هيك حكتلي اسمها الأم وعلمتني اعمل تبولة فلسطينية بلا بندورة و خبرتني بحسرة كيف طلعوا ب 1949 من البلاد: ما تحملوا يشوفها منضامة, ومن يومها البي ما رجع, بكي وبكاني و هوي عم يخبرني انو مش متخيل يروح وما يلاقي توتة الدار بمحلها او يلاقي قبر عمه اللي استشهد بثورة 1936 راح عنو الاسم
من دموعه هيدي بتقدري تعرفي ليش زارع جنينة البيت اللي عايش فيه بأخرالدنيا كلها توت
قد يتبع





هيدي الرسالة اللي كنت حكيت عنها لأحمر بتعليق سابق ع نص "حبيبي خائن", ما كملتها لأني تعبت و انا بفكر و بطبع و ببكي, يمكن بكملها بكرا او بعدو, او ما بكملها بالمرة
يمكن احسم قراري بأني اكملها من حيفا, او الحياة تحسم قرارها بشأن اخر 24 ساعة بحياتي, او حتى اقول كل هالحكي بحضن عمتو
و
و شو؟
بس ما عدت قادرة اقول شي بعد

حبيبي خائن

,وحبيبي هو أحد اروع من ألتهم_كنت ألتهم_ كتاباتهم وكنت أعود إليه كل مرة بشغف أعلى و أكبر بعد كل قراءة. وهو من الكتاب الذين يمثلون لي_كانوا يمثلون بأي حال_ دوماً تحدياً لأستطيع أن اقنع نفسي ان شغفي بحروفه و افكاره يمكنه ان يأتي في سياق مختلف ليس بالضرورة متطابقاً او منسجماً مع عدم إحترامي له كشخص وإنسان

وقد أتيت على ما توفر من أعمال حبيبي * بلهفة خلال سفرتي الاخيرة ( سرايا بنت الغولة "قصة خرافية 1992" ونصوص سداسية الايام الستة "النسخة المتوفرة لدي هي الطبعة الثالثة العام 1984" , نص بوابة مندلباوم 1954 ,مسرحية قدر الدنيا 1962 , انشودة النورية 1963 ومسرحية مرثية السلطعون 1967)




ولكن: لا ! اا


لم أستطع احترام إميل حبيبي يوماً كلما فكرت بالتناقض بين ما يكتب و بين ما مارسه في حياته من خيارات يومية على الارض. ولطالما جربت ان اترك باباً موارباً لتقبل فكرة ان ما للفن للفن و ما للعقلانية يبقى للعقلانية

والآن, ما عاد بإمكاني مساءلة نفسي عما إذا كنت سأحترمه بالمطلق : لم يكن ذلك ممكناً من قبل, وبات الآن مستحيلاً

فحين اقرأ ما يعترف به حبيبي في أخر العمر : كنت أكذب وأقول، في الماضي، إن شخصية سعيد أبي النحس هي عكس شخصيتي. لكنني صرت في عمر لا أحتاج فيه إلى الكذب. كنت أتحدث في المتشائل، إلى حد كبير، عن نفسي. أتحدث عن نفسي بمعنى العقلانية. وعقلانيته هي عقلانيتي إلى حد ما
وحين تكون علاقتي مع الاماكن المغيبة في الذاكرة الفوتوغرافية _لأنها ببساطة لم تكن هناك يوماً_ والحاضرة بقوة في الروح مُشكلة الى حد كبير على وقع ما يكتبه هذا الاشكالي في حضوره كما في الغياب
وحين تستطيع كلمات حبيبي دوماً ان تبكيني و توقفني عن القراءة مرات و مرات لامسح دمعي قبل ان يبلل الاوراق الصفراء لقِدَمها بين يدي

وحين يسقط صرح أخر من عيني (ولا يخف وقع السقوط المدوي لمن مثله بحكم التعود مثلاً, فكيف لا يؤلم التفكير بأن غسان كنفاني ساقط اخلاقياً لكونه خائن لزوجته آني مع سبق التخطيط والنية؟) , فإني سأشعر ان الخيانة مضاعفة, أقله بالنسبة لي

لطالما كرهت نظرية الفن للفن واشعر بمغص شديد حين افكر بكل من اتبعوها و اتعبوني بذلك (محمود درويش و مرسيل خليفة مثلاً) حتى اتمكن من اقصائهم من مكانتهم العالية في روحي حيث لهم بصمة في
تشكيل الرؤية التي أتخذها توجهاً في حياتي
سيكون عليّ ان اجبرني على التفكير ان حبيبي خائن, وان ابداعه الادبي في كل ما قرأته له و خط بروحي ابجدية من نار و حنين كان نوعاً من تقية ادبية مارسها طويلاًُ حتى يتمكن من التصالح _ع الاقل مع وأمام نفسه بأكثر الطرق علانية و استمرارية عبر الوقت الا وهي الادب_ بسبب خياراته المدوية في "عقلانيتها" في الحياة
سيكون عليّ و لن اقدر, ليس في مدى قريب على الاقل, فحبيبي أحب قلمه و مقدرته على سبك و سكب التفاصيل اليومية والبسطية في الحياة في اسلوب سردي هو ساحره بلا منازع
بعيداً عن التنظيرات و اسس النقد الادبي و تقدير الابداع و تذوق الفن: الآن سيكون عليّ ان اكره _ان اُكره نفسي على ان أَكره_ إميل حبيبي الساحر الذي انقلب عليه سحره, ذات قراءة متأخرة لاعترافه الاخير
لم أعثر حتى اليوم على حكايته المسرحية "لكع بن لكع" التي صدرت عام 1984,وثمة جزم لدى*
الناشرين و النقاد انه من المستحيل الادعاء بإمكانية جمع "الاعمال الكاملة" لإميل حبيبي لأن هناك عدداً من قصصه القصيرة التي نُشرت قبل عام 1948 في الصحف اللبنانية و الفلسطينية, وقد ضاعت حتى من الكاتب نفسه.

الطقس صحو

الطقس صحو اليوم: في صحو ايام الشتاء, تتقد ذاكرتي بصور من ذهبوا من يومياتي الى ما خلف الاحاديث, وخلف المدينة, او حتى خلف الحياة.واتملى في التفاصيل اليومية العادية في بيتنا و في بساطة الحديث مع ماما و البقاء في بيجاماتي طوال النهار الذي انظف فيه اسناني و اغسل وجهي بجذل لان بإمكاني فعلاً ان ابقى في البيت طول النهار. وفعلاً ابقى في البيت حتى ابدأ في كتابة هذه الكلمات , وأعتقد اني سأنام بعدها لأذهب الى عملي غداً.

الطقس صحو:فقرات البث المباشر ونشرات الاخبار تعج بالاعلام و الخطابات التي بامكانها ان تصيبني بجلطة قهر لحال البلد, وانا اريد ان انام بعد, ولكني اريد ايضاً ان اتشارك مع أمي صباحاً قلما عادت تسمح لنا به اوقات عملي و انشغالاتي, بينما هي لا تزال تتلقف مني كل كلمة كأنها الاولى في الحكي.

الطقس صحو:شربت ماما قهوتها, وانا شربت معها فرح اني لا زلت اذكر تبدلات مزاجها الصباحي اليومي. حكينا كثيراً, اشياء و اسماء و حوادث تشاركنا سحبها من الذاكرة التي تسقط هنا تفصيلاً و هناك حدثاً. "تسألت"* عليها كثيراً وضحكنا كثيراً, كأيام طفولتي ومراهقتي الصعبة عليها في بيتنا وعمرينا.

الطقس صحو: أقرأ الجرائد مع فنجان شاي واقلب محطات التلفزيون بملل واضح و اضج من جسدي المنتظم في دورة الانوثة الشهرية و اضيق من تقلب شهيتي بين المالح و الحامض والحلو.اطلب "كاتو" من ماما و نتشارك صنعه واكله ساخناً على وقع الحكي و ركضي الى الريموت كونترول كل قليل لاقلب الشاشة عن المشاهد المكرورة لتشييع القتيل الاخير, أشاهد فيديو كليب لمطربة سخيفة بحسب تقييم ماما, ولأسمع وخز قهرها مني: معقول انتي بتحضري هيك سخافات !وحين اريد ان اشاهد محاضرة لتشومسكي مثلاً تؤنبني ايضاً و تقول لي اني املأ رأسي بما سيصعب عليّ خيارات حياتي

الطقس صحو: اريد ان اخبرها اني اشتاق لقضاء هذا الوقت الخاص بنا معاً, اريد ان اقول لها كم كنت خائفة بالامس حين انحرف الباص عن الطريق و ضل قلبي يدق كطبل بلدي و اطرافي باردة كثلج صنين. اريد ان اقول لها اني ما اطمئنيت الا حين وصلت الى البيت و جلست قربها و اخبرتها بصوت يرتجف اني كدت اموت, واني خفت اكثر من خوفي حين تركنا صور وطائرات الموت تزوم فوق رؤوسنا و حياتنا وغدنا.
ولكني استمسك بصورة القوية التي عودتني عليها هي و ايامي و خياراتي االصعبة في الحياة. و احجم, كما احجمت هي عن ضمي, عن قول اي شيء, واكتفي فقط بابتسامة لا تفارق وجهي و منظري كسلى و دافئة في البيت, وبمزاج عالٍ للمزاح و التنكيت و الدلع المبستر بتلك الصورة القوية التي لا ادري كيف إلتصقت بي الى هذا الحد في السنوات الاخيرة.

الطقس صحو: ماما نائمة بعد الغذاء وانا اقرأ في أرشيف مدونات لا يتاح لي عادة ان آتي عليها بسبب الوقت ( شاكرة انا للاغتيال الاخير اذ اتاح لي يوماً من اللذات الصغيرة السعيدة), اليوم دور مدونة الشيخ الاحمر. أقرأه و افكر ان هذا الشاب من بلادي خفيف الدم و ثقيل وقع افكاره في الروح احياناً. تنكأ افكاره قلبي, وينزاح النبض عن وجوه خبئتها كي لا تجرحني بالذكرى مجدداً.

الطقس صحو: و "راشد" ليس موجوداً بيننا بعد, ما عاد موجوداً منذ فترة طويلة.

ست سنوات يا راشد, ياااااااااااااه كم خائن هذا العمر يا صديقي.
كيف نبشت القلب عنك كلمات حمراء لمن لا يعرفك و لا تعرفه؟
ما الذي ذكرني بك في هذا الصحو الغريب على اعتاب كانون؟
ادري اني لم اردك ان تمثل في ايامي, كي لا اتوجع باحساس الفقدان من جديد!
يا الله الذي احببتَه و احَبكَ يا راشد كم يوجع الاحساس بفقدانك من جديد, كم كان يوجع دوماً و لكني آثرت سلامة عقلي و روحي بأن انحيه و انحي ذكراك بعيداً على قيد كلمات غريبة تجلبها من ذاكرة عنيدة في احتفاظها بتفاصيل من مثلك.


الطقس صحو: لن تعود ابداً مثل هذه الكلمات

هه_ شو يا صبية لوين؟
هه(لا مبالاة مني و استكمال المشي في شارع ابوديب الطافح بالسيارات المحترفة فلكلور"الكزدورة" الاسبوعية كل سهرة جمعة و سبت في مدينتنا , التسلية الوحيدة خارج البيوت تلك الايام قبل افتتاح المقاهي و اختراع الانترنت) هه
هه_ يا صبية يا ام الاحمر
هه(علاقة الحب بيني و بين اللون الاحمرالنبيذي قديمة_الآن انا ملفوفة ببطانية نبيذية الدفء كذلك_ ومع ذلك لم ارد على اللطشة)هه
ه_طيب تأكدنا انو تقيلة ما بتتعني للتلطيش
(صوت سيارة تقف الى جانبي, وينزل منها)
ه_شو يا ست ملاك, بتردي علينا هلق؟

هه* هيدا انت؟
وامد يدي لاسلم عليه و لكنه يضع يده على صدره و يقول لي " الله يهديكي".
أخجل انا, ويتدارك هو الموقف بسوألي عن اختصاصي والامور بعد الانتقال الى بيروت و نتحدث قليلاً ثم نتفق على "كزدورة " قريبة بالجيب الجديد وحديث طويل لانه مستعجل ويريد العودة الى البيت.

الطقس صحو: كما لم يكن حين عرفت بموته في حادث سيارة في 12-12-1999.
انزلق الجيب الجديد وقضى فيه و هو في سنته الجامعية الاخيرة في اختصاص الهندسة.
ومات: ما الذي يعنيه الموت سوى لم يعد موجوداً بيننا؟
لم استطع القيام بواجب التعزية وقتها, ولم اقم به قط, فمن اعزي بك يا صديقي؟
في الجامعة بكينا كلنا , نحن الذين عرفناك منذ ايام المدرسة. احدنا قرأت القرآن على روحك, وانا وفراس** العلمانيين بكينا معاً وبصوت عالٍ,ولم يعزي احدٌ احداً: انت فقيدنا وصديقنا و حبيبنا كلنا, و انت حدادنا الجماعي الذي احترمنا رهبته, كل من منطلقه السياسي و الايديولوجي و الديني و الدنيوي! ااا

الطقس صحو: قابلت بعد 4 سنوات " نادر" ابن عمك, وهو ايضاً لا يسلم الآن. قلت له بعض كلمات مبتورة عن واجب العزاء الذي لا اعرف بعد القيام به. قال انه يتفهمني, ثم سألته : ليش انت و راشد بطلتو
تسلمو؟
رد بدهشة لجهلي: لأنو صرنا مع الحزب.( انت انضممت لحزب الله؟ لهذا السبب اعتبرتني ضالة حين
مددت لك يدي العادية التي كنت تحتويها في السلام الصادق دوماً بيننا, كما باقي الصبايا اللواتي كن يعجبن بطلتك و غزارة معلوماتك و لاءك العالية الرفض) تتت
واعاجله: وناصر؟ صار بالحزب او بعده شيوعي؟ ( ناصر اخ راشد)----ا
"ما بعرف و الله, هوي مسافر و ما عم بعرف كتير اخبارو"

نتودع على امل لقاء قريب, وادري انه لن يكون, فسواك يا راشد ما عاد يجمعنا الكثير, خاصة مع نظرة الصبية المحجبة المليئة بالاستغراب لمعرفة خطيبها سافرة مثلي


الطقس صحو: مظفر النواب في نادي التضامن,يلقي شعراً و نلقي الغمزات والهمسات على شربه للفودكا وهو على المنبر_ كان ذلك قبل ان يقرر الله ان يهديك و لا يهديني_ ثم نتراكض اليه لنحدثه و تبقى لي هذه الصورة اليتيمة معك للذكرى

الطقس صحو: ومع ذلك ينقطع الاتصال بشبكة الانترنت عندي كثيراً, تغضب ماما من الشخص المسؤول عن الاهتمام بصيانة آلات الخدمات الانترنتية لأن هاتفه مغلق و هي تحاول الاتصال به

الجهاز مفتوح على الكلمات وصوت ريم البنا تحكي للعالم عن اشياء تبكيني كما ذكراك
تأتي ماما لتحكيني, تجد الدموع حراقة على خدي. وقبل ان تسأل اسألها انا: ماما, بتتذكري راشد؟
لا تملك ان تداري دمعتها, تعطيني ورقة كلينكس امسح دموعي, وتأخذ واحدة لها ونحجم معاً _ كالعادة_عن الخوض في الموضوع

الطقس صحو: سأشتاق دوماً للنوم قليلاً بعد, سأضيق كل شهر بمزاج جسمي المفتوح على شهية لا تعرف ما يسكتها, وسأريد ان اقول لماما اشياء كثيرة اقصيها خلف صورة القوية التي صرت اتقنها حقاً, وسأتمنى ان اهرب من ذاكرتي المفخخة بالدموع و التفاصيل, وسأود ان لا تنكشني كلمات اخرى بالانفعالات المفرطة في هدم قناع القوية الهش الذي يغلفني واتغلف به لأواجه حساسيتي المفرطة تجاه العادي من الاشياء و الاحداث. وسأتمنى ان اعرف جواباً لسوألي :كيف إهتديت الى ان تموت على ذمة حزب الله و انت الذي كنت دوماً أحمراً يا راشد؟









ت*تسألت: كلمة عامية لبنانية تعني الغلاظة و سماكة الدم! وانا فسرت الماء بالماء بشرحي لمعنى الكلمة, أليس كذلك؟ عظيم هذع عي "السآلة" بعينها

ف**فراس لم يزل شيوعياً , هو في الخليج يعمل كبرجوازي صغير, ولكنه لم يزل مفعماً بالطيبة و الأمل في تغيير العالم.
علمت ان ناصر كان لم يزل شيوعياً كذلك قبل ان يسافر و يختفي من المدينة ويقل تواصله مع كل دائرته القديمة من المعارف و الرفاق.
يذكرني بما اود ان انساه حق أما راشد الذي ما عدت ادري ان كنت سأعرفه لو إلتقينا بعد فراق لو بقي حياً بسبب تبدل شكل الشباب اجمالاً بين مرحلة المراهقة و الرجولة, فقلة تذكره . ربما تتعمد الكثرة عدم تذكره, فخسرانه موجع حقاً: في المطر الذي كان يحب المشي تحته كنوع من تمرد آخر يضيفه الى سجل لاءاته, وفي الصحو الشتوي الذي يذكرني بما اود ان انساه حقاً

وشاية


تشي بك عيوني المسورتين بالكحل لوناً مجازياً لعالم باهت دون اسود الجمال يظّهر الوانه الباقية كلها اشهى و ابهى

تشي بك "شفايفي" حين يجف عنهما النبيذ و تركض ثمالته وراء طيف حضورك في دمي لأسكر بالذكرى, واشقى كذلك

تشي بك تدرجات الاحمر على اظافري, وعلى وجه الشمس كل قيام للغروب قبل صلاة القمر في قلب السماء, و تتقشر قهراً انك لا تراها

تشي بك الليالي المخبوءة بين خصلات شعري, تهطل نجوم بريقها نجمة و نجمة كلما مرت ليلة لا تعبق بعبث الاحلام بك, و معك

تشي بك جبهتي حين تعتليها الوصمة الوضاءة"فلسطينية", فأحن لدفء كوفية واحدة نتلفع بها في البرد حين نعبر اسواق و اسوار قديمة للمدينة

تشي بك أقلام الحبر السائل حين تعانق اصابعي و تنسال عن ابجدية اقل بلاغةً و ألقاً اذ تغيب عنها يداك

تشي بك الشامات المزروعة علي جسدي المتمدد في الانوثة على وعد لقاء لأجله يظل الحمام يخفق في صدري

تشي بك رائحة البحر الذي ينتظر اجسادنا تعمد ملحه بالشهوة, ورمل حيفا المنتظرة وعد خطانا و اقدس خطايانا

تشي بك الخريطة حين اقيس المسافة بين قلبي و دوس قدميك, فتنمحي: تبكي الجغرافيا ويخلق من نقطة اللامسافة تاريخنا الجديد

تشي بك التنهدات كلما سمعت خبراً قديماً_جديداً له إلتباسات الولادة و الموت من صوب البلاد. وكلما انحفر اسم جديد في ذاكرة الدم العنيدة العاصية على التوقف عن الكبر وتظل تميد بي و بروحي وفي كل الاحوال لا تصلها و لا تصلك

تشي بك الرايات المخضبة بكبرى الايمانات, و الاناشيد ذات المعاني الصادحة في يومنا و الغد و الامس عناويناً ومنازلاً لانفعالاتنا و خيباتنا و المعلق من الافراح و الابتسامات

تشي بك فناجين القهوة التي تظل باردة و لا نشربها, و اعقاب السجائر التي تنطفئ قبل ان تمس شفاهنا: كلانا اكثر انشغالاً من ان يتوقف ليلتقط لزوجة القهوة لاذعة المرارة و الحرقة, ولينفخ بعض روح المتعة المبتورة في سيجارة

تشي بك القصائد غير المكتملة, الاغاني الباذخة الشجن, شالات الحرير المرفرفة شوقاً لتنهال على متن لمسة لا تأتي, همسات البنات التي لا تحتمل تأجيلاً, قهقهات الصبية العائدين من مباراة كرة قدم , وتشكيلات الشوكولاته التي لا نقترف معاً جرائمها اللذيذة

تشي كل الاشياء و التفاصيل بك
و تشي .....ااااا

تشي بك أنا: يا كلي , وأنت اجمل الوشايات




نون الغد


بنون النسوة وملاءات الشقاء الابيض
يخرجن الى نور القلب و يقلن "لا" هادرة مدوية بصوتهن الاشرف من كل الشرف ضد الصمت_عورة الايام الدائمة
هن: أمهات غد بلادي الطالع من شق ارحامهن كما من شق الارض المفتوحة على الخصب من الاحتمالات التي كلها تضع مولوداً واحداً اسمه "كرامة"ز
منظرهن يكتسحن التواطئ بالرفض العنيد يثير في قلبي مشاعراً لا زالت تثيرها فيي_رغم التعود البغيض_ صور الدم المسفوح غدراً في كل بقعة من بقاع القلب الممتد سماءً فوق الارض: ارض بلادي
يخرجن من تفاصيل البيوت, من ملل الحكاية حين نريد لها التشكل صالحة للروي, و الري
يعتقن انفاسهن و مستقبل البلاد من مناديل حدادها الآخذ بالتطاول حتى يكاد يبتلع طفلهن الوحيد و
اسمه "الأمل"ز
تعتلي الكوفيات رفضهن المتعالي عن كل قيد , يخرجن بلاءهن فائرات الروح واضعات العمر كله على حد
الطلقة
تردي بعضهن يد الغدر مجدداً
ينشرخ القلب حد التناقض:ز
مرة فرحاً و فخراً بهبتهن _الموقف: الموقف الحقيقي و الاصيل على عفويته و شعبيته و امومته
والاخرى وجيعةً على مشهد الدم الطازج ينزف أمهات كن ليربين الغد على وقع حبو أطفال بلادنا على درب الولادة الاكيدة, الولادة الوحيدة ,و اسمها
"حرية"

بما إنو

بما إنو ما في وقت مناسب او مش مناسب لهيك حكي
ع بالي اقول اشيا
اشيا اكتر مما الحكي بيقدر يقول
اولها اشتقتلك
اشتقتلك اليوم تحديداً كتير
كتير كتير اشتقتلك
::
وبما إنو انت ما عم تسمع
وما في اي قيمة لهالحكي غير انو بيريحني اني اقولو و بس
كل الوقت كنت عم بشتاقلك
وبعدني مشتاقتلك
ولو في اي امكانية نرجع ليضمنا شوية حكي
بس شوية حكي
كنت رح ارجع ارتكبك حماقتي الاجمل و جنوني الاشهى
::
وبما انو العمر مش بعزقة
كنت رح استثمر كل يوم و كل لحظة وكل نبضة فيه معك
بأني اكتشف قديش بتقدر كل مرة تخليني بعد أحبك اكتر
::
وبما انو الحكي, كل الحكي, شو ما يكون
بيضل بس حكي
ما عاد في شي يقول عن كل الاشيا اللي ع بالي اقولها
بس بعرف انك عارف
وانت مطرح ما انت
وعم تعمل اللي عم تعملو
وغيابك قاسي علي ولو مش عن قصد او بالغصب
اني رغم كل شي
وبما انو بحبك
رح اضل احبك
واحبك
واحبك

إفتراضيون؟

لم ألتقِ معظهم فعلياً قط, و لكني أؤمن اننا نلتقي كل يوم بأكثر من طريقة
وأؤمن بعناد هو سمة لا تنفصم عن شخصيتي, اننا سنلتقي يوماً ما على جنح حرية: بلادنا و كلمتنا و ارواحنا
اصدقائي هم:في مواقف الحياة اليومية , عبر الافكار والنقاشات, ومرات عبر مزاح و تعليقات ننثرها في ذات التدوينة او الموضوع
بالمحصلة هم اصدقاء صادقين على المبدأ وملتزمين خطوطاً حمراء في الحياة _والممات_احترمها حقاً, احترمها جداً
ومنهم من لا يعرف,و لكني اريدهم ان يعرفوا انهم غير افتراضيين بالمرة بالنسبة لي
عرفات اللاذع صراحة احترمها ابداً و اجله عليها دوماً
زرياب غزة الذي ارقبه ينضج بوعي و افخر به كفخر بلادنا بمن مثله من خيرة شبابها
و زرياب الاخر في الاسكندرية يلعب بعض جمالهاعلى تياترو من نغم و حرف
أحمر شيخ المواجع و تقليب الافكار الكبرى و وضعي امام محكات اختبار قيمتها عندي بين التدوينة و
الاخرى
ألكسندرا الرقيقة حقاً و حرفاً والراقية فعلاً وشكلاً
اللا افتراضي و لا مبين
نورس الذي يكبر و تكبر احلامنا معه
سوء تفاهم الحريف في قرع طبول الحرف لتهتز لها الروح رهافةً
نشاز الخاوية كلماتها و أشتاق مشاكسة نقاشاتنا
سيد الذباب المحترف الابتسامة و زرعها في قلوب من حوله
و رانيتين في قلبي لهما مكانة, وكل الحب ولا يفيهما حقهما الكلام
انتم لا يمكن ان تكونوا افتراضيين, لو انتم كذلك, فما الحقيقي فعلاً في الحياة؟

بس الأمل قوة

لناس بلادي: الامل_القوة
واخيراً عدت

اسبوع بحياتي كلها كان في تلك البلاد: البلاد التي هنأني البعض على نيل تأشيرة دخولها كما يُهنئ المرء بمولود جديد او بنيل شهادة عليا

تلك البلاد التي فيها من التناقضات ما يحتاج عمراً للتعايش معها, وفيها من باذخ الجمال في طبيعتها ما يستلزم حيوات بكاملها للتمتع بكل التنوع في المناخ و المشاهد التي تمتد أمام العين كأنها لوحة, تشعر الروح فيها انها في مهرجان ألوان و جمال بديع

تلك البلاد التي علاقتي فيها تحمل دوماً اشكاليات الارتباك حيال فصل الشعب عن النظام وفيما يخص أقنعتها المشرقة كما احلك وجوهها.

عدت منها و العود أحمر "مش روسو بس, مخلينك لوقت عوزة تحرز قيمتك رفيق"

حتى اللحظة لا ادري من اين يؤتى الحكي فيها. اقول جميلة؟
اقول شهية للنظر كعيني غجرية مكحلتين بالمغامرات؟
اقول بسطاء اهاليها كصفحة بيضاء سحرية مملة اذ لا يترك اي حبر عليها اثر مهما انهمر مداده؟
اقول لا تغريني ولا افهم كيف يحلم بها الناس ليل نهار و سراً جهار؟

هي كل ذلك و بعد: هي بلد فيه تنوعات و تناقضات العالم ممهور بالقدرة _اقتصادياً و مادياً و حتى اجتماعياً_على الانفصام عن العالم خارجها و الاكتفاء بالانصراف الى معايشة مشاكلها الداخلية ككيان مستجد على الدنيا وكحضارة لم تتحدد بعد صورتها و بصمتها النهائية في هذا العالم ,والمقصود سياسياً : من سياسة الانغلاق و عدم التدخل الى الانقلاب حتى التورط في العالم على مستوى قنبلة ذرية والاستمرار في شن حروب باردة و ساخنة على العالم منذذاك.

تلك البلاد تركتها, و بالفم الملآن و القلب الملآن: يسعدهم اهلها و يبعدهم اكثر مما هم اصلاً بعاد

ادري اني حين اقول قولي هذا أن كثر يندهشون بتعابير لا يملكون اخفائها عني, و انا في دواخلي اضحك و ابكي معاً: كيف استطاعت هذه البلاد البعيدة الغريبة ان تتزين حلما ً_و هي بالادق وهماً_ في عيون الناس حد ان لا يتقبلوا انها فعلاً لا تستحق تعب السفر اليها في زيارة حتى؟"الا لمحبي الطبيعة طبعاً, و المغامرة المجنونة بكل ما يملكون من ثبات حقيقي في الحياة فقط ليكونوا في بلاد ابن ماريكا"

اسبوع فيها كنت اطير فيها بين ثلاث ولايات لاحكي عن حرب امريكا واسرائيل على بلادي , كل بلادي: وبلادي هي كل مكان في الارض فيها من الظلم ما يستلزم الوقوف بكل شكل ممكن لجعل هذا العالم اكثر عدالة و بكل ثمن, من لبنان الذي فيه ولدت و كبرت الى العراق الجرح المفتوح على مزيد من النزيف, حتى فلسطين الحلم العنيد الذي لا يفتأ يفقئ قلبي وروحي وجعها اليومي على فراق قسري لاغلى ناسها على عين العالم و صمته الهادر بالتواطؤ.

اسبوع لا يكفي حتى لاخذ انطباعات أولى عن تركيبة المجتمع وفهم التنوع الذي تعج به نفوس الناس, ربما يكفي فقط للانبهار بجمال الخريف في اتلاتنا المبنية كمدينة في قلب الغابة, و النظر بإعجاب الى فيلادلفيا العابقة ببصمات التاريخ الحديث نسبياً لهذه البلاد, و للقرف من تلوث لوس انجلس وضجيجها و كبرها الهائل بالنسبة لمن كبرت و تربت في لبنان الذي كله لا يساوي نصف كاليفورنيا كولاية.

ولكنه اسبوع من الاحتكاك اليومي مع ناشطين و طلاب جامعات و تلامذة مدارس ثانوية ومحاولة فك الابهام في فهمهم_وفهمي انا ايضاً_ للاشكاليات المتعددة التي تعج بها المنطقة التي آتي منها "شرق اوسط, شرخ اوسط , شر اوسط, شرق اوسخ, الخ الخ الخ الى ما شئتم من تسميات"

اسبوع عمق شعوري بمسؤوليتي كناشطة, بالادق كحالمة ان اعمل اكثر, على المستوى الفرد ي والجمعي , لا فقط لاجل افهام شعب "امريكا" بل لنفهم نحن ايضاً, نحن اولاً:الناس الواقفين على اهبة المقصلة القادمة دورنا و واجبنا ومسؤوليتنا في هذا العالم.

"انني مندوب جرح لا يساوم"

كانت هذه العبارة تطن في رأسي و تقرع جدران تعبي وتحث جسمي المنهك من طول السفر و التغير في الطقس و الوقت و طعم الاكل, ككل الاشياء, ان اقوم واقوى على اللحظة لاجل الايام القادمة.

ولأجل جرح بلادي و ناسي و التاريخ المذبوح بالجهل و النسيان , علي بعد ان انهض.
كل يوم , و لاجل كل من يعرف ومن لا يعرف حتى يعرف, حتى هذا العالم كله يعرف.

انهض لاقاتل الذاكرة الانتقائية لتاريخ قد يسقط اسماء تقطر دمها المسفوك غدراً و ظلماً كالطنطورة و ديرياسين و حولا و كفرقاسم الدجيل و ترشيحا و سعسع و صفد وقانا و صفورية و العامرية و عكا و يافا و حيفاي اذا ما قيلت له الـ"لا" عالية كأغنيات الحقول و هادرة كالطلقة_الموقف.

انهض لاقول لدم كل من ذهبوا بكل ما لهم لأجلنا الى حتوف غريبة ان دمهم ما كان هباء.
وليعرف اولئك القابعون على قيد الوفاء في قيود زنازينهم ان عذاباتهم ليست مجانية.

وللعالم كي يعي ان جرحنا لن يساوم, و لا يُساوم.

انهض لأقول لكل البلاد, بلادي و تلك البلاد البعيدة كذكرى الآن و المتعبة كفكرة: لي في هذا العالم ما احلم به وانهض لتحقيقه, ومهما بدا بعيداً وصعباً و مستحيلاً وغير واقعي و لا عملاني, سأنهض لأجله

اقوم عارفة كل ما يتطلبه مثل احلامي من قوة و امل, بس الامل قوة

وما الحلم الا لو كان بعيداً و صعباً و مستحيلاً وغير واقعي و لا عملاني ليستحق منا ان نقاتل بكل قوة الامل لاجل تحقيقه؟