وقت مستقطع

أيها الواقفون على حافة المذبحة.. أشهروا الأسلحة.. أشهروا الأسلحة"

أمل دنقل

ست سنوات إنتفاضة مجيدة
ونواصل

ونواصل

حصارات

تحاصرني تفاصيلي اليومية
النهوض صباحاً بمزاج يستعد لطريق, بل لطرقات لا يصل بها الخطو الى وجهتها الاخيرة مرة واحدة_
الانشغال بأي شيء يخفف من شعوري بالضيق من الطريق التي طالت بين صور و صيدا حد انها_
صارت تستدعي مني زفرة, او زفرات
تحية الصباح و الابتسامات الروتينية لزملاء العمل قبل التوجه الى "مطرحي" و الانغماس فيما ينتشلني_
من مماحكات الحياة خارج شرنقتي الملونة بالاحتمالات هذه
هدوئي الذي يشغل بال اصدقائي, ولا استغربه: لقد شهدت من البراكين ما يجعل عواصفي تبدو_
تافهة بالمقارنة بحممها
الحاجة الملحة للنوم بعد الغذاء, حاجة لا استطيع ان اعاند جسدي في ادمانه اياها: مباشرة بعد اللقمة_
الاخيرة في غذائي(وليست الاخيرة في صحني ابداً, إذ ومنذ طفولتي لا أنهي صحني تماماً و مهما كنت جائعة او أحب الاكل الذي فيه, ولكن يستحيل ان لا اترك لقمة أخيرة , ربما كتوقيع ان هذا صحني لاميزه حين سأجلي بعد قليل) وبعد الغذاء: يجب ان انام و الا سيصبح مزاجي
"زي الزفت"
مزاجي الذي "زي الزفت"," حين لا أنام : هذا حكاية_
كيف يكون مزاجي "زي الزفت" و يزعجني؟
أكون كبالون على حافة الإنفقاع_او الفقع او الفقعان, لا ادري ايهم لغوياً السليمة, ولكني اريد ان اوصل الفكرة:" بكون رح ابج يعني"_لا اريد ان اسمع حكياً يدور من وراء رأسي و لا أطيق نشرات الاخبار التي لا يبارح نفيرها الحربي جهاز تلفازنا و بيتنا صبحاً و ليل
وفي حالة المزاج الزفت أكون على حافة بكاء لا يهطل دموعاً ابداً حين احتاجها تزيح عن قلبي حمل الغصات, بل انفجر بكاءً في اكثر التوقيتات سوءاً لدموعي _ هذا يميتني غيظاً مني دائماً
إ_إشتياقي له حين لا يكون وهروبي المستمر من مواجهة نفسي به في وجوده: اليوم أخبرت علي اني اريد ان اكتب له وعنه و أني اشتاقه جداً .سألني عن عمله, قلت له: كان بيي. بعد 16 سنة غياب, لا زال "بابا" يحاصرني بكل هذا الموت و بتركه الاشتياق فخاً مزمن التربص بي في كل لحظة استشعر فيها فقده يقيناً, كما في الايام الاولى في غيابه حين بدأت أتيقن انه لن يعود ابداً هذه المرة .
الأغاني السمجة التي تداهمني في كل الاماكن و اهرب منها بسماع اذاعتي الداخلية: محمد منير او ريم بنا او كاميليا جبران او فيروز.المهم_
ان أجد طريقاً الى روحي بالموسيقى التصويرية التي تناسب حياتي ومزاجي حتى لو كان "زي الزفت" ليتغير على وقع الفرح او الحزن,بحسب ما تقع عليه ابرة شعوري في تلك اللحظة المعينة
...وثمة دوماً المزيد من الحصارات, قد تتبع هنا_

تنهيدة

فالقلب في حزن قلِق
والروح على أهبة دمع

رجعت الشتوية

عم تفتكر فيي؟
بهاللحظة, زي لحظات كتير انت مش موجود فيها, بتكون موجود بطريقتي الخاصة بإستحضارك من ضباب ذاكرة مجنونة بالفوضات
من لما فقت اليوم الصبح و بست ناي و هي نايمة,وأنا عم بفكر فيك
فكرت كم مرة انت بستني و انا نايمة و تركتني نايمة و رحت؟
ويا ترى بوستي هالقد بتكون حلوة و رايقة و بتعدل المزاج و بتخلي يومك حلو لما بتبوسني و انا نايمة؟
:
بالطريق ع شغلي, كانت الغيوم مملية الدنيا و ريحة الشتى مملية روحي
فيروز كان صوتها خفيف و زي المبحوح و هي عم تغني للجبل البعيد , وانا عم بتطلع ع كم جبل و جبل فيه بعيد قبل ما انت تكون موجود فعلاً
كانت فيروز عم بتغني كأنها مستحية و صوتها جايي من شي محل بعيد , يمكن بس أقرب شوي من الجبل اللي انت وراه
لما بلش الشتى, وقلبي كان عم بيشتي لهفة لأشوف وجك عم تضحك, أنا ضحكت
قلبي من جوا ضحك: لابسة صندل مفتوح مكشوف عن اصابعي وعن عري بيبدا من عروق رجلي و ما بيمتد لأعلى من ركبتي
ضحكت لأنو مع حضور فكرة انك موجود رغم كل البعد, بيكون العري الجسدي شي غبي تماماً
بهيك لحظة: روحي حقيقة عارية من كل الاقنعة, وبعرف تماماً انك عارف و انك حاسس من مطرح ما انت اني سعيدة بأنو أنكشف و أتكشف, بكل رغبة الصبية اللي فيي, ع الاخير لروحك
:
وصلت ع المفرق اللي بيودي الشغل: الارض مرطبة بخيراول شتوة بالسنة, ووحل الخطوات المستعجلة لتخبي الاجسام اللي حاملتها من هالبلل اللذيذ وريحة التراب تحت المطرة عم تجتاح كل خلية في, زي ما أنت بتعمل بالزبط
كل الناس مستعجلة تهرب من الشتوة المفاجئة, وأنا لحالي ماشية ع مهلي, لميت ياسمينة من البركة اللي عم تتجمع ع الارض و شميتها بفرح
جواي كملت فيروز تغني للشتوية اللي هواها_زي هواك_غلاب
:
فتت ع مطرحي بالشغل , وكملت ادندن مع فيروزنا, هالمرة بصوت قوي: لا بعيد و لا مستحي, يمكن شوي بعدو مبحوح من الرشح اللي معلق ع حبال صوتي زي ما بتعلق بحكيك: تعلق حلو لأنو مش واضح, بس بتعرف انو موجود
حطيت الياسمينة ع الطاولة و بلشت اشتغل و كل شوي اتطلع فيها و افكر
لو بتقدر ياسمينة زي قلوبنا _بيضا وطيبة و بريئة_ تقطع جبل ورا جبل ورا جبل و تروح لعندك ع البعيد اللي انت فيه
ولو بتقدر_بما انها وصلت ووصلت_ تتركلك ع شباكك الصباحي اللي بتطل منو ع الدنيا بوسة صغيرة مني: حلوة و رايقة و بتعدل المزاج و بتخلي يومك أحلى
:

مرة أخرى, وأخيرة


هذي الطريق أكرهها

أكره اني مكرهة دوماً على عبورها :مرتين في أقل من شهرين أعبرها بكرهي الشديد لما يجرني إليها غصباً عني.

هذه الطريق هي الطريق الالتفافية بين البساتين و عبر مقبرة قرية القاسمية الواقعة على طرفي مصب نهر الليطاني شمال صور_مدينتي.



:

"طريق إلتفافية"! تبدو الكلمة من مفردات القاموس الفلسطيني , أليس كذلك؟
ولكنها ليست كذلك, ولا أسف

هي مفردة يخلقها الاحتلال, ويحاول تكريسها واقعاً على الارض بالبسطار و التهديد برائحة الدم و البارود

هي مفردة تلازم وجود الاحتلال,اي احتلال!

فنعمان _صديقي العراقي الجميل الذي لا أصدق ان من بطيبة وجهه و رقة قلبه سيصبح جراحاً يجترح الراحة من عز الألم بمشرط لا بضحكة كعهدي به كل لقاء_يخبرني ان بغداد تعج بالطرق الالتفافية منذ ذلك الآذار المقيت.

أما فلسطين, فلا حاجة بمن يخبر عنها, نرى و نحس كل يوم كم إلتفافة بإلتفاتة يحتاج أهلها _الدم ليعبروا من شريان لقلب لجسدها المنهك بقلة الاوكسجين اللازم للحياة حقاً.

ولكن لبنان!
لبنان جنوباً, و جنوباً الى الشمال من الشريط الحدودي السابق.
لبنان_القاسمية!

:



كيف يعقل أن أتقبل ان تجبرني طائرات الاحتلال و مدفعياته الرابضة على تخوم ايامي و بوارجه التي تحز زرقة بحري على خوض هذه الالتفافة المقيتة ذات مجزرة؟

و اليوم عليّ أن اتقبل ان القوات الدولية الزرقاء قبعات عديدها تجبرني على هذه الالتفافة يومياً ليست إحتلالاً؟



كيف أصدق أنها أتية لتحمي من لا يحتاج للحماية؟

هل بلادي تحتاج للحماية من موت يأتيها من بر و بحر و جو
هل ستنفع أساساً هذه الحماية؟

تمثل في العقل و الروح كوسوفو وسراييفو وكل مكان انتشرت فيه القوى الزرقاء و لم تمنع مجزرة و لا حمت سلاماً و لا راقبت انتهاكات

فلماذا هي هنا؟
لماذا ليست على الحدود مع الكيان الغاصب؟
لماذا هي على أرض بلادي أصلاً؟
ألم يتيقن العالم, بكل قواه و اقويائه, ان بلادي اقوى من ان يذلها اي كان؟


:


كلما جلت في الجنوب ,منظر البقع الزرقاء يشوه بقاع بلادي التي كانت خضراء بفضل خيرالقلوب و الايادي و تحولت محروقة بفعل شر العقول و الاعادي.

هذا الازرق أنا لا اريده, ولا بلادي تريده

اريد ازرق الانعتاق في أفاق الحالمين من بحر و سماء, اريد ازرقاً اعرفه و أحبه.

أريد أزرقاً لا يرغمني على خوض طريق تذكرني بالموت الحائم فوق رأسي و رؤوس من أحب.

أريد بلادي, حرة كريمة لا يشوه جمالها البري أزرق سوى إحتمالات الاحلام و اللامع من الذكريات و الأيام
هذه بلادي اريدها: مباشرة و بلا اي إلتفافة: حرة مرة أخرى , وأخيرة

جمول

16
أيلول مجدداً
عاشت الذكرى رفاق
عشتم فينا شهداءنا
وفي الذاكرة والبلاد و التاريخ
"واللي نسي جمول يمي, يعدم حياتو"

ليلة أخرى لذاكرة لا تسرح, ولا تسرحه

حين تطبق شفتا الليل على المدينة و الحكي

ينفث في صمتهما والعتم سيجارة قلقة

ويقول:صباحك يا بلد

:

يقيس بعينيه مدى ذاكرته

يزمهما حتى تريا كل شيء ويحاول التذكر: هل كانت السروة على مفرق الفرن أقصر؟
متى بدأت بضاعة دكان ابو هشام تقضم الرصيف الى هذا الحد؟
وهل لا زالت عجقة المدراس تطوق الشوارع برفوف المراييل و الغزل يتطاير و بعض ضحك و شجار؟

يسدل رموشه على النظر المتعب
يذهب الى المدينة كما يعرفها في حضرة الضوء

ينتشي بالمشاهد, ويريد مزيداً منها: مدينته و تفاصيلها

:

يوغل في الذاكرة أكثر: أمه تفح محبةً , وتنتظر

هذه المراءة قضت عمرها إنتظاراً بإنتظار
انتظرتهم يكبرون, ولما كبروا, تنتظرهم يعودون اليها أطفالاً: تغسل ثيابهم و تضمخها بطيب الدعاء
تقبل رؤوسهم قبل النوم وبعد صلاة فجرها المديد
وتوزع أطباق الجبنة و التين المعقود و كاسات الزعتر و الزيت على الحصيرة المفترشة ارض الدار و قاع الذاكرة
تناديهم"يما تعالو نفطر", تريد ان تلمهم مرةً بعد لقمةٌ و خبز طابون و شاي بنعنع, كما قلبها دائماً يلمهم


للحظة ينتبه انه لم يفكر يوماً بأمه الا "أمه", ولا مرة سأل نفسه كيف كانت قبل ان تصير أماً
فهي لم تولد بهذه الصفة حتماً
فكر انه يريد , لحشرية نبتت فجأة كما الزغب في صدره ذات تحولات مراهقة,ان يعرف أكثر ماذا إنتظرت قبلهم: هو و اخوته, شقى العمر و شقاوته الاجمل

تلسع السيجارة اطراف اصابعه فينتفض
يرميها و يتنهد: سأسألها حين أراها المرة المقبلة بماذا كانت تحلم قبلنا

:

يضع ابريق شاي على نار تتقد _مثله_ بالاشتعالات
على الأغلب سيسرح كعادته, وسينساه وسيصير لونه خلطة عجيبة من اشتباك النار و المعدن
لا يشغله عن السرحان سوى مزيداً من السرحان
بماذا سيفكر الآن؟
قبل ان تغلي ماء الشاي, كروحه تغلي بكل مفردات الرفض
سيسرح بالرفاق؟ من بقي منهم قيد الحرية و الباقيين الذين صاروا على قيد قبر او سلاسل؟
بممارسة الرفض؟
بالتنظير لكفاح الطبقة العاملة؟
بالتشديد على المطالبة بإطلاق الاسرى؟
او سيسرح بطرف شالها حين مرت قرب شباكه المغلق على الصمت قبل اسابيع؟
لم يعد يريد لها أن تأخذ اي مكان في ذاكرته و لا لحظاته و لا غده
يريد ان يقتلعها من صدره وروحه
ولكنه يدري تماماً: كلما تجذر فينا من نعشق أكثر, كلما تطرفنا في أحد خيارين: أما التمسك به حد الحياة , او ابتعدنا عنه حد الموت
وهو يعشقها هي
يمغصه امتثالها الغبي لما يقوله فلان و علتان, ويعشق امتثاله لغواية رموشها حين تصفقان كجناحي فراشة حين تخجل على مرمى كلمة, ولمسة مسروقة من كل "المفروض"
اشياء كثيرة "مفروضة", أكثرها إلحاحاً الآن أن لا يفقد حواسه الحاضرة و يغرق في سرحانه معها
فكل هروبه اليها_ولو للحظة تذكر_ خطوات الى الوراء, ومن يحمل صخرة خياره, لا خيار له سوى المضي قدماً
يحضر الفناجين, سيأتي الرفيقان عما قليل
سيجد لبعض وقت مكرور, من ينتزعه من براثن السرحان, والذوبان في حالة اللاذاكرة و اللا نسيان
:
يطفئ النار, تحضره ابنة أخته اللذيذة كقطعة شوكولاته مرة: ستشتهيها حد البكاء, ومع أول قمضة او اثنتين ستشعر أنك مملوء بطعمها اللاذع
هكذا الاطفال: شوكولاته مرة, يكفي مرور ربع الساعة الاولى معهم كل مرة حتى تعافهم, ومن ثم تعاود اشتياقهم من جديد
ابنة أخته الصغيرة, يقول لها "اطفي الضو" فتنفخ على اللمبة, ويغرق البيت بالضحك و تغرق هي في حضنه المبثوثة فيه رائحة الاستعجال دائماً
يفكر أنه لا يعرف بقية اولاد اخوته كما يعرفها هذه الشوكولاته.
يقرر: لو خرجت ذات شمس من شرنقتي هذه, سألعب معهم في الحاكورة, وسأعلمهم رشق الاحجار على وجه الماء و سأسألهم كيف يطفئون الضوء
:
يرى إلتماعة, وأخرى: هذه اشارتهما, وصل الرفيقان قبل سرحانه الليلة
يفتح لهم منفذاً لغرفته _الشرنقة, ويحضر الشاي مع سيجارة تحترق على طرف شفتيه المتشققتان عضاً متوتراً ومتواتراً
يشم يدي أمه مع تصاعد البخار المشحون دفئاً, تعصف به صورته معها و حبيبته المنفية من قلبه بإصرار يشربون الضحك و الفرح بطعم النعنع
"صباح الخير"
هلا رفاق_
يستلم منهما اغراض ارسلتها امه, وبين الاكياس, علبة شوكولاته وخبز طابون
ودمعة تكابر ان لا تلمع فيفتضح مكانه الذي في اللامكان

طعم القهر المدمي

لا أعتذر _تجاوزاً_على قفزي فوق "العد" في قصص الزمن المر
فهذا يوم مرير و مر اكثر من زمن بأكمله
:
ثم هذا صبحك يا شاتيلا؟
بقايا لمسيرة أُجلت حتى الخامسة مساءً,
الحضور لم يكن كبيراً
كان أقل من مساحة المقبرة المنفلشة على الوجود
والشارع لسان يتلوى حتى يلعق بدايات أفق غير مرئي
بسطات وصراخ باعة وركض حفاة صغار على أرض مغبرة باللهاث الأحمر
ويكاد المؤذن ينهي يوميات اللسان بآذان لظهر يشبه عصر يشبه مغرب يشبه كل وقت
إذن, هذا صبحكِ اليوم يا شاتيلا؟
عما قليل, في مقبرة الشهداء: ستعزف عينا أم وتسكب الشجن دمعاً:
على من تعرف أن لهم قبوراً,
ويغص قلبها بالوجيعة على من لا تعرف لهم مصيراً
ستخجل شمس الظهيرة, فما من شعاع ألمع حرقة من باذخ حزنها الأسمر
وحين المسيرة, سيذهب العشاق الصغار الى احتلال زوايا الساحة المتربة من دوس الاقدام, ودعس القلوب
ثمة مجرم لا يزال طليقاً,يضحك بخبث و ينفث سيجارة وفي نفسه يجّود" لقد نجوت بالنسيان"
والحاد كنصلٍِ من قهر حبيس في الروح لا ينسى
ذات ذكرى, سينداح عنه الصبر و يشتد في صمته الصوت
ويدوي عالياً حتى يفيق أهل المجزرة
سيفيقون ويضحكون: للعشاق الصغار المختبئين في هول الحدث
وعلى المجرم الذي يظن أن دورة الفصول تتغير
وللأم التي لا تنسى
وعلى من نسوا وقت المسيرة_الوفاء
القهر خط على وجه السماء حين إستوت بزرقتها: مطر ,فورد ,فنار, فدم
والمجرم من يظن أن اللسان ينسي طعم دمه

قصص الزمن المر 1

ركضت إليّ "كارول" فور عودتي من بيروت الى مركز النازحين الذي اقرأ فيه قصصاً للأطفال
وكارول طفلة من جنوب لبنان, طفلة اكتشف اهلها معنا إثر نزوحهم إصابتها بحساسية جلدية تجعل جسدها يطفح ببقع حمراء تحكها حتى تسيل دمائها و معها دموعها و دموعنا.
كل يوم, نحتاج ان نقيم مهرجاناً من الضحك و الاغراءات لكارول كي ترضى بأن ندهن قروحها بالدواء ومن ثم نغسله بعد خمس دقائق.
اليوم اتت الي_ بلا اي دافع او اغراء بعلكة تحبها او بوظة مثلاً, وارتمت في حضني و سألتني ببراءة سنواتها الثلاث الا قليلاً "رح نموت نحنا؟"
صعقت, ماله حديث الموت يطاردني حتى الى العيون المفعمة أملاً مفترضاً بالحياة؟
سألتها بعد ان منعت دموعي بصعوبة" ليش هالحكي يا كوكو؟"
وحكت بجمل يقطعها الهلع عن "اولاد مايتين و الحجرات عليهم"
أسألها أين رأتهم" بالتلفزيون, وماما و كلن كلن بكيو كتير كتير"
ثم تعاجلني "ليش بس يبكوا الكبار ما بتقولوهم إسكتوا؟"
صحيح يا كوكو الجميلة, لماذا لا نقول لهم ان يسكتوا لأجلكم؟
ربما لأنه من الممكن فعلاً ,و في جيرة غير مرحب فيها كجيرة الصهاينة,ان لا يستطيعوا حماية براءة كعينيكِ
وممكنٌ فعلاً ان تكونوا انتم يا حبيبة قلبي "مايتين و الحجرات عليكم"

قصص الزمن المر

"ماما ليش جبتينا لهون؟ هون كمان في منهن"
ومريم ذات الاعوام الثلاث تقصد ب "منهن" القنابل المضيئة التي رأتها في بنت جبيل حتى اليوم الثاني عشر من العدوان قبل ان تتمكن امها من النجاة بها و اختها من الجنون المستعر في تلك القرية الجنوبية التي كانت قبل ايام الجحيم هذه وادعة و رائعة.
مريم تغفو باكية في حضن امها , هي تريد اباها الذي "بعدو بالضيعة عم يعمل واجبه" هكذا تجيب امها بكل بديهية كأنها تلقي تحية صباح الخيرو حين نسألها اين زوجها.
تأتي فاطمة, اخت مريم ذات الاعوام الخمس قرب امها, وتهمس" يا امي, رح يقصفوا هون كمان؟"
نتطلع حولنا, نحن الكبار, ليس ما يوحي بامكانية القصف هنا, فلماذا تخاف فاطمة؟
تقول لها امها و نؤكد نحن على كلامها "لا حبيبتي , هون ما بيقصفوا"
تخبرنا امهما ان البنات تعودّن منظر القنابل المضيئة في القرية, وللآن يعتقدن ان الاضواء المتناثرة على رؤوس الجبال المحيطة بالقرية التي تهجروا اليها في الجبل, قنابلاً تخيفهم و تتسبب في جعلهن يتبولن في فراشهن ليلاً كلما سمعن صوت الغارات الوهمية او مجرد مرور الطيران في سماء الجبل الذي لم يتعرض _تاريخياً_لقصف صهيوني معادي.
تضحك "ام البنات" وتقول: صرت عم بستعمل حفاضات لكل القياسات: خمسة و تلاتة
ثم تذهب ببناتها الى الغرفة المستحدثة لإيواء كل عائلة على حدة في المركز الذي نزحن اليه مع افراد عائلتهن من نساء و أطفال, اما الرجال, فكما صرتم تعرفون معنا" عم يعملو واجبهم بالضيعة"
سوء الاتصالات في لبنان بشكل عام ,و بالذات في منطقة الجنوب و خاصة بنت جبيل التي انقطعت اخبارها عن العالم الا فيما يخص المعارك الدائرة رحاها على تخوم القرية بين الرجال الذين يقومون بواجبهم ببساطة و بين افراد لواء "غولاني" المفترض حسن اعدادهم و تدريبهم بحيث ان اسمهم لطالما اخاف الكثيرين لمجرد ذكره , هذا يجعل من الاتصالات مع من بقي في القرية مهمة صعبة اذا لم نقل مستحيلة.
بعد عودتها من مهمة وضع البنات في الفرشات التي يستعضن بها عن اسرتهن في هذا النزوح الاجباري, أسأل امهن كيف تطمئن على زوجها؟
تسرح عيناها مع النجوم التي تملأ السماء , وتضيء فيهما دمعة قبل ان تتنهد و تجيب" بعرف انو عايش لأنو ما قالوا بالاخبار انو استشهد"
تصمت للحظة ثم تعاود" الله يحمي شباب المقاومة"
يسألها صديق" بتفكري شو ممكن يصير لو استشهد جوزك؟"
لا تترد في الاجابة " بيكون شرفنا و شرف ضيعته والمقاومة"
يعاجلها" طيب و البنات؟"
"البنات؟" تسكت للحظة ثم تكمل: "البنات , بيكبروا ع انهم بنات شهيد"
تتعالى دعوات النساء الجالسات في الحلقة الساهرة حولنا لله ان يرده سالماً لبناته و يحفظه لشبابه و الوطن, تخفي زوجته الشابة دموعها و تتمتم بآيات او ادعية قبل ان تقول بصوت متحشرج "تصبحو ع خير"
بعد انسحابها الرقيق, كملامح وجهها, تحكي النساء الساهرات معنا عن ادبها و حسن تربية بناتها.
تقول قريبة لها" بالضيعة بتستحلي تشوفيها بتحكي كلمة ع فلانة او علتانة, ست بيت حاطة هالبنات وعم تربيهم, الله يرد جوزها و الشباب سالمين"
قبل ان يستلم الحديث لسان آخر و نسمع غارة, ودبيب قصف: تتعالى صرخات الاطفال و تقفز الامهات عن غفوهن الخفيف الى الخارج لتفقد مكان الاستهداف, لا يمكننا ان نحدد ما يحدث حقاً :فوضى اصوات و ضجيج الهلع يصم الاذان, ثم تهدأ اصوات السماء.
اما على الارض, يبقى الاطفال يذهبون بحناجرهم و خوفهم البرئ في نوبات من بكاء تسحب قلوب الامهات و كل الموجودين من متطوعين و شباب الى القلق عليهم هم بالذات من ويلات هذه الحرب.
بعد قليل, حوالي نصف ساعة ليست قليلة ابداً في مثل هذه الاوقات العصيبة, تعود جوقة الملائكة الى نوم قلق.تنضم ام البنات الى حلقة السهر المتوترة, فما من سبيل الى نومها بعد, رغم ان" البنات "ناموا"بحسبها.
نتسامر قليلاً, كل يحلل ويتوقع من جهته, ونحن مستغرقين في الحديث, تتسلل فاطمة بيننا وتشهر طفولة سوألها الحقيقي بوجه نضج كلماتنا الباهتة "مش قلتولي هون ما بيقصفوا؟" ثم تلتفت الى امها بعتب
" ليش جبتينا لهون, كنا ضلينا بالضيعة حد بيي"

مشاركة في الآداب

هذا النص ليس تدويناً, هو مشاركتي في ملف خاص من مجلة الآداب يصدر الاسبوع المقبل حول الحرب الصهيو_امريكية عل لبنان صيف 2006
أنشره هنا لرغبة أصدقاء احترمهم في أن لا تبقى جهود أصدقاء و رفاق اخرين_ لا يعرفونهم بالضرورة: لا في العالم الحقيقي و لا افتراضياً _طي الصمت
بالنسبة لي : أخجل ان احكي عما فعلته كفرد ضمن "النحن" الجماعية التي تعلوني و اعلو بها دوماً, في هذا النص و خارجه.
حسبي اني كتبت شهادة, وحسبي ان تكون أصدق من التنظير و المزاودات التي لم تحررعلى الارض حبة تراب, ولام تحرك في القلوب نبضةٌ مقاتلة لوطن نسعى جميعاً لنكونه و يكوننا.

أن تكون ناشطاً في ايام السلم, يعني انك ستكون بين الانشط في ايام الحرب. حيث طوفان ما ينبغي فعله يعاجل الجميع من كل حدب وصوب.

التجارب متنوعة و عديدة و غنية و مترابطة جداً , بعضها فردي و بعضها جماعي, وبعضها انتهى مع وقف العمليات العسكرية يوم 14 آب الماضي , وبعضها يستمر حتى اليوم و إن بأشكال اخر.

بالنسبة لي, ومنذ اليوم الاول للعدوان, كنت أعي تماماً ان ما سيكون في فترة الحرب يجب ان يستمر الى ما بعدها. فلا يمكن لأي عاقل تصور ان الحرب _مهما طال امدها او قصر_ سوف تترك نتائجاً يجب التعامل معها حين تنتهي العمليات العسكرية و يكف ضجيج الموت عن الاندلاع في ايامنا و ليالينا.

من قرية النزوح المؤقتة "بيصور" الى بيروت و عودة الى صور , لم يمر يوم حتى الآن دون ان اكون_ومثلي كثر_ منشغلين بأكثر من عمل وواجب في الوقت عينه. و على ما آمل, فإن هذا الالتزام العالي الذي أظهره افراد و مؤسسات و نوادٍ وجمعيات في لبنان و كل العالم, سوف يستمر حتى احتواء أثار هذه الحرب و تطويق الاثار المحتملة لكل حرب قد تأتي بعد.

كوني معلمة أطفال, فقد كان من الطبيعي ان افكر بالعمل مع الاطفال بشكل اساسي, بالتوازي مع العمل مع النازحين , وبوعي كامل ان الحرب لا تعني موت الانسان فينا. لذا, كان لا بد ان نسعى ليبقى لهذا الانسان فينا و في اطفالنا وجوده اليومي عبر نشاط و قصة و اغنية ترسم ضحكة و تجعل الخوف امراً قابلاً للفهم و التعامل معه بشكل اكثر مرونة و اقل شعوراً بالذنب من قبل أطفالنا واهلهم معهم.

الهدف كان ان نرافق الاطفال في هذه المرحلة الصعبة ليفهموا _ولو قليلاً_ ما الذي يدور حولهم و ان ما يحسونه هو طبيعي و منطقي كردة فعل على ظروف لاطبيعية و لا منطقية عصفت بحياتهم.
ولليوم, لا يدعي احد اعرفه و عملنا و نعمل بعد معاً في مجال انشطة الاطفال اننا نقدم اي نوع من علاج او تعليم. كل ما نقوم به هو محاولة خلق اجواء من الثقة و الامان للتعامل مع الاطفال من خلالها للوصول الى هدفنا المذكور اعلاه.


هكذا تكون ناشطاً, ولكن ماذا عن الانشط؟

الانشط هو ما فعلناه كمجموعة تبلورت للآن بإسم "حملة المقاومة المدنية" وبأهداف و ادوار كل همها التركيز على بناء علاقات مع الناس في هذا الوطن الذي يجمعنا الانتماء له لتتكامل الجهود و تتضافر للقيام جميعاً ومعاً بدورنا في دعم خيار المقاومة بشقها المدني. ففي ممارسة هذا الخيار خلاصنا الجمعي من سطوة ما تنوء بها بلادنا من هيمنات و محسوبيات وما يفيض عن مساحتها من زواريب سياسية و "مصلحجية" لا تخدم الا فئات قليلة من المتنفذين فيها.

بدأنا , لبنانيون من مختلف المناطق و الطوائف و المشارب السياسية في لبنان و اصدقاء عرب و اجانب متضامنون مع لبنان, نخطط للانطلاق جنوباً في قافلة تضامن و اغاثة لاهلنا الصامدين على تخوم المواجهة.

في اقل من عشرة ايام, توالت الاجتماعات و الاتصالات وتكثفت الجهود من كل من شارك ودعم و أيد الفكرة لتنطلق يوم السبت 12 آب 2006 قافلة من 50 سيارة بمواكبة اعلامية متنوعة, رافعة علم لبنان, وعلم لبنان فقط.
ومحملة بحصص غذائية و ادوية للصامدين من اهلنا بهدف الوصول الي ابعد نقطة يمكن الوصول اليها لنقول على طريقتنا" لا" بوجه عدونا الذي كان يحاول ان يفرض علينا التحرك بحسب ما يسمح به و يمنع على تراب وطننا الحر.
وأردنا ان نقول لنا_ نحن اهل هذا الوطن المثقوب بكل الوان الاختلافات و المتوحد في كونه هدف دائم لاطماع الصهاينة فيه_ اردنا ان نقول اننا كلنا لبنان حين تريد اسرائيل ان تجعل حدوداً جغرافية بين لبنان و الجنوب: فالجنوب لبنان و الضاحية و بعلبك و بيروت و جعيتا و فاريا و عكار وكل حبة تراب هي كل لبنان.

قافلتنا لم تمنعها اسرائيل من التقدم جنوباً, ولا عزيمة المشاركين فيها بدمهم وهنت , بل كانت الحكومة اللبنانية هي من منعها من المضي لتسجيل رسالة سياسية عالية المستوى بوجه الصهاينة و العالم الفاقد حواسه في دعمه عد "وقف اطلاق النار اذ لن يحقق اي فائدة" كما صرحت خنزيرة الخارجية الامريكية الانسية النوع كونديليسا رايس.

عادت القافلة الى بيروت: محبطون كنا و غاضبون, ولكنه ليس وقت الوقوف بوجه حكومتنا ونحن في حرب يريد عدونا ان ينتصر فيها سياسياً بانشقاقنا شعباً عن حكومة, في حين كانت واضحةً هزيمته العسكرية المتزايدة باتحادنا شعباً و مقاومةَ.

وما كان ممكناً ان تضيع هباءً الجهود التي وُظفت لانجاح هذه القافلة من قبل الفسيفساء العجيبة في اصولها و الرائعة في صورتها النهائية التي اجتمعت لنكون معاً في ذلك السبت الذي سبق وقف العمليات العسكرية بيومين فحسب.

وهذه الفسيفساء من لبنانين و عرب و اجانب لم يكن لها لتكون ما هي عليه اليوم دون خلافات و نقاشات حادة و طويلة و عميقة اخذت كثيراً من وقتنا الذي كنا نتسابق لتوفيره و توظيفه بأفضل ما يمكن مع اليات الموت الدائرة دوائره في كل منطقة من لبنان تقريباً.

اختلفنا, واتفقنا كيف ندير خلافاتنا ونعلي قيمة المشترك بيننا على كل محاولات الهيمنة بالرأي و اسلوب التصرف الذي يعاني بعضنا منه كنتاج لتربية ضاربة جذورها فينا.

واتفقنا اساساً ان لا نضيع فرصة اجتماعنا هذه وفكرنا معاً بالخطوة التالية, وكان ان انطلقنا على الارض فعلياً بعد 14 آب جنوباً.
نزور قرى لم يصلها قبلنا اي من الهئيات الدولية ( شرحوا لنا اسباباً تتعلق بأنهم يحتاجون ضمانة انتشار قوات اليونيفل ليتمكنوا من الدخول الى قرى المواجهة او تلك التي يظل الصهاينة ينزلون فيها حتى اليوم)
نسأل البلدية عن حاجات هذه القرية او تلك, نحادث الناس, نعزيهم و نعزي انفسنا معهم بشهداء نصرنا الطالع من كل الهائل من الدمارالذي نعايشه بعد بكل حواسنا ووجداننا.
نحاول قدر الامكان ان نؤمن ما نستطيعه من متطلبات الحياة في هذه القرى, فامكانياتنا قليلة و تتمثل بتبرعات اصدقاء و داعمين من لبنان و خارجه لما نفعله.
ومع ذلك, انظر اليوم الى ما فعلناه بامكاناتنا البشرية و المادية القليلة و اشعر بالفخر و التحفز لانجاز المزيد: فها نحن نقوم بواجبنا تجاه هذا الوطن بأفضل وأقصى ما يمكننا الأن و ما سيمكننا غداً.

اليوم: علاقاتنا بالقرى التي عملنا فيها مستمرة, اقوى, امتن و اوثق.
نزورهم بعد , نقيم نشاطات الاطفال اسبوعياً معهم و نشرب شاي ضيافتهم ونتناول بالحديث كل ما يخطر بالبال من مواضيع. ننظم لقاءات حول "مقاطعة داعمي اسرائيل" و نلمح في صلابتهم اصراراً على المعرفة و التعاون كي نهزم اسرائيل عبر داعميها اقتصاديا بعدما تأكدت هزيمتها العسكرية مرة اخرى بعد دحر جيشها الذي لا يُقهر مذلولاً ذات ليل في نوار 2000ً

وغداً: تحدينا الاكبر ان نحافظ على علاقاتنا هذه و ننميها و نعمقها و نشبكها مع علاقاتنا السابقة في مختلف مناطق لبنان كي نساهم جميعاً في بناء الوطن الحقيقي الذي لاجل ابهى صورة له في الارض ارتفع في هذه الحرب وحدها اكثر من 1350شهيداً الى سماوات الحرية و التحدي و الصمود.

سعادة

وكان حكي
والسماء أنجبت مطراً جديداً
المسافة اخضرت بخير ضحكات و أطفال وقمح
والعيون صارت أجمل
لمع فيها في نفس اللحظة قمر
وأضاءت سعادة غريبة قلب الوجود

يا علي


طول الطريق من صيدا الى عدلون
كان علي يتنطط في المعقد الامامي بمواجهتي

يسترق اليّ نظرة بين حين وآخر, أنا غارقة بكتاب رسومات لأطفال المخيمات الفلسطينية في لبنان
لم افعل شيئاً سوى النظر اليه و الابتسام كل مرة نظر فيها اليّ
كان يغني و يضحك و يقلد اصوات الحيوانات التي مررنا بها على طريقنا"بابا, مش الكلب بيعمل هو هو؟"
"هيدي بقرة بتعمل موووووووووووووووووووو"
:
ثم, ومن حيث لا يمكنني ان اتوقع, رأي علي جسر الزهراني المدمر (شكله هالجسر يفوق كل تخيلات بيكاسو ودالي غرابة) وانطلقت حنجرته "كلنا للوطن"
وكله كله "النشيد الوطني"غناه علي, ذلك النشيد الذي لا يعرفه كثير اهل هذه البلاد المريضة بوهم وحدتها الوطنية و لبنانيتها
حينها سألت والد علي: قديش عمرو؟
وصعقت انه فقط في الثالثة من عمره
:
ايه يا علي الاخر انت: انت ايضاً اخرجتك دموع الامهات من براءتك المبكرة الى هذه الاناشيد و الاغاني
ما عدت ابتسم, اغلقت الكتاب على وجعي, وشردت مع حركاته وهو يغني" نصرك هز الدني
:
من يدري, بعد سنوات, قد يكون ثمة اخرى تستقل باصاً بوجهة غريبة ومعها كتاب رسومات
وسيكون علي اخر ونشيد لا يحفظه كثير من اهل البلاد
وستكون طفولة اخرى, متقدمة سنواته الطرية بوطن

يوميات

" إختلطت الألوان على البوستر الذي يحمل صورته و إسمه مسبوقاً باللقب القاني "شهيد
على مسافة من لوحات موعودة, جفت الريشات في إنتظار يديه: ولن تأتيا
.وحدها واظبت على عاداتها اليومية معه
كل صباح تحضر له القهوة و سجائر لن تلبث تتلون بآثار خبطه سريعاً على القماشة التي سيسميها بعد قليل رسماً
وهي ستسميها دوماً: ابداع
تحمل زوادة الصبح و القلب الى القبر الذي تحرسه بأنفاسها
وتهمس له ليطيب الغفو: صباحك أنا حبيبي

ظل

حين يلومونها بقارس النظرات على إنتظارها المديد له
ويقولون بلا كلام: سيكبر في البعد و يكبر همها معه, ولن يعود
ويشفقون على شبابها :عيشي
تستحضر وجهه يضحك لعينيها في اخر النظرات
تضم اليها صور أحلامهما البهية المُشتهاة
وتشعر روحها تتفيئ في ظل نبي

الوقت: تلك هي المسألة

أغفر لي طول رسالتي, إذ لك يكن لدي وقت كافِ لكتابة رسالة قصيرة
جورج برنارد شو

ششششششش

مرات يذبحني الصمت أكثر من عتاد كامل من الأبجديات
ولا أموت.....

شامة وصبح

يتسلق الضي على خلاياه العطشى للمزيد من دورة العطش و الارتواء معاً
يطلع من خلف الوسادة صبح: يخجل شعاعه ان يقتحم طفولة الغفو
فهو _مهما أنار_ قاحل أمام غبار النجوم المتروك على ملامحه ليندلع من نومه
يتقلب العاشق,يدير للصحو ظهره و يفتح الروح على مزيد من الاحلام
وعلى الضفة الاخرى من سرير يتسع لكون من الاشتعالات,تنط عن الكتف شامة تعشقها شفتاه
تتثاءب قبلة
وتشتهي المشتاقة الاغتسال بوقت من صوته

جنوباً در


بعد قليل نعود جنوباً
جنوباً أبعد من صور وأبعد كثيراً من "جنوب النهر" الى ابعد نقاط الحدود مع فلسطين المحتلة
نعود لنرى مجدداً ارضنا السليبة و لنعدها بنظرة قوة و قلوب مؤمنة بالحق بأننا سنرجع يوماً
جنوباً حيث فلسطين: تنتظر ان نتعلم درسها في الكرامة كاملاً حتى نستحقها كاملة: عروس الحرية و ارض المجد الحقيقي
هل يبدو كلامي هنا كشعارات الحالمين؟
فليكن, لأني اثق بأن الاحلام الصعبة و الكبيرة وحدها تستحق النضال لأجل تحقيقها
فلو أحلامنا سهلة و قابلة للتحقيق, لاستطعنا انجازها سريعاً و عدنا الى منازلنا
وعدونا حاول و بعد يحاول ان يقزم أحلامنا
أن يختصر كرامتنا الى حد عبور حاجز تفتيش " رزق الله ع هيديك الايام يا كفرتبنيت و بيت ياحون و
البياضة", وان يجعل جل همنا هو ان نعبر طريقاً قريبة للحدود دون ان نتعرض لاحتمال الاختطاف و الغياب , بلا حس او خبر, عن احبتنا و اهلنا و الديار
أعود مع اصدقاء و رفاق جعلتنا تجربتنا الجنوبية أهلاً بمعنى غير مألوف لنعاود قهر محاولات عدونا لقهرنا و لنقول "لا" على طريقتنا
مع اهلي اعود لاعاود و نعاود و نقول بلا ضجيج كثير " لو عدتم عدنا" كما في الاحرف المشرعة تحدياً بمواجهة الموقع الصهيوني في قرب بوابة كفركلا
نعود الى اهلنا أهل يواجهون معاً إحتمالات الحياة و الموت, يتحدون عدواً اندحرت عن هيبته صيغة الذي لا يقهرفقد بات مقهوراً
و بعد يُقهريقهره اصرار شعبنا على الحرية مهما كلفت هذه الحرية من جنى العمر و بيوت "نختير فيها" ويقهره ان ارضنا تطلع بعد _في كل موسم_ براعم تقاتل لاجل انتصار الحق بمجد الدم الناصع_ و يقهره اصرارنا على الوصول الى اخر نقطة من تراب بلادنا دون ان نقبل بأي حاجز للذل يقيد حرية حركتنا على الارض التي إرتوت بدم ابنائها حد النصر
وما اغلاه هذا النصر
"ولو تعرف شو كلف النصر: اشيا انقالت و اشيا ما انقالت و بعدها ورا الدمع مخباية"
ولأنه غالِ و عزيز و مكلف حقاً و كثيراً
لا بد ان نحفظه بأشفار عيوننا ( سنخدمكم بأشفار عيوننا هو احد شعارات حزب الله)ا
وبما ان هذا الحزب الشريك في المقاومة و الوطن المقاوم لم يبخل بخدمة خيار حريتنا و كرامتنا الجمعية بكل الدم لا فقط بأشفار العيون,فأقل ما نقوم به لصون النصر هو ان نستمر في تقزيم أطماع العدو في تصغيرنا و تحديد احلامنا بخط اياً كان لونه, ازرق او اخضر او بنفسجي, فالخط الوحيد الذي نعترف به هو شريان الدم المتواصل نبضه تحت الارض و فوق الارض و على وجه السماء وفي البحر و القلوب من فلسطين الى لبنان الى كل ارض تقاتل من اجل حيرتها و انسانها
نذهب جنوباً بعد بملئ ثقة ان اعينهم قد تكون علي و على "أهلي" في كل لحظة , وهذه المعرفة تحديداً تفعم الروح بالاحساس بالانجاز: ها نحن بعد منتصرون
منتصرون ونذهب كل مرة جنوباً بعد: لا ادري كم مرة بعد سنلتزم بالخط الوهمي على الخريطة و لكني في كل مرة أوجه نظري_ فالقلب هناك دائماً_اعرف ان الجنوب الذي اريده هو فلسطين
وذات عزم, سيكون الجنوب الذي نستدير اليه أبعد من حدود اوهامهم و اوسع من مدى الاحلام
من الصورة تستدلون على اتجاه فلسطين على الطريق الساحلية في قرية الناقورة, وجنوباً إليها نمضي

فشة قلب

بتنهيدة بيبدا الحكي

مش بالامثال بيحكوا عن "النقطة التي اطفحت الكوب"؟
هيدي بالامثال الكلاس قال, بالامثال الشعبية منقول القشة اللي قصمت ضهر البعير

وانا حاسة انو بعد بتحمل نقطة نقوطة زغيرة بس و قشة اخف من ريشة لاطفح و لانفصم

وبقبل اشبه حالي بكباية, لاني مؤخراً تحولت لنوع من وعاء_ بالحقيقة هو وعاء من حجم ضخم_ بس تماشياً مع المثل بقبل بحجم الكباية

واي شخص زي حالاتي, بيتحول لنوع من الحيوانات اذا ما ضل بين عيونو خشية انو تجي هالقشة و تنزع الدنيا و تخربطلو مشيو, خاصة انو بمحيط بيكتروا فيه حيوانات "السياسة"اللي بيعمولو كورال ناشز من الاصوات المنفرة صبح و ليل

طيب انو شو يعني؟
لا أول و لا أخر وحدة بيصير عليها حرب, ولا هي اول و لا اخر حرب يعني, انو ع شو جنابي عاملة من الحبة قبة؟


بالحقيقة ما في حبة اساساً, من الاصل في قبة
قبة فرخت اكثر من كل جوامع البلاد المؤمنة و غير المؤمنة, بس يمكن لأنها بلا ميدنة (اللفظة العامية للمئذنة) ما حدا عم يقدر يشوفها لهالقبب

بس مؤخراً صرت عم بحسها كل الوقت تحت جلدي
عم تكبر و تتدور و تفتق خلاياي و تحرضني اني اخد قرار جذري_واستراتيجي غير مرحلي عشان ما يزعلو منظرينا , دخيل تحليلاتهم انا شو انها غويطة و عويصة
يؤ
مش كنت عم بحكي عن القرار الجذري؟
منرجع للقرار الجذري

يعني القصة صار بدها حل عاد

يعني مين ممكن بهالعالم يقدر يشرحلي كيف ممكن في شعب, عايش معنا و حدنا و بلزقنا عم يتحمل من اكتر من 58 سنة اللي هلق نحنا عم نرقع بالصوت انو غير قابل للاحتمال؟

يعني انا جد حاولت اركبها براسي: يمين شمال, طول بعرض, بس برضو: معصلكة عنجد

انو 33 يوم حرب, وماشي انو مش اول حرب , وانو إلنا تاريخ يشهد من ايام الحصار ب1982 و قبل و ما بعد

بس انو يعني ع شو فلقنا رب العالم انو نحنا شعب قطعة السما اللي اسمها لبنان _ و بالغلط سقطت سهواً بهالبقعة الجغرافية اللعينة_مش قادرين نتحمل اللي عم بيصير و انو تعا يا عالم بطواقي زرقا و عيون خضرا و شعور شقرا مسبسلة وقف بيننا و بين الهمجية و الوحشية و هالقصص اللي بدهم اللي بيحكوها قواميس تسعفهم ليفهموا شو معناها او شو بتشبه كلمات من لغاتهم الفرانكفونية و الانغلوساكسونية الأم لتلبيهم بالتعبير

انو عنجد: شخصيا قرفتوني, فحلوا عن سماي

انا كباية او بعير او حجر او ولا شي
بس انو حلوا عاد

يعني كل يوم بفلسطين الموت دايرة دوايره
واغلبنا ساكتين

ويوم يقرب ع اطراف حياتنا المُشتبه بسلمها و سلامها اساساً مع هيك جيرة
بينطلي مين يحكي بأنو شرعة حقوق الانسان و القوانين الدولية و هالكلمات الغبية تبعت الموفدين الدبلوماسيين و المخابيل اللي مصدقين انو بيشتغلو بالامم المتحدة؟

يعني الظلم علينا حرام و ع غيرنا حلال؟
الصهاينة ممنوع يجرموا فينا, بس ع الفلسطينين مسموح؟
صوتنا بيخرس لما "الشر برة وبعيد" بس بيطلعلوا حنجرة تولول لما الشر يدخل ع بيوتنا و يقرب ع حواكيرنا؟


ما عم بقول انو في دم اغلى من دم, ولا في معاناة اشرف من معاناة, ولا في عذاب ارفع قيمة من عذاب

ببساطة, عم بفش قلبي و اقول: لانو ما في دم اغلى من دم, ولا في معاناة اشرف و لا عذاب ارفع عيب يكون هالحكي موسمي و رد فعل ع مجازرنا الشخصية او "الوطنية", عيب و حرام و بشرع الانسان و قيمته الحقيقة لا يجوز

قيمته اللي ما الها لون و لا بيحددها رقم قرار بمجلس مهما كان "متحد" او سخام النيل


يعني في لكل شي حدود _ الا للامل و الحق زي ما انبرى لساني و كلت اصابعي و انا اطبع بهالمدونة تحديداً_وللصبر حدود ع قولة الست اللي عم بسمعها مع ماما بهاللحظات تحديداً و عم تحسسني انو في بعد بالعالم اشيا بتستحق انو اوسع نطاق استقبالي لنقاط جديدة واتقوى لاحمل حطب اثقل

وهالاحتمال للاوجه المتعددة و الكذبات الرخيصة و المهينة لكرامة اي انسان واللي بتهين و بتستهين ذكاءه بشكل سافر

كمان هالاحتمال بيجي وقت و بيوصل لحده

ولو وصل وقته: غير شي رب ما بيعرف شو ممكن يصير
وهي تنهيدة, بتعمل فاصل بين حكي و بعد حكي
بس يا ريت
يا ريت
شي مرة بيخلص التنهيد و ما بيضل في حكي

لأهلي وراء الحدود


قصيدة سميح القاسم تنكش روحها

وتسرح: ايه ايه يا أهلي وراء الحدود

الأهل الذين لا تعرف اصواتهم ولا ملامح وجوههم حين يعبسون و لا تجاعيد ما حول عيونهم حين يداهمهم فرح بخيل

ولا تعرف حواسها روائحهم حين يتعانقون بلا حدود و لا اسلاك ولا عيون عسس و حرس

ولكنهم أهل: تشعر عيونهم تراها و ترى تفاصيلهم المُنتظرة بالقلب المترقب حلولهم في العمر حقيقة , لا
فقط خيالات و إسقاطات لا تتحقق
كل مرة تقودتها الدروب الى تلك الحدود, تبدو الاشياء اتفه من ان تحتمل سخافة حضورها في حياتها
ألسلك ان يمنع الدم من التدفق في الوريد ليبقى النبض؟
ولكنه سلك ليس كمثله سلك
هو مواثيق خُطت بالحبر الجاف متناسية الدم الدفاق الذي سفحه اهل هذه الارض بلا حدود
هو جنون الخوف من الدفع قدماً الى نهايات الخيارات و نهايات الاشياء
هو حجاب الروح عن اعمق و اقصى احتمالات تجلياتها
ولكنها تدري, كما ارضها تدري, انه سلك يزول يوماً
وكلما اقتربت من الحدود اكثر: ودت لو تمد يدها و شرايننها في الفضاء المثقوب بالحذر لتسد مكن السلك إذ ينزاح عن المدى
ورأت, فيما ترى, اطفالاً و حمائم
ورأت قمراً يكتمل بالفرح
واهلاً يحجون الى الحقيقة من وراء و أمام و جنب و خلف و تحت و فوق
رأتهم يقتربون اكثر , يخرجون بثباتهم على الامل من ثبات الكلمات في القصيدة
وورائها معهم تنمحي كل الحدود
الصورة بعدستي بتاريخ 30_8_2006 من اعلى قرية مارون الراس المرفوع كرامة, وتظهر فيها"أفعى الحدود" التي سمها يبعدني و يبعد أهلي عن ترياق اللقى

لأيلول و ذكرى تنتظر النسيان

"رجع أيلول و انت بعيد, بغيمة حزينة قمرها وحيد"
وهنا تتوقف الاغنية و يسيل من السمع صوت فيروز وتميع فيّ الانفعالات
ها قد رجع أيلول و معه أكوام الذكريات التي ما فتئت تزداد ألقاً في روحي , رغم اني في كل سنة اقول لنفسي " السنة الجايي يمكن بنسى"
وتجيء السنة المنتظرة و يخطئ مواعيدي معها النسيان
مع كل أيلول, انتظر بهجة تخفف من فداحة قهر ايام هذا الشهر في روحي
من أحبة رحلوا الى مجازر أرخت لفظاعة ان ننسى_ألهذا السبب تعاند ذاكرتي في إسقاط بعض مما فيها فيما يخص هذا الشهر الجليل الحزن؟
كل مرة: أشتهي ذكرى مغايرة لما اعهده لنفسي مع أيلول
أتمنى ان يأتي فيه صوت فيروز أقل شجناً, وان أستقبل مشاهد الاستعداد لدورة حياة خرجت منها حين كبرت بحنين اقل ( كم أشتاق ايام
التحضير للمدرسة: شراء الكتب و الاقلام و المراييل و ثياب المدرسة) آه آه منه أيلول
آه منه كم يذكرني بأني ما عدت صغيرة, وان العالم بات أضيق من أن افرش على وجهه كل الطري من احلامي
كل سنة: انتظر 11 شهراً كي افاجئ ايام هذا الشهر تحديداً بفرحة تغير من رتابة وقعه الباذخ الحزن
تنتظر ذاكرتي معي ان يُفاجئ ببعض نسيان متى هلت بشائره هذا الايلول
ولا من سنة أتتني بفرحة أكثر ألصقه بأيامه فتخضر فيها ضحكات تبقى بدل ان يداهمها اصفرار الرحيل
ولا من ذكريات جديدة خبئتها لي اشهر السنة الاخرى كلها لأتقوى على بشائر الخريف الحزين مع قدوم ايلول
رجع ايلول يا هذا النسيان العنيد
و انت لا زلت بعيداً :بغيمة حزينة قمرها وحيد